دور الأكاديميين والمثقفين في مواجهة مشروع الضم

6 يوليو 2020آخر تحديث :
دور الأكاديميين والمثقفين في مواجهة مشروع الضم

أنور رجب

قبل أكثر من أسبوع، أعلنت مجموعة من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين والعرب البدء بإطلاق “الحملة الدولية الأكاديمية لمناهضة الاحتلال الاسرائيلي وقرار الضم”، وكان لي شرف المشاركة في المداولات التي جرت بهذا الشأن، وبعيداً عن الخوض في الملاحظات والتفاصيل التي واكبت ورافقت تلك المداولات، فإن الحديث يدور هنا حول جوهر الفكرة وأهميتها سواء من ناحية تفعيل وتنظيم وتأطير دور شريحة مهمة ومؤثرة في المجتمع الفلسطيني وقادرة على توسيع نطاق تأثيرها عربياً ودولياً، أو من ناحية الدور الذي من الممكن أن تساهم به هذه الحملة في تقويض وإفشال مشروع الضم (حتى لو تم تنفيذه رمزياً أو جزئياً أو كلياً) لا سيما على المستويين القانوني والسياسي وفق قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية، بالإضافة لتحصين وتدعيم الموقف الفلسطيني بمواقف هيئات ومؤسسات وشخصيات فاعلة في مجتمعاتها، ولعل الخطوة الأولى في تدشين الحملة المتمثلة بجمع تواقيع الآلاف من الأكاديميين والكتاب والمثقفين سواء في فلسطين أو من العالم العربي أو الغربي تشير إلى بوادر نجاح الحملة، ما يشجع على المضى قدماً بها.

من المهم أن يتم تأطير وتنظيم هذه الحملة بما يحافظ على ديمومتها واستمراريتها، من خلال العمل على توسيع قاعدة المشاركة على المستوى الفلسطيني أولاً والعربي ثانياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التنوع الديني والثقافي والاجتماعي، وهو ما من شأنه أن يضمن مشاركة فاعلة ومؤثرة على الصعيد الدولي، كما أنه من المهم صياغة لوائح داخلية ناظمة تضبط إدارة وتوجيه الحملة، وتتضمن تحديد الأهداف المتوخاه والآليات والوسائل والأدوات المنوط بها تنفيذ وتحقيق تلك الأهداف، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار توفر المقومات والأسس التي تشكل بمجملها تربة خصبة لنجاح الحملة سواء محلياً من حيث قوة وصلابة الموقف الفلسطيني بجميع مكوناته وأطيافه، وهو ما ساهم في تعزيز الرفض الشعبي والرسمي عربياً، والأهم هذا التطور الواضح واللافت في الموقف الأوروبي الرسمي بغض النظر عن التفاوت في مستواه بين دولة وأخرى، ناهيك عن حملات ومسيرات التضامن لدعم حقوق الشعب الفلسطيني ورفضاً لمشروع الضم التي انطلقت في غالبية الدول الاوروبية، هذا بالإضافة إلى التحول الجاري في الرأي العام الأميركي وبروز قوى وجمعيات ومنظمات ترى أنها تتقاسم مع الفلسطينيين المعاناة من مظاهر العنصرية وغياب العدالة، وهذا لا يعني الركون إلى أن هذه التحولات والمواقف بلغت مرحلة النضوج والتأثير في صناعة القرار، أو المراهنة على تطورها ذاتياً، إذ إنها بحاجة إلى قوة دافعة تحركها باستمرار وتعمل على زيادة وتيرتها، وهو ما نرى أنه من الطبيعي أن يكون ضمن أهداف هذه الحملة.

من الملاحظ أن المواقف الرافضة لمشروع الضم تحديداً في أوروبا تقوم على دوافع قانونية وإنسانية بما ينسجم مع قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وهي اعتبارات ذات علاقة بقوة الحق وقوة المنطق التي يجب أن تسود في خطابنا الفلسطيني بهدف حشد وتجنيد الرأي العام الدولي على المستويين الشعبي والرسمي، ومن البديهي أن يتضمن خطاب الحملة لغة تخاطب عقول البشر وتلامس ضمائرهم، وهذا يستدعي التركيز على شرح الأبعاد القانونية والسياسية والأخلاقية لمشروع الضم، والآثار المترتبة عليه في حال التنفيذ من ناحية حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية والإنسانية وتدمير فرص السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. ومن هنا نعتقد أن المسألة المركزية التي يجب أن تكون محور اهتمام الحملة هي خوض “معركة الرواية”، والتي تقوم على تفنيد ودحض رواية الاحتلال الاسرائيلي وكشف زيفها وتضليلها، وتقديم الرواية الفلسطينية البديلة التي تستند إلى قوة الحجة والمنطق سواء من الناحية السياسية أو الأخلاقية أو الانسانية. وفي هذا الإطار يمكن تقديم بعض الأفكار التي نعتقد أن من شأنها المساهمة في دعم هذه الحملة:

أولاً: لا بد، كما أشرنا أعلاه، من العمل على تأطير وتنظيم هذه الحملة من خلال صياغة لوائح داخلية ناظمة، وتحديد الأهداف والآليات والوسائل والأدوات التي تشكل ضمانة لاستمرار الحملة وديمومتها.

ثانياً: اعتماد خطاب واقعي وعقلاني ومنطقي، يحاكم الأمور بأبعادها الحقوقية القانونية والأخلاقية والإنسانية والتاريخية، ويبرز معاناة الفلسطينيين وتضحياتهم وإيمانهم بثقافة السلام والتعايش واحترام الآخر، ودحض الرواية الاسرائيلية وتفنيدها كما أشرنا سالفاً، وهذا يقتضي توسيع قاعدة الاتصال والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني بكافة اطيافها ومجالات عملها، وفتح نوافذ من خلالهم للاتصال مع مؤسسات رسمية مثل البرلمانات والبلديات وغيرها من مؤسسات رسمية وشبه رسمية.

ثالثاً: أهمية التنسيق والتعاون مع المنظمات والمؤسسات ذات الاهتمام المشترك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، و(جيش الهبد الإلكتروني) وهو تجربة جديرة بالاهتمام، حيث يتمحور نشاطهم في تفنيد ودحض الرواية الصهيونية وفي الوقت نفسه الترحيب والإشادة بالمواقف الداعمة للقضية الفلسطينية.

رابعاً: أن يكون دور هذه الحملة مكملاً لدور المؤسسة الرسمية، خاصة أنها ستكون متحررة من القيود السياسية والدبلوماسية المفروض على المؤسسة الرسمية مراعاتها.

خامساً: مراعاة أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير منصات خاصة بالحملة بأكثر من لغة، بحيث تشكل عنواناً للحملة والتعريف بها ووسيلة للتواصل معها.

قد تكون هذه الأفكار محط نقاش لدى القائمين على الحملة، ولكن هي محاولة للمساهمة في دعم هذه الفكرة لأهميتها، ولأهمية الدور الذي من الممكن أن تلعبه شريحة الاكاديميين والمثقفين في مواجهة مشاريع التصفية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.

الاخبار العاجلة