بعد أن وسع “نفوذ روسيا”.. هل تستغل واشنطن وحلفاؤها “متاعب” بوتين الداخلية لترويضه؟

17 يونيو 2020آخر تحديث :
بوتين

أكدت مجلة ”فورين أفيرز“، أن القليل من الدول هي التي تستعصي على الفهم في أوساط صناع السياسة، والمحللين الأمريكيين، مثل روسيا بقيادة فلاديمير بوتين.

بالنسبة للبعض، فإن روسيا دولة مارقة، لا يمكن إصلاحها، وتستجيب فقط، في حالة تعرضها للعقوبات والاحتواء، وآخرون يرون أنها قوة عظمى صاعدة تستحق المزيد من الاحتواء. وفي النهاية، فإن الأمريكيين فقدوا الثقة في قدرتهم على تغيير قواعد اللعبة.

مخاطر داخل روسيا
وأضافت المجلة ”لكن الأوضاع الآن تشير إلى أن روسيا ليست متجانسة أو راسخة. داخل الدولة، فإن هبوط أسعار النفط، وباء كورونا، والصعوبات المتزايدة التي تواجهها روسيا كلها تأتي بتكاليف ومخاطر جديدة بالنسبة للكرملين. في الخارج فإن بوتين استغل يده الضعيفة في اللعب لأن الولايات المتحدة وحلفاءها سمحوا له بذلك، ومنحوا روسيا الفرصة لانتهاك اتفاقية منع انتشار الأسلحة، بالإضافة إلى انتهاك القانون الدولي وسيادة الجيران ونزاهة الانتخابات في الولايات المتحدة وأوروبا“.

2020-06-444-4
ومضت تقول: ”تناست الولايات المتحدة وحلفاؤها الكفاءة السياسية التي ربحت الحرب الباردة، واستمرت في تحقيق النتائج لسنوات عديدة بعدها. تتطلب تلك الإستراتيجية قيادة أمريكية ثابتة على المستوى الرئاسي، الوحدة مع الحلفاء والشركاء الديمقراطيين، وإصرار مشترك للردع والتصدي للسلوك الروسي الخطير. تتضمن أيضًا، حوافز كي تتعاون موسكو، وفي أوقات أخرى، مناشدات مباشرة للشعب الروسي حول الفوائد التي سيجنيها من العلاقات الجيدة. الآن، فإن هذا النهج ذهب ضحية الإهمال، حتى في ظل تصاعد التهديد الروسي للعالم الحر“.

وأكدت ”فورين أفيرز“، أنه أيًا كان المنتصر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، فإنه يتعين عليه أن يحاول مجددًا مع بوتين، ويجب أن تكون المهمة الأولى هي تشكيل جبهة موحدة وقوية للدفاع عن المصالح الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها، في أي مكان تمثّل فيه روسيا تحديًا لها.
ورأت أنه من موقف القوة تستطيع واشنطن وحلفاؤها، أن تتعاون مع روسيا، عندما يكون الأمر متاحًا، يجب عليه أيضًا التصدي لمحاولات بوتين لقطع الروابط بين شعبه والعالم الخارجي، والحديث مباشرة مع الشعب الروسي عن فوائد العمل المشترك، والثمن الذي دفعوه نتيجة تحول بوتين بعيدًا عن الليبرالية.

وأشارت المجلة، إلى أن أصحاب المذهب الواقعي ربما يرون أن شيئًا لن يتغير داخل روسيا، ولكن مصالح الولايات المتحدة ستكون محمية بصورة أفضل من خلال سياسة نشطة تتماشى مع دفاع قوي، ويد ممدودة إذا تحسنت العلاقات. مثل هذا النهج سيكون مكلفًا للغاية بالنسبة للنهج العدواني الذي يستخدمه بوتين، وسيجعل الأنظمة الديمقراطية أكثر أمنًا، وربما يدفع الشعب الروسي نحو التشكيك في حتمية الفرص الأفضل في المستقبل.

إستراتيجية بهدفين

المجلة أعادت التذكير بأنه عندما تولى بوتين مقاليد السلطة في عام 2000، فإنه ”وضع هدفين لتبرير سياساته وتعزيز قبضته على السلطة. على الصعيد الداخلي، تعهد باستعادة النظام بعد سنوات من الفوضى والفقر خلال التسعينيات. أما على الصعيد الخارجي، فقد وعد باستعادة روسيا العظمى، بعد الضياع المذل للأرض، والنفوذ الدولي، والهيمنة العسكرية، والتي جاءت جميعها مع انهيار الاتحاد السوفيتي قبل عقد تقريبًا على توليه زمام الأمور في روسيا“.

وقالت، إن الحكومات الغربية بشكل عام تغاضت عن السياسات التي اتبعها بوتين، وكانت مماثلة إلى حد كبير لنهج الاتحاد السوفيتي السابق، وذلك خلال العقد الأول من رئاسته لروسيا، حيث أغلق جرائد المعارضة وقنواتها التلفزيونية، سجن ونفى وقتل خصومه السياسيين والاقتصاديين، وأعاد سلطة الحزب الواحد في البرلمان والحكومات الإقليمية، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن مشغولة تمامًا بالإرهاب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، واعتقدت أن الشؤون الداخلية بالنسبة لموسكو هي أمر يخصها فقط، ولم يكن لها تأثير على العلاقات المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وفي مرحلة لاحقة، عمل الرؤساء الأمريكيون الديمقراطيون والجمهوريون مع حلفاء الولايات المتحدة عن قرب لمنع بوتين من إعادة تأسيس مجال النفوذ الروسي في أوروبا الشرقية، ومن رفض الاتفاقات الأمنية لجيرانه.. لكن بوتين كان يدرك دائمًا أن وجود حزام من الدول الديمقراطية التي تتمتع بالرخاء حول روسيا سيكون بمثابة تهديد مباشر بالنسبة لحكمه، ويخاطر بتسرب الطموحات الديمقراطية إلى مواطنيه.
وعلى الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها ساهموا في تمكين بوتين من مواصلة سلوكياته الجريئة، فخلال الإثنى عشر عامًا الماضية، فإن بوتين لم يدفع إلا ثمنًا قليلًا لأفعاله، فقد انتهكت روسيا اتفاقات الحد من التسلح، وصنعت أسلحة جديدة ومتطورة، هددت سيادة جورجيا، واستولت على القرم ومعظم دونباس، واستخدمت الحرب السيبرانية ضد البنوك الأجنبية، ومحطات الكهرباء والأنظمة الحكومية، وتدخلت في انتخابات الدول الديمقراطية، واغتالت أعداءها على أراضٍ أوروبية.

2020-06-000-6

نقاط ضعف بوتين
وأشارت المجلة، إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يعطوا الانتباه الكافي لأمر مهم للغاية، يمكن أن يثير قلق بوتين، وهو المزاج العام داخل روسيا، فرعم استمرار بوتين في الحكم على مدار 20 عامًا، إلا أن الفشل في تحديث روسيا من الداخل ربما يطارده بالفعل، ففي عام 2019 كان نمو الناتج الإجمالي المحلي في روسيا 1.3%، وفي ظل وباء كورونا وتراجع أسعار النفط، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الروسي، وتسببت العقوبات الدولية في منع معظم الدول من الاستثمار في روسيا باستثناء الصين.

2020-06-0-22
إصرار بوتين على فرض القيود الحكومية وتأميم قطاعات عريضة من الاقتصاد، تسبب في قمع الابتكار والتنوع، إذ يعاني الروس من انهيار الطرق والسكك الحديدية والمدارس والمستشفيات، وأصبحوا في حالة ضجر شديد، لأن الإنفاق على البنية التحتية تظهر نتائجه الإيجابية، والضرائب وسن التقاعد في ارتفاع، لا يزال الفساد متفشيًا، ولا تزال القوة الشرائية للروس تتراجع بشدة.
وقالت المجلة إن بوتين لن يرحل، رغم أن الدستور الروسي كان ينص على عدم إمكانية ترشحه لولاية رابعة، بعد نهاية ولايته عام 2024، إلا أن البرلمان والمحكمة الدستورية العليا، أقرّا بالفعل، تعديلات دستورية، تسمح له بالترشح لولايتين إضافيتين، مدة كل منهما 6 سنوات، وبالتالي فإنه يمكنه البقاء في السلطة إلى عام 2036، وكي يمنح بوتين شكلًا شرعيًا لذلك، فقد قرر الاستفتاء على تلك التعديلات الدستورية، قبل أن يتسبب وباء كورونا في تأجيل تلك الخطط.
وأكدت أن التحدي الذي سيواجه الولايات المتحدة عام 2021 سيكون قيادة العالم الديمقراطي نحو صياغة إستراتيجية أكثر فعالية لمواجهة روسيا، وهي الإستراتيجية التي ترتكز على القوة وممارسة الضغط على بوتين، من حيث تكمن نقاط ضعفه، خاصة بين مواطنيه، ولكن من الضروري ألا يتم إطلاق أسماء يمكن أن تصب في مصلحة بوتين على تلك الإستراتيجية، مثل ”منافسة القوى العظمى“، أو ”الحرب الباردة الجديدة“.

نهج جديد
يجب على موسكو أيضًا، وفق المجلة، أن ترى خطوات ملموسة من واشنطن وحلفائها لتعزيز الأمن، وإجبار موسكو على دفع الثمن إزاء نهج التسلح والمواجهة، ويتضمن ذلك الحفاظ على ميزانيات الدفاع، واستمرار تحديث ترسانات الأسلحة النووية لدى الولايات المتحدة وحلفائها، نشر صواريخ تقليدية وأنظمة دفاع صاروخي للتصدي لأنظمة التسلح الروسية الجديدة.
وأكدت، أن نجاح روسيا في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا وليبيا، بمثابة نتيجة منطقية لتناقض الولايات المتحدة وتجاهلها لتمدد النفوذ الروسي في تلك المنطقة، حيث نجح بوتين في استغلال تلك الفرصة، وفي الوقت نفسه، قام بحماية وتوسيع النفوذ الروسي الإقليمي.

2020-06-22-56
واختمتت تقريرها: ”ستكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بمثابة فرصة ذهبية للولايات المتحدة، كي تستعيد نفوذها وثقة العالم الديمقراطي، وتعالج الفجوات في أمنها، بعد سنوات من الانجراف والانقسام، وقتها يمكن أن تستغل الولايات المتحدة لحظة التجديد داخليًا والجمود في روسيا، وتمد يدها مجددًا. ربما لا يكون بوتين قادرًا أو راغبًا في ذلك، ولكن يجب على الشعب الروسي أن يعلم، أن واشنطن وحلفاءها يمنحون روسيا ورئيسها فرصة جديدة“.

الاخبار العاجلة