عرفات انجازات بطعم المعجزات

10 نوفمبر 2016آخر تحديث :
عرفات انجازات بطعم المعجزات

بقلم: باسم برهوم

استشهد ياسر عرفات “ابو عمار” دون أن يكمل تحقيق كامل أهدافه، وأهداف شعبه الاساسية الاستراتيجية، أهداف التحرير والعودة، ومع ذلك فإننا نعتبره القائد التاريخي والرمز للشعب الفلسطيني، وليس نحن فحسب بل أيضاً العرب والعالم من يعتبره كذلك. وإذا ما قارنا عرفات بقادة حركات التحرُر، فجميعهم أنجزوا لشعوبهم الحُرية والاستقلال. لكنه هو يظل أهم وأبرز هؤلاء القادة.

لماذا إذاً عرفات قائد تاريخي ولماذا نعتقد أن ما أنجزه هو أقرب إلى المعجزات؟

يُمكن اختصار الجواب أن للقضية الفلسطينية طبيعة خاصة، فهي مُختلفة عن أي قضية تَحرُر وطني أخرى في العالم. هي ليست مُعقدة فقط، بل هي الأكثر تعقيداً من بين مُختلف القضايا المُعاصرة، لذلك فكل انجاز انتزعه ابو عمار وانتزعته فتح والثورة الفلسطينية هو بحد ذاته بطعم مُعجزة.

وبهدف توضيح الأسباب، لا بُد من العودة الى العناصر الرئيسية المكونة للقضية الفلسطينية والتي جعلت منها الأعقد، وأن الانجازات خلالها هي بمثابة مُعجزات.

السبب الأول والرئيسي، طبيعة الاستعمار الذي واجهه ويواجهه الشعب الفلسطيني، فقد واجه الفلسطينيون بعد الحرب العالمية الأولى استعماراً مزدوجاً، الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني، وهذا الأخير مشروع بُنيّ اساساً على نفي وجود الشعب الفلسطيني، ونفي أي حق راهن وتاريخي له بوطنه فلسطين. لذلك كان شعار الحركة الصهيونية، (أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض)، وما جعل المسألة أكثر تعقيداً أن بريطانيا التي أعطت حق انتداب فلسطين واستعمارها، جاءت ومعها وعد بلفور، الذي جعل من مهمة الاستعمار البريطاني هو اقامة وطن قومي لليهود على انقاض الشعب الفلسطيني. لذلك فإن ما واجهناه هو مشروع يستهدف انتزاع وإلغاء وجودنا من اساسه.

السبب الثاني، مُرتبط ارتباطاً مُباشراً بالأول فكون الطبيعة المزدوجة للاستعمار، وطبيعة المشروع الصهيوني الإحلالي، فإن الشعب الفلسطيني وجد أنه لا يستطيع منفرداً مواجهة هذا الاستعمار، فلجأ للاستنجاد بإخوته العرب، ولكن بسبب عَجز الأنظمة العربية تحديداً، واحياناً بسبب تواطؤ بعضها مع البريطانيين ومع المشروع الصهيوني، فإن التدخل العربي كان في الغالب سلبياً ولا يصُب في مصلحة الشعب الفلسطيني، بل في مصلحة هذه الأنظمة واسيادها.

السبب الثالث، والمُتعلق بالتدخُل العربي المتواطئ. فإن الشعب الفلسطيني حُرم من قراره الوطني المُستقل، وحُرم من حقه بأن يُقرر مصيره بنفسه، وصادرت الأنظمة هذا الحق، الأمر الذي قاد إلى نكبة عام 1948، هذه الفاجعة التي أدت إلى تشريد والغاء وجود الشعب الفلسطيني والغاء فلسطين عن خارطة الشرق الأوسط، وتم طمس هويته الوطنية تماماً، وكأنه لم يكن.

السبب الثالث يعود إلى قرار للمجتمع الدولي، الذي كانت الدول الاساسية فيه تتبنى المشروع الصهيوني، قرار الغاء وجود القضية الفلسطينية وتحويلها الى قضية انسانية، قضية لاجئين وإغاثة والخطير هُنا أن الأنظمة العربية او غالبيتها على الأقل، كانت تعمل في السياق نفسه وتقوم باحتواء على احتواء الشعب الفلسطيني وفرض الوصاية عليه.

السبب الرابع والأخير، أن الثورة الفلسطينية عندما انطلقت على أرض ليست أرضها، ارض مليئة بالألغام السياسية. إضافة الى أن استراتيجية الأنظمة العربية ومن خلفها اسرائيل والدول الاستعمارية كانت تنطلق من مبدأ إما احتواء الثورة الفلسطينية او تصفيتها، ما فرض على هذه الثورة حروب جانبية كثيرة ولتنتقل من أرض إلى أرض ومن بلد لبلد.

لذلك ولغيره، فإن إعادة عرفات الشعب الفلسطيني إلى خارطة الشرق الأوسط كانت بمثابة مُعجزة. وإعادة بعث الهوية الوطنية الفلسطينية والكيانية الفلسطينية بعد أن تم طمسهما هو مُعجزة، وانجاز تاريخي، وامتلاك الشعب الفلسطيني لإرادته الحُرة وقراره الوطني المُستقل هو أهم المُعجزات في وقت كان يجب ان يخضع الى الوصاية والاحتواء، وبناء الدولة ومؤسساتها على الأرض الفلسطينية وإعادة فلسطين إلى الجُغرافيا، هو أيضاً مُعجزة وقبل ذلك أن يستمر أبو عمار بالثورة الفلسطينية ويتنقل بها من بلد إلى أخرى، في منطقة الشرق الأوسط، حيث النفط واحتدام الصراع الدولي عليه، وأن يبقى متمسكاً رغم كل المؤامرات والضغوط بالثوابت الوطنية والحقوق الوطنية، أليست مُعجزة؟

أما معجزته الأخيرة والأكثر ابهاراً هو أن يستشهد مُحاصراً من قبل شارون والعرب و اميركا وهو يمتلك ارادته الوطنية الحُرة. دون أن يرضخ أو يتنازل وهو يُمسك بالقرار الوطني المُستقل.

أنه قائدنا التاريخي، أنه صانع تاريخنا، صانع وطنيتنا الفلسطينية… إنه رجل الانجازات بطعم المعجزات.

الاخبار العاجلة