مقتل المواطن السالمي بين التشيع والتكفير.. المسكوت عنه في غزة

19 نوفمبر 2016آخر تحديث :
مقتل المواطن السالمي بين التشيع والتكفير.. المسكوت عنه في غزة

كتب: أنور رجب

رام الله- صدى الإعلام– 19/11/2016 جريمة قتل المواطن مثقال السالمي من مخيم الشاطئ في قطاع غزة، كان يمكن النظر إليها كمثيلاتها من جرائم القتل التي باتت أقرب لان تشكل ظاهرة من ضمن ظواهر اجتماعية أخرى خطيرة بدأت تنتشر في قطاع غزة في السنوات الأخيرة بفعل الأوضاع المأساوية والكارثية التي يعيشــها ســكان القطاع.
إلا أن ما جعل جريمة القتل هذه مختلفة وتحظى باهتمام مجتمعي سواء على صعيد الشارع أو النخبة أو المؤسسات الرسمية والحزبية ومنظمات حقوق الإنسان هو الدافع الذي كان وراء تنفيذ القاتل لهذه الجريمة والذي جاء على خلفية مذهبية باتهام المغدور بأنه يحمل الفكر الشيعي ويروج له، وهذا الأمر لم يكن متوقعا حدوثه حتى في مخيلة ســكان قطاع غزة قبل عشــر ســنوات، لســبب بسيط وواقعي وهو أن سكان قطاع غزة هم بالفطرة من أهل السنة، ولا يوجد من مقومات تسمح أو تشكل أرضية لوجود المذهب الشيعي أو انتشاره كمــا في بلــدان أخرى، ولم تكــن هذه القضية محــط اهتمام أو تداول فــي منظومة العلاقات الاجتماعيــة، وهذا ليــس بيــت القصيد فلكل إنســان حرية اختيار مذهبــه وعقيدته الدينية في حدود احترام الآخر دون تحقير أو إســفاف.
بيد أن هذه الجريمة سلطت الضوء على قضية مهمة وحساسة قد تحمل تفاعلاتها مخاطر غير محمود عقباها على النسيج المجتمعي والوضع الأمنــي في القطــاع وهي المســألة الطائفية، واقعا في ظل وجود بعد أن أصبح التشــيع أمرا الضد المذهبي الطائفي وهو الفكر الداعشــي التكفيري (وكأن غزة في ترف من شــح الأزماتً) لنضيف لها أزمة جديدة اشد فتكا وأعظم خطرا.
بادئ ذي بدء لابد من أن نشــير أن حالة التشيع في غزة هي فعلا موجودة وهناك من يحملون الفكر الشــيعي ويســعون لنشــره فعلا، ويتم ذلك بدعم وتمويل من إيران وبشــكل ممنهج ومخطط له، ويشــار هنا إلى حركة الصابرين لفلســطين «حصن» التــي مركز ثقلها نصــراً في غزة بوصفها تتبنى الفكر الشــيعي وتروج له من خلال مؤسســاتها وجمعياتهــا الخيرية، وبالرغــم من ذلــك، فإنه من المبكــر أن نقول إن التشــيع بــات يشــكل ظاهــرة ذات انتشــار واســع لهــا وزنها وثقلها، ولنا أســبابنا في ذلك ومنها أنه كما أســلفنا أن المجتمع الفلسطيني بعموميتــه هــم بالفطــرة يحملــون المذهــب الســني، ومن هنا فانه ومــن الناحية الزمنية، فان المذهب الشــيعي يعتبــر طارئا وليس من المكونات الأصيلة للمجتمع الفلسطيني، وربما لهذا الســبب نجــد أن غالبية مــن يحملون هذا الفكر ينكرون الاعتراف بشــكل واضح وصريح بتشيعهم بمن فيهم حركة الصابرين نفسها، ويتم الاســتعاضة عــن ذلك بمصطلحــات لها دلالاتها في المذهب الشيعي مثل «حب الحسين وآل البيــت»، وتبني شــعارات ومقولات تخمينية وما إلى ذلك، وهذا مؤشــر علــى أنهم ما زالوا في طور التشــكل والمحاولة ليــس إلا.
أما عن الأســباب التي وفــرت ظروفا مناســبة لمحاولة نشر التشيع في غزة فهي متعددة ومن ضمنها الظــروف الاقتصادية والاجتماعية التي أوجدت حالة مــن الفراغ والإحباط وفقــدان الأمل لدى شريحة الشباب جعلتهم عرضة للانسياق وراء كل جديــد،بالإضافة إلى اســتغلال حالة الفقر والعوز التي يعاني منها غالبية سكان القطاع من خلال تقديم المساعدات الغذائية والمالية عبر جمعيات ومؤسسات ذات شعارات ويافطات توحي باعتناقها المذهب الشــيعي.
أمــا الدور الأخطر فهو الدور الذي تلعبه حركة حماس في توظيف هذه القضية في إطار علاقاتها الإقليمية تحديداً مــع إيران من جهة والســعودية من جهة أخرى فتسمح وتمنع وفق مقتضيات مصلحتها وقربها أو بعدهــا من هذا الطرف أو ذاك، وربما.. وهذا في فكر وإستراتيجية حماس أن ليس مستبعدا تكون حريصة على وجود هذه الحالة التشيعية في إطار سعيها لإيجاد الضد النوعي لخلق شكل مــن التوازن مع جماعــات الفكر التكفيري التي تربت في حضنها، وفي هذا السياق استحضرني هنا تعليق د. خضر محجز على مقتل السالمي بقوله «إن الســماح لحركة المتشــيعين الجدد (الصابريــن) فــي غزة بالظهور والاســتعراض المســلح هو الوصفة الذهبيــة لظهور داعش، فالضد يســتدعي ضده»، وهذا القول فيه قدر كبير من الوجاهة خاصة ان المســألة الطائفية هي الركن الأساسي والرئيسي في إستراتيجية داعــش وأخواتها الفكرية والقتاليــة.
إن إقدام القاتل علــى ارتكاب جريمته لم يكن ليتم لولا توفــر البيئــة الحاضنة للفكــر التكفيري، الذي وجــد تربة خصبــة ينمو فيهــا ويترعرع بفعل بذور الثقافة الدينية التي غرستها حركة حماس القائمة على مفاهيم الإقصاء والتكفير ونشــر الكراهيــة والحقد ضد كل من يخالفها ويختلف معها، وعززتها بمنظومــة من الأفعال القائمة على العنف واستباحة الدماء، وفي الوقت نفسه شــرعنت وجود الجماعــات التكفيرية من خلال توظيفها في إدارة علاقاتها وتصفية حساباتها مع خصومها على المستوى المحلي والإقليمي، وكأنها تعمل وفــق الآية الكريمة «هي عصاي أتــوكأ عليها وأهش بهــا على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى» ســورة طه، الآية 18، وقد تحولت عصا سيدنا موسى إلى ثعبان ضخم ابتلع الشجر والحجــر، ولكنه كان مــن الآمنينلأنه نبي االله، ولله حكمــة فــي ذلك.
وهذا مــا لا ينطبق على حماس، حيث انه وبحكم ســيرة هذه الجماعات وتجــارب الآخريــن فــي توظيفها، فانــه عاجلا أم آجــلا ســتتحول عصــا حمــاس «الجماعــات التكفيرية» إلى ثعبان ضخم ســتكون هي أول مــا يبتلعــه، فهي ليســت نبــي االله والجماعات التكفيرية ليست عصا ســيدنا موسى… أما آن لكم أن تتعظوا. وفــي ختام هذا المقال فإنني أضم صوتي لصوت الداعية التنويري جميل عبد النبــي الذي خاطب دعاة المذهبية قائلا: «دعوا شعبنا وشأنه، فإن كنتم ترون في مذهبنا كفرا فنحن راضون بهذا الكفر! إنكم تعبثون بدوركم إلى جانــب التكفيريين المجرمين باســتقرارنا الداخلــي، فلكــم حذرنا من خطورة التشــرذم المذهبي، ولكم قلنا إن طبيعة شعوبنا القبلية لا تقبــل التنــوع المذهبي، ولكــم قلنا أيضا إن التنظيــر المذهبي في بلــدان ذات ثقافة قبلية، مــع إيماننا لا تقــدم علاجــا وإنما وبــالا جديدا.
المطلــق بالحق الكامل لكل شــخص أن يؤمن بالدين الذي يريد، ويتبنى المذهب الذي يريد، لكننا ننطلق من معطيات واقع لا يمكن تجاهله، تعاني منه شــعوبنا العربية في أكثر من دولة مجــاورة، فالمعركة الشــريفة الآن ليســت في التنظير المذهبي، وإنما في نشــر قيم الحرية والتسامح والشراكة.

الاخبار العاجلة