كيف نتعامل مع الميكافيلي ترامب؟

15 نوفمبر 2016آخر تحديث :
كيف نتعامل مع الميكافيلي ترامب؟

باسم برهوم

علينا أن نتحرك بسرعة وعلى الفور نحو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ونتواصل معه ومع مستشاريه والمُقربين منه. ترامب أصبح اليوم حقيقة وواقعا في السياسة الدولية، والدول من شرق العالم إلى غربه، بدأت بمد الجسور معه، بغض النظر عن مدى اتفاقها او اختلافها مع مواقفه وتصريحاته حول مختلف القضايا خلال حملته الانتخابية.

ولأنه قادم من خارج الطبقة السياسية الأمريكية التقليدية، وبسبب شعاراته الراديكالية، سواء بما يتعلق بمعالجة الاوضاع الاقتصادية الداخلية او في نظرته للعلاقة مع العالم، فإن فوز ترامب اثار ردود فعل متناقضة تماماً، بسبب مصالح كل طرف و خوفه أو قبوله لما يُفكر به سيد البيت الأبيض الجديد، الذي لم يُمارس من قبل اللعبة السياسية ويتقن قواعدها في الداخل وعلى الساحة الدولية.

من المعروف أن ترامب جاء من بين أوساط اليمين الأمريكي المتشدد، لكنه كرجل أعمال، كان هدفه باستمرار النجاح بأعماله وتحقيق الأرباح، فإنه بالضرورة أن يكون ميكافيلياً تقليدياً، الغاية بالنسبة له تُبرر الوسيلة، حملته الانتخابية التي استخدم فيها كل ما هو ممكن من أجل الوصول للبيت الأبيض، بالإضافة الى شعاره “سأعمل كل شيء من أجل الفوز”.

نحن الفلسطينيون، علينا أن نأخذ بالاعتبار مواقفه من القضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وهي مواقف سلبية في معظمها، إلا أن تحرُكنا نحو ترامب يجب أن لا ينطلق من هذه المواقف المُسبقة، ويجب أن لا يكون التحرُك تقليدياً، لأن هذا الرئيس لن يكون تقليدياً في ادارته، مع ترامب الميكافلي يجب أن نبحث عن مصالحة أو مجموعة مصالح ، وأن نبحث عما هو مُشترك في أولوياته اتجاه الشرق الأوسط وأن نجد وسيلة للتموضع فمن هذه الأولويات بهدف القدرة على التأثير، ومن هناك يمكن أن نضع المسألة الفلسطينية في دائرة الضوء لديه، وأن نواصل الحديث معه ونوضح له أن هزيمة داعش، التي تشكل أهم أولوياته وبأن الحل العادل لهذه القضيةعلى اساس مبدأ الدولتين، هو المدخل الحقيقي والحيوي لمحاربة الارهاب في المنطقة.

نحن نُدرك أن اسرائيل، بالنسبة للولايات المتحدة حليف عضوي، ومسألة دعمها و جعلها متفوقة في كل المجالات، هي من الثوابت في السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية. هذه الثوابت توارثها الرؤساء الأمريكيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، ترامب لن يشذ عن هذا الموروث، إن لم يكن من أكثر المتحمسين له.

ولكن أي رئيس يصل الى البيت الأبيض سيواجه شبكة مُعقدة من المصالح المُشتركة بين واشنطن والعالم لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ومن هنا أيضاً فإن ترامب لن يشذ عن هذه القاعدة. لذلك فإن فرحة وابتهاج المستوطنين واليمين الاسرائيلي بفوز ترامب، لاعتقادهم انه من نفس طينتهم، سرعان ما يتراجع أمام الواقعية السياسية التي سيفرضها المنصب على رجل الأعمال المغامر.

من هُنا يجب ألا نُصاب بالهلع من فرحة المستوطنين فالمبدأ الاساسي في العمل السياسي سيفرض نفسه، الذي يمكن تلخيصه بكم انت قوي وفاعل وذكي في التحرك بقدر ما تفرض نفسك، وتضع قضيتك في مكانها الصحيح وضمن أولويات سيد البيت الأبيض الجديد، فهذا السيد لا يحدد هو فقط أولوياته، بل يمكن أن تفرض عليه أي قضية إذا تصرف أصحابها بالشكل اللائق والذكي. فالمعيار، معيار التعامل مع ترامب أو أي سياسي آخر، هو أن نكون نحن أقوياء بما يكفي و قوتنا نحن الفلسطينيين تنبع من وحدتنا الوطنية، وقدرتنا على تعزيز صمودنا على الأرض، وايضاً وهذا مهم كيف نتصرف بذكاء، وكيف نصيغ علاقة مع ادارة ترامب، ومع القوى المؤثرة في العالم التي لها تأثير على هذا الميكافيلي التقليدي.

الأهم في المرحلة المُقبلة ألا نخضع الى المزايدات المحلية والاقليمية، التي هي في الواقع لا تخدم المصالح الوطنية الفلسطينية الاساسية، لأن الخضوع لهذه المزايدات سيدفع الشعب الفلسطيني ثمنها غالياً، يجب أن لا نلعن ترامب بل أن نجعل من انفسنا اقوياء واذكياء ، كي لا يتمكن الرئيس الجديد من تجاهلنا أو أن يعتقد بأننا مجرد فارق عملة في اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط.

المرحلة المقبلة تفرض علينا وعلى العرب التضامن، صحيح أن الأمة العربية في أسوأ حالاتها، وتشعر أنها مهزومة من الداخل، إلا أن ما تبقى منها يصلح ان يُشكل حالة وازنة اذا ما تماسكت وتضامنت في لحظة تاريخية مصيرها ومصيرنا فيها على المحك.

الاخبار العاجلة