فيلم “سيرجيو”.. سيرة دبلوماسي هجر رفاهية المكاتب وأصغى للبسطاء في الميدان

28 مايو 2020آخر تحديث :
فيلم “سيرجيو”.. سيرة دبلوماسي هجر رفاهية المكاتب وأصغى للبسطاء في الميدان

خاض الدبلوماسي البرازيلي سيرجيو دي ميلو مهمات صعبة وخطيرة في إطار عمله لنحو 34 عاما في المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، إلى أن لقي مصرعه أخيرا في بغداد عام 2003 نتيجة تفجير في مشهد مأساوي يركز عليه فيلم سيرجيو الذي ينطلق من هذه الواقعة المؤلمة، ويعود إليها مرارا، ليكشف محطات في حياة هذا الدبلوماسي المحنك الذي هجر رفاهية المكاتب ليغرق في فوضى الميدان في عدد من البلدان.

فيلم ”سيرجيو“، الذي ينتمي إلى أفلام السيرة الذاتية والذي أخرجه غريغ باركر وأطلقته شبكة نتفلكس، مؤخرا، يظهر بدايات هذا الدبلوماسي الذي ولد في العاصمة البرازيلية السابقة ريو دي جانيرو علم 1948 ليقضي معظم حياته خارج البرازيل حيث درس الفلسفة في جامعة السوربون وانخرط في فعاليات اليسار الفرنسي، وانضم باكرا إلى فريق الأمم المتحدة في العشرينات من عمره، حيث عمل في جنيف بداية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وترقى حتى عين في منصب مساعد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين عام 1996 ثم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عام 2002.

وكان سيرجيو دي ميلو يتمتع بمهارات دبلوماسية فائقة، وبقدرات لافتة على التفاوض مع الطبقة الحاكمة، في هذا البلد أو ذاك، ولذلك كلف بمهمات في أخطر بقاع العالم، وأكثرها اضطرابا، إذ عمل في بنغلاديش في مجال إغاثة اللاجئين خلال عام 1971 وهي السنوات التي أعقبت استقلالها عن باكستان، وعمل في السودان، وقبرص خلال الأزمة مع تركيا عام 1974، وكذلك في موزمبيق.

وامتد عمله ليشمل خارطة الاضطرابات في مختلف دول العالم من البيرو إلى كمبوديا ولبنان والبوسنة وتيمور الشرقية، ليكون العراق في الفترة التي أعقبت الحرب الأمريكية، عام 2003 محطته الأخيرة.

الفيلم، الذي يتكئ على كتاب بعنوان ”مطاردة الشعلة “ لسامنثا باور، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، يتناول تفاصيل هذه المهمات، والأماكن التي عمل فيها سيرجيو، ويظهر أن الدبلوماسي البرازيلي كان يفضل دائما الوقوف إلى جانب الفقراء والبسطاء واللاجئين، دون أن تصيبه الدبلوماسية والنجاحات التي حققها في هذا المضمار بأي نوع من الغرور أو التعالي.

ونادرا ما يظهر في الفيلم مشهد لمكتب مرفه يمضي فيه الدبلوماسي وقته، كما يفترض، بل تكاد تكون المشاهد كلها خارجية، فالدبلوماسي البرازيلي كان دائما حاضرا في الميدان، حيث الخطر يحيط به من كل جانب، واضعا مآسي الناس فوق ألاعيب السياسة، وهو يؤكد أن ”التحديات الحقيقية والمكأفاة الكبرى للخدمة في الأمم المتحدة هي في العمل الميداني حيث معاناة الناس، وحيث يحتاج إليك الناس“.

ويستعرض الفيلم جانبا من فلسفة سيرجيو في الحياة، فهو كان يتصرف برومانسية حالمة تقوده إلى مجالسة البسطاء، وتبعده عن النخب السياسية في أبراجها العاجية، إلا عند الضرورة، بل كان يرفض أي مظهر من مظاهر السطوة أو النفوذ، فقد أمر بإزالة الحواجز والحراسات من أمام مقر الأمم المتحدة في بغداد كي يكون قريبا من البشر العاديين، وهو ما تسبب لاحقا في حدوث التفجير الذي أودى بحياته، مع أكثر من 20 آخرين، وهو ما يعني أنه ذهب ضحية نزعته الإنسانية.

والملاحظ أن سيرجيو كان يعارض الغزو الأمريكي للعراق، ورفض مرارا تعيينه كمبعوث خاص للأمم المتحدةْ، إلى أن رضخ أخيرا إثر ضغوط من الأمين العام آنذاك، كوفي عنان، والرئيس الأمريكي جورج بوش، غير أنه حافظ على موقفه في انتقاد السياسات الأمريكية في العراق، وأصر على إظهار أن المنظمة الأممية ليست جزءا من تلك السياسيات، وخاض حوارات مطولة مع بول بريمر، الذي كان بمثابة الحاكم الأمريكي للعراق، آنذاك، في أعقاب الحرب.

ورغم أن الفيلم لا يتسم بالتشويق، ذلك أن السيرة المهنية والشخصية لسيرجيو ليست مجهولة، إلا أن ما يسجل للفيلم هو المونتاج المنفذ بعناية، وحبكته المتقنة التي تلتقط اللحظات الدرامية المؤثرة في حياة سيرجيو الحافلة بالكثير من الأحداث والوقائع التي لا يمكن اختزالها في شريط سينمائي لا يتجاوز الساعتين (وهو مدة الفيلم).

ورغم أن سيرجيو هو شخصية سياسية في النهاية، لكن الفيلم لا يخوض كثيرا في هذا الجانب السياسي ومواقف الدول المختلفة، ولا يتقصى خلفية الصراعات والنزاعات التي يتوسط فيها سيرجيو، بل يركز على علاقة الدبلوماسي بصديقته كارولين، وهو ما كشف جانبا خفيا في شخصية سيرجيو الذي جادل مع اعتى السياسيين وعارض الطغاة، لكنه بدا ضعيفا أمام ابتسامة امرأة أو دموعها.

الفيلم من بطولة الممثل البرازيلي فاغنر مورا الذي أدى دور سيرجيو، والذي حقق شهرة واسعة بعد أداء دور ”بابلو اسكوبار“ تاجر المخدرات الكولومبي في مسلسل ”ناكروس“، وتقاسمته البطولة الممثلة الكوبية آنا دي أرماس التي أدت دور (كارولينا لاييرا) صديقة الدبلوماسي في الفيلم الذي ركز على هذا المنحى العاطفي وسط بؤر النزاع في هذا العالم المضطرب.

الاخبار العاجلة