وشدد المتحدثون في الندوة التي عقدت بدعوة من مركز العمل التنموي/معا، ومؤسسة “هينرش بل”، وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية، على ضرورة تأسيس فريق خبراء متعدد الاختصاصات للتفكير والبحث الاستراتيجيين (think tank) يوفر بانتظام بيانات علمية عالية الدقة تستند إلى الأبحاث التطبيقية الفعلية على الأرض، ويوفر معلومات وتقديرات وبحوث حول المناخ والقضايا الهيدرو-مناخية للوزارات والجهات الأهلية المعنية ولمراكز الدراسات والبحوث بشكل عام، التي يسهم عملها في فهم التغيرات المناخية في فلسطين وسائر المنطقة.
وأكدوا ضرورة التركيز في النشاط الإعلامي والبحثي، وخلال المشاركة بالمنابر والمؤتمرات الإقليمية والدولية، بالحديث حول الدور الإسرائيلي في تخريب وتدمير التوازنات المناخية والبيئية، إذ أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على تلوث الغلاف الجوي في فلسطين، وذلك من خلال الانبعاثات الغازية الهائلة الناتجة عن الصناعات المدنية والعسكرية الضخمة الإسرائيلية، إضافة إلى النشاطات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، والصناعات ومحطات توليد الطاقة في الأراضي المحتلة عام 1948، وذلك كله لا يقارن مع التلوث البسيط الذي تسببه الصناعات الفلسطينية الضعيفة والهشة.
وفي هذا السياق، أشار رئيس تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية جورج كرزم، إلى اجماع خبراء المناخ على أن فلسطين وسائر بلاد الشام تتأثر سلبا بأربعة اتجاهات مناخية وهي: ارتفاعات في درجات الحرارة، وارتفاعات في نسب الرطوبة، وارتفاعات في مستويات سطح البحر، وتقلبات أكثر تطرفا في الطقس، وستصبح بلاد الشام وإفريقيا والخليج في أواسط القرن الحالي ساخنة جدا للجنس البشري.
وأضاف كرزم انه مع تفاقم ملامح التغير المناخي سيعاني الفلسطينييون أكثر فأكثر من شح المياه التي يتحكم بها الاحتلال، وأن الأقطار العربية الواقعة على تخوم الصحاري ستصبح أكثر صحراوية؛ أما البلدان الصحراوية- من منظور الجغرافيا السياسية المرتبطة بالتغير المناخي- ستصبح غير صالحة عمليا للسكن البشري، ومن المتوقع، خلال العقود المقبلة، أن تزداد مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات وتلوث المياه، والهجرة القسرية والأوبئة والمجاعة وزيادة التوترات الحدودية.
بدوره، تحدث مدير عام إدارة صحة البيئة في وزارة الصحة محمود عثمان، عن تأثيرات المناخ على الصحة العامة، وذلك من خلال ثلاث آليات وهي: التأثيرات المباشرة عن طريق الموجات الساخنة، وتلوث الهواء والكوارث الجوية الطبيعية، والتأثيرات التي تحدث نتيجة للتغيرات المناخية المتعلقة بالنظم والعلاقات البيئية (المحاصيل الزراعية والناموس وعلم البيئة والانتاج البحري)، والتأثيرات غير المباشرة وهي الأكثر انتشارا مثل: الفقر والنزوح والصراع على الموارد؛ كالمياه، ومشكلات الصحة العقلية والنفسية التي تلي الكوارث.
وتطرق عثمان إلى تغير المناخ الذي سيؤثر على توفر المياه العذبة وجودتها، والاحتباس الحراري العالمي الذي يؤدي لزيادة معدلات الوفيات. فالارتفاع الشديد في حرارة الجو يساهم بشكل مباشر في حدوث الوفيات من خلال الاجهاد الحراري “ضربة الحر” الذي يرتبط بالأمراض القلبية الوعائية والامراض التنفسية، وتغير المناخ الشديد بين البرودة والحرارة في فترات زمنية قصيرة.
ولفت إلى وجود دراسات تثبت العلاقة الطردية ما بين ارتفاع درجات الحرارة مع زيادة انتشار مجموعة من الامراض المعدية للانسان، مثل الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك، والليشمانيا، والبلهارسيا، وغيرها من الامراض الجديدة التي تظهر بسبب تغير المناخ.
من جانبه، أشار الخبير الزراعي والموارد الطبيعية قاسم عبدو، إلى التحديات التي يتعرض لها الاقتصاد والبيئة الفلسطينيان، سواء من الاحتلال الاسرائيلي أو انتشار جائحة كورونا أو نقص الموارد، وهذه التحديات أثبتت أهمية وجود إطار لإدارة الكوارث وضرورة وجود استراتيجيات واضحة في إطار مؤسسي محوكم.
واستعرض قاسم الأهداف الرئيسية والفرعية والسياسات الخاصة بأثر الجفاف والتغير المناخي، وضرورة العمل على التخفيف من الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخي على جميع القطاعات وتحسين قدرة الأفراد والمجتمع على التكيف مع هذه التغيرات، مشيرا الى الاستراتيجيات المطلوبة لتحقيق الأهداف، والآليات والاستراتيجيات التي تساعد في تحقيقها سواء كانت اجراءات قصيرة المدى أو طويلة المدى، وخيارات التكيف والاستجابة في فلسطين.
من جانبه، تطرق خبير التغيرات المناخية في سلطة جودة البيئة نضال كاتبة، الى المراحل التي مرت بها فلسطين على الصعيد البيئي، مبينا أن أول مشاركة رسمية لفلسطين في تغيرات المناخ كانت عام 2009 في مؤتمرات الاطراف للأمم المتحدة لتغير المناخ، وفيه تم اطلاق الاستراتيجية لتغير المناخ بدعم من (UNDP)، وفي عام 2010 تم تشكيل اللجنة الوطنية لتغير المناخ في فلسطين، وهي المرجعية العليا للسياسات في تغير المناخ وشكلت بالبداية من 21 عضوا ثم 27 عضوا، وتتكون من جهات حكومية وغير حكومية، يمثلون كل الاطراف التي لها علاقة بهذا التغيير.
وأوضح أنه منذ عام 2009 حتى الان كانت فلسطين موجودة بكل المؤتمرات بشكل دائم والاجتماعات الخاصة للاتفاقية، ولها وجود قوي وفعال ورسالة واضحة أننا قادرون على ان نكون في المحافل الدولية وأخذ القيادة في العديد من المجالات ومنها تغير المناخ.
وأشار كاتبة إلى تاريخ فلسطين على المستوى البيئي وانضمامها الى الاتفاقيات والمحافل الدولية الخاصة بالبيئة، والأسماء التي مرت بها خلال وجودها في الاتفاقية من 2009، وكانت من أول 15 دولة في العالم وقعت وصادقت على اتفاقية باريس للمناخ في نيويورك، وتم اعتماد سلطة جودة البيئة كنقطة اتصال وطنية لصندوق المناخ الاخضر بقرار من مجلس الوزراء.
وأشار إلى الخطة الوطنية للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ التي تم اعدادها بمشاركة كل ذوي العلاقة في فلسطين مع الجهات الحكومية وغير الحكومية وكثير من الاطراف خارج اللجنة الوطنية، ولجنة تغير المناخ والى الوضوح في الرؤية الفلسطينية للتكيف مع الاثار السلبية في التغير في المناخ، والتي تستهدف 12 قطاعا هم الاكثر تغيرا بالمناخ.
من جهته، تحدث ممثل مؤسسة “هينرش بل” الألمانية نضال عطاالله، عن تقييم دور المجتمع المدني المحلي والدولي، في التغير المناخي، مشيرا الى ان مشاركة المجتمع المدني في مؤتمرات المناخ قد زادت في الفترة الاخيرة، وهناك مشاركة واسعة من مختلف المؤسسات، وشهدنا احداث جرت من اضرابات من اجل المناخ هزت فعليا العالم، وكانت بقيادة مجموعات من الناس والطلبة والاطفال، وهذا يثبت انه بإمكان المجتمع المدني أن يحقق مجموعة نتائج فعلية على ارض الواقع.
وأوضح أن هناك مبادرات بيئية كثيرة وعلى المجتمع المدني احتضانها، كما ان المجتمع المدني لا يقتصر على المؤسسات البيئية والحقوقية بل هناك نظرة شمولية يجب تناول الجامعات والمؤسسات والنقابات والحكم المحلي من أجل تحقيق نتائج أوسع، ويكون هناك ذراع ممتد للمجتمع المدني تتحمل مسؤولية تمثيل مصالح الشارع والشعوب والمجتمعات المهمشة غير القادرة على الوصول.
بدورها، قالت خبيرة البيئة والمناخ صفاء جيوسي: إن المؤسسات المدنية البيئية ما تزال تتمتع بحرية أكبر من غيرها لممارسة أنشطتها لكن تأثيرها محدود في كسب التأييد، كونها تنمو داخل فقاعة واحدة، وبوجود الناشطين أنفسهم، دون الانخراط مع منظمات أخرى تعنى بمواضيع مختلفة لكنها ذات اتصال كبير في الشأن البيئي.
واضافت الجيوسي أن ما تحتاجه مؤسسات المجتمع المدني هو الانخراط مع بقية التحالفات العالمية المختلفة، وتلك التي تنشأ على مستوى المنطقة، وتطبيق مفاهيم العمل التي تنادي بها على كل شخص يعمل فيها، ومن ثم الخروج بها على الملأ لتطبيقها بشكل أوسع، حتى لا يكون ما تنادي به من رسائل مختلفا عما تطبقه على أرض الواقع.
ووفق تقارير الأمم المتحدة المناخية فإن متوسط درجة الحرارة في فلسطين ارتفع بمقدار 1.4 درجة مئوية خلال الفترة 1950-2017، علما أن الثلاثين سنة الأخيرة سجلت الجزء الأكبر من تلك الزيادة، ويتوقع ارتفاعا إضافيا في متوسط درجة الحرارة في فلسطين بمقدار 0.9 درجة مئوية بحلول عام 2050.