“فانا”- سلطنة عُمان تزخر بالعديد من المتاحف المتنوعة

26 سبتمبر 2020آخر تحديث :
“فانا”- سلطنة عُمان تزخر بالعديد من المتاحف المتنوعة

تنشر وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، اليوم السبت، بالتعاون مع اتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، تقريرا حول متاحف السلطنة المتنوعة، أعدته وكالة الأنباء العمانية، هذا نصه:

تزخر السلطنة بالعديد من المتاحف المتوزعة في مناطق مختلف من محافظة مسقط و بقية المحافظات ، و تتنوع أحجام و مقتنيات هذه المتاحف و تواريخ إنشائها. و خلافا للمتحف الوطني الذي يعد الأبرز و الأحدث توجد المتاحف الصغيرة و المتخصصة كالمتحف العُماني الفرنسي الذي يقع في مدينة مسقط على مقربة من قصر العلم العامر، ويضم مجموعة من التحف الأثرية والحرف التقليدية ومواد ثقافية تتعلق بالروابط التاريخية بين السلطنة وجمهورية فرنسا.

وكان المتحف في السابق معروفًا ببيت فرنسا وتأتي تسمية هذا المبنى بهذا الاسم منذ أن كان مقرا للقنصلية الفرنسية ما بين عام 1896 / إلى 1920م، وبقي مقرا للقنصلية ومسكنا للقناصل الفرنسيين حتى عام 1920م، حيث جاء إنشاء هذا المتحف لإحياء العلاقات العمانية الفرنسية والتي يزيد عمرها لأكثر من قرن ونصف عام وهو عبارة عن صورة مصغرة للعلاقات التاريخية بين عُمان وفرنسا.

ويعتبر المتحف العُماني الفرنسي هو بيتا مسقطيا تقليديا مربع الشكل ومبنيا بالحجارة وبلاط الجص، في وسطه باحة مربعة صغيرة يحف بها رواق من خشب التك، تفتح عليه جميع الغرف، المرتفعة السقف والموزعة على طابقين، الطابق الأرضي يحوي أربع قاعات، والطابق الأول يحوي خمس قاعات، مقام بأحد المنازل الأثرية الذي يبلغ عمره حوالي 170 سنة، وقد شيدته السيدة غالية بنت سالم البوسعيدي وهي أخت السلطان سعيد بن سلطان، له ارتفاع متوسط.

وتضم قاعاته في طياتها ثراءً متنوعاً نابعاً من المقتنيات المعروضة، تمكن الزائر من التجوال بين رحاب المتحف بشكل انتقائي، فمبنى المتحف بأبوابه وأروقته وقاعاته يتيح الكثير من الخيارات حيث يمكّن الزائر من الدخول إلى المتحف عن طريق باب جانبي صغير، حتى يصل إلى مكتب الاستقبال. ويحتوي المتحف على قاعات متصلة ببعضها البعض.

ومن بين المتاحف أيضًا متحف الطفل هو مؤسسة ثقافية تعنى بتبسيط العلوم والتكنولوجيا، حيث يحوي معروضات علمية في مجالات مختلفة كالكيمياء والفيزياء والأحياء، والهندسة والفلك والكون وغيرها من المجالات. ويستطيع الزائر من خلال تلك المعروضات معرفة الكثير من المعلومات والنظريات العلمية في جو من التسلية حيث يستطيع لمس وتشغيل تلك الأجهزة.

ويهدف المتحف إلى تنمية حب الاستكشاف والمعرفة لدى الأطفال ودفعهم لمحاولة فهم ما يحيط بهم لجعلهم يفهمون المادة العلمية بطريقة مختلفة تساعدهم في تفتيح مداركهم.. كما يسعى المتحف في خطته السنوية لاستقطاب الكثير من الفعاليات والأنشطة المختلفة والتي تستهدف زوار المتحف لتحقيق رسالة المتحف السامية كونه احدى الوسائل المعنية بالثقافة والعلوم.

ويجري المتحف حاليا بلورة خطة التطوير وذلك نظراً لتطور وسائل التفسير والتعليم إلى جانب التقنية، حيث تم مؤخراً إقرار الدراسة الاستشارية لتطوير وإعادة تأهيل متحف الطفل بهدف نشر المعارف في العلوم والتكنولوجيا، وعرض الاختراعات الحديثة، وتوصيل المعلومة العلمية بطريقة مبسطة وسهلة للطفل مما يتيح له استيعاب، إلى جانب محاكاة وتعزيز الروح الإبداعية.

أيضا هناك متحف التاريخ الطبيعي الذي تم افتتاحه في 30 ديسمبر 1985م، ويقع في وزارة التراث والثقافة بحي الوزارات في منطقة الخوير. ويُعني المتحف بالتباين في معالم البيئة العمانية من خلال عروض التضاريس، والجيولوجيا، والنباتات، والحشرات، والحيوانات البرية والبحرية. وعلى الرغم من صغر مساحة المتحف إلا أنه يزخر بكم كبير من الحقائق التي يصعب على الكتب أن تحتويها أو تتضمنها.

ويضم المتحف حيوانات محنطة متواجدة بندرة في البراري من أنواع وفصائل تعيش في أرض عُمان، وهياكل عظمية لكائنات بحرية وطيور وزواحف عاشت في البيئة العمانية وماتت بصورة طبيعية.

ويستقطب المتحف عددا من الزوار من مختلف الأعمار والجنسيات وطلاب المدارس الحكومية والخاصة وطلاب الجامعات والكليات.

الجدير بالذكر أن وزارة التراث والثقافة انتهت من إعداد المخطط العام لمشروع تطوير متحف التاريخ الطبيعي الحالي من خلال إنشاء النسخة الجديدة من المتحف الذي من بين الأهداف الأساسية له أن يكون مقصدا رئيسياً للاستكشاف والتعليم والاطلاع على التُراث والتاريخ الطبيعي ، إلى جانب إبراز الخبرة العُمانية المكتسبة خلال آلاف السنين في التعامل مع الطبيعة.

إلى جانب توثيق صلة المواطن بهذا التُراث من خلال مجموعة من البرامج في مجال إدارة المقتنيات وإقامة برامج وفعاليات منتظمة، والمساهمة في تعزيز وفتح مجالات جديدة في مجال البحث العلمي والتعليم والتواصل والتوعية مع مختلف شرائح المجتمع، وأن يكون المتحف مزارًا سياحيًا يعزز المنظومة السياحية الداخلية والخارجية.

كما يضم متحف التاريخ الطبيعي خمس مجموعات علمية أساسية للحفظ والأرشفة والدراسات العلمية وهي المستحفظ الوطني للأعشاب والنباتات العمانية .

ويضم المستحفظ أكثر من/ 813ر13/ ألف عينة يتم حفظها بطريقة التجفيف أو بمادة الكحول لأغراض الدراسة والأرشفة والمجموعة الوطنية للحشرات وتضم أكثر من/202ر13/ ألف عينة، يتم حفظها بطريقة التجفيف أو بمادة الكحول ، والمجموعة الوطنية للأصداف تضم أكثر من /7044/ ألف عينة من الرخويات الحلزونية والرخويات ذات الأصداف، محفوظة بطريقة التجفيف ، والمجموعة الوطنية للهياكل العظمية تضم أكثر من /3001/ عينة من عظام الفقاريات مثل الثدييات البرية، الطيور، الثدييات البحرية (الحيتان والدلافين)، البرمائيات (السلاحف) ومجموعة من العينات الأخرى اللافقارية، والتي يتم حفظها بطريقة التجفيف أو بمادة الكحول أو التبريد والمجموعة الوطنية للأحافير تضم ما يقارب / 851 / من الأحافير التي يعود تاريخها الى عصور جيولوجية مختلفة، تم تجميعها من مختلف مناطق السلطنة ، كما تضم عددا من التكوينات الأحفورية مثل حجر الجيود، الصوان ووردة الصحراء.

أما المتاحف وبيوت التراث الخاصة فهي تجارب فردية يحاول أصحابها من خلالها عرض العديد من المقتنيات والآثار وكنوز التراث الشعبي والوطني، كما أنها منظومة تسعى لحفظ هذا الموروث ليتسنى للأجيال القادمة معرفة مظاهر الحضارة والهوية التراثية الوطنية للدولة وعددها في السلطنة قرابة (20) متحف تم منح الترخيص النهائي لـ(9) متاحف، تقع في مختلف المحافظات.

ومن أهم المتاحف وبيوت التراث الخاصة متحف بيت الزبير ويقع في ولاية مسقط – محافظة مسقط، ويعرض مقتنيات عُمانية، ومجموعة من الأسلحة التقليدية والمجوهرات والملابس والأدوات المنزلية القديمة، وبعض النماذج التي تمثل البيئة العمانية الريفية والحضرية.

وفتح المتحف بوابته الخشبية المزخرفة للترحب بزواره في عام 1998. ويعد أحد الرموز المعمارية حيث تشرف في عام 1999 بالحصول على جائزة السلطان قابوس للتميز المعماري، وكانت تلك المرة الأولى التي تمنح فيها هذه الجائزة.

ويضم بيت الزبير خمسة مبان مستقلة، وهي: بيت الباغ، وبيت الدلاليل، وبيت العود، وبيت النهضة، وجاليري ساره، بالإضافة إلى الحديقة التي تحتوي على عدد من الملامح التقليدية العُمانية وكذلك مقهى ومحل لبيع الهدايا.

ومتحف بيت آدم يقع في مدينة السلطان قابوس-محافظة مسقط، ويعرض مجموعة من العملات النقدية إلى جانب مجموعة مميزة من القطع والتحف والحلي والأسلحة القديمة والوثائق والمخطوطات الأصلية. وقد افتتح أبوابه رسمياً عام 2013م ومنذ ذلك وهو يستقطب جمعا من الزوار والسياح لما يتمتع به من عناصر جذب.

ويتكون المتحف من عدة قاعات أهمها القاعة الرئيسية وقد صممت بطريقة جاذبة ومشوقة وهناك قاعة أخرى تضم مجموعة من الخناجر، وأخرى تحوي مكتبة بها الكثير من الكتب والوثائق وهناك ركن يعرض فيه مجموعة من الصور واللوحات بالإضافة إلى عملات ومسكوكات وطوابع.

أما متحف بدية فيقع بالقرب من حصن المنترب بولاية بدية -محافظة الشرقية، وقد صمم مبنى المتحف محاكاة للطابع المعماري العماني القديم حيث شيد بالحجارة.

ويضم المتحف بين جنباته مجموعة من المقتنيات الأثرية والتراثية من أسلحة وعملات وحِرف وأزياء وغيرها والتي تحكي تاريخ ولاية بدية بشكل خاص والسلطنة بشكل عام، وأهم ما يميزه هو عرض لنماذج عدة من أنواع الخناجر العمانية بتباين أشكالها واختلاف سماتها وما تنفرد به كل منطقة من مناطق السلطنة عن الأخرى.
ومتحف المكان والناس يقع في مدينة مطرح بمحافظة مسقط، وهو عبارة عن مجموعة من البيوت القديمة التي تُجسد ملامح العمارة العمانية القديمة، كذلك يُمثل هذا المتحف نمط حياة الإنسان العماني في الفترة من 1950- 1975م، وذلك في سعيه لاكتساب المعارف والفنون والصناعات مع محاولة العيش والتكيف معها.

افتتح المتحف عام 2013م، ومن أهم مقتنياته أثاث منزلي وطاولات وكراسي يعود بعضها إلى قرن من الزمن وكذلك مقتنيات نادرة من بسط وأسرة ومجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة وكذلك الحلي والفضيات ومجموعة الأزياء العمانية وغير العمانية والأدوات النحاسية وغير ذلك الكثير.

والمتحف لا يتحدث عما خلفه الإنسان العماني عبر العصور من تراث وثقافة فحسب ، وإنما يتناول أيضاً قصة الإنسان العماني ذاته وكيفية تأقلمه وتعايشه مع العالم الحديث ومستجداته مع تمسكه برصيد تراثه الثقافي.

ومتحف الحصن القديم يقع في ولاية الكامل والوافي في محافظة جنوب الشرقية يعرض فيه مجموعة من المقتنيات الأثرية والتراثية من أسلحة وعملات ولوحات وحرف وخزفيات وطوابع قديمة وغيرها.

ومما يميز متحف الحصن القديم مرور فلج الكامل بين جنباته ويعتبر ذلك إضافة جمال آخر وعنصر جذب له. ويعد الحصن القديم ذا مكانة تاريخية فقد كان مقراً للولاة ما بين عام 1364 للهجرة الموافق 1944للميلاد إلى بزوغ عصر النهضة المباركة. وفي عام 2000م أنعم السلطان قابوس /رحمه الله/ بأوامره السامية بإعادة ترميمه، وقد قامت الوزارة بترميمه وتسليمه بحالته الأصلية إلى الشيخ خميس بن حليس الهاشمي.

أما متحف أبناء مجان فيقع بولاية صحار في محافظة شمال الباطنة، ويعرض مجموعة متنوعة من المقتنيات التراثية كالأسلحة والعملات وأدوات الملاحة والأدوات الزراعية والمشغولات الحرفية والتراثية المتداولة والموروثة على مر الأجيال.

افتتح المتحف عام 2014م، ويتكون من قاعة عرض واسعة ذات سقف مزخرف من السعف ومن أبرز المقتنيات قارب صيد قديم من نوع الهوري يسمى “الحيمر” نسبة لنجم الحيمر (الأحيمر) ورياح الحيمر التي تهب من الشمال.

ومتحف بيت الغشام يقع في ولاية وادي المعاول في محافظة جنوب الباطنة، ويعرض مجموعة من المقتنيات ذات طابع تراثي لتشمل أواني نحاسية وفخارية ومشغولات سعفية وعملات نقدية، بالإضافة لمجموعة من الحلي والمناديس والأسلحة، وغيرها من المقتنيات.

وتؤرخ فترة بناء البيت إلى عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي أي إن عمره تجاوز قرنين من الزمن وقد صمم على طراز الفن المعماري العماني. ويتكون من دورين ويضم 15 غرفة متنوعة كالصباح والسبلة والغرف المحصنة وأبراج مراقبة وبئر وأماكن تخزين التمور والمواد الغذائية الأخرى وفناء واسع بعد مدخله الشرقي يضفي عليه انشراحاً وجمالاً دائمين.

كان البيت في بدايته منزلاً للسيد محمد بن أحمد بن ناصر الغشام البوسعيدي ومن هنا جاءت التسمية ببيت الغشام، ثم صار للسيد أحمد بن هلال بن علي البوسعيدي، ثم اشتراه السيد علي بن حمود البوسعيدي الذي أعاد ترميمه كما ينبغي وفقاً للطراز المعماري الذي كان عليه، بغرض جعله متحفاً يؤدي أدواراً ثقافية واجتماعية وسياحية.

ويمثل متحف بيت الغشام نمط العمارة الطينية العمانية الذي تم أحياؤه وإعادة استخدامه. ويعد اليوم مزاراً سياحياً مهماً لما يتمتع به من مقومات السياحة الثقافية مع توفر المرافق المهمة كمطعم ومحلات لبيع التحف والهدايا خدمة للزوار. ويقدم نموذجا رائعاً للأنشطة المتحفية السياحية بشكل متكامل من خلال إقامة العديد من الفعاليات والبرامج الثقافية والأنشطة المختلفة مع وجود مسرحاً به.

أما متحف مدحاء فيقع بولاية مدحاء في محافظة مسندم، ويعرض المتحف مجموعة من المقتنيات الأثرية والتراثية، من نقوش صخرية وأحافير وأسلحة ومسكوكات وأحجار كريمة وخواتم، ومخطوطات ووثائق، وغير ذلك فيعتبر المتحف غنيا بتنوع مقتنياته الثمينة كالقطع الأثرية التي تعود إلى فترات قبل الميلاد كالرسومات والكتابات الصخرية والمخطوطات في علوم مختلفة وغير ذلك من مقتنيات التراث الثقافي للوطن ومنها ما هو عن حضارات وثقافات مختلفة، لتصبح جميعها تحت سقف واحد وفي مأمن عن الضياع والاندثار ولتبقى مرآة للزائر ومرجعاً للباحث. لقد جاءت إقامة المتحف بمكرمة من السلطان قابوس /رحمه الله/ وتم افتتاحه رسمياً عام 2018م.

ومتحف العفية التراثي يقع في ولاية صور في محافظة جنوب الشرقية، ويعرض مجموعة من المقتنيات التراثية، من عملات وأسلحة وكتب ووثائق وأدوات موسيقية، وأجهزة إلكترونية، وأوانٍ فخارية ونحاسية وسعفيات وأبواب خشبية وغيرها، ومما يضيف للمتحف جمالا هو وجود مجسم لحصن بلاد صور ومعروض أمام مدخل المتحف.

الصناعات الفخارية العُمانية.. الأشكال التقليدية والثراء الزخرفي

يعرض المتحف الوطني في مسقط في العديد من قاعاته عددا من الأواني الفخارية والحجرية أو جذاذات منها اختلفت أشْكالُها وأنماطها الزخرفية، حيث احتوت الأَوعية الشائعةُ من الأَواني الحجرية مع بداية العصر الحديدي بشكل كبير على جوانب مستقيمة بأَطراف بارزة، كما تشابهت تلك الأَواني المفوهة في شكلها مع الأَواني الفخارية التي من الفترة نفسها، واستبدلت الأَشكال الدائرية المحفورة بأَنماط متعرجة، وخطوط عمودية، ومثلثات بخطوط رفيعة، وتظهِر تلك الأَوانِي مع نهاية هذه الفترة سيادة الخطوط المتعرجة، وتتضمن أَحيانا أَشكالا بدائية.

وكانت الكشوفات الأثرية في كل من قرية بات قرب ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، والعرجاء بوادي الجزي قرب ولاية صحار بمحافظة شمال الباطنة، وقرية الأخضر بوادي سمد بولاية المضيبي في محافظة شمال الشرقية، التي تعود إلى الألف الرابعة مقبل الميلاد، قد دلت على أن هناك صناعة منتشرة للأواني الفخارية، ووصفت بأنها كانت صناعة متطورة وراقية كمثيلاتها في المنطقة في تلك الفترة، وأنها كانت معاصرة للحضارة السومرية القديمة ببلاد الرافدين مثل مناطق /أور/ و /جمدت نصر/، وقد تأثرت بأساليب صناعة الفخار القائمة آنذاك بجنوب فارس، وهذا يدلنا على وجود صلات تجارية قديمة بين عُمان وهذه المناطق.

وعثر بتل قرب بسياء الواقعة إلى الجنوب من ولاية بُهلا بمحافظة الداخلية على قطع أوانٍ فخارية، منها آنية جدرانها سميكة شبيهة بتلك التي عثر عليها بحفريات ميناء رأس الحد، الذي يشبه بدوره ما وجد في جيدي ومجموعة جزر لامو في شرق أفريقية، أو سيراف المطلة على بحر فارس، وتدل الآنية التي كُشف عنها في بهلا على تشابك الصلات والمصالح المتبادلة بين داخلية البلاد وسواحلها، كما عثر على مجموعة من قطع الفخار عند مصب وادي بني خروص على ساحل جنوب الباطنة ما بين مدينتي المصنعة وبركاء تشبه الفخار الذي عثر عليه بسامراء في العراق وسيراف ببلاد فارس، واليمن، وهذا يدلنا على أن عُمان كانت ملتقى تجتمع فيها تأثير حضارات مختلفة، فتصهرها في بوتقتها، فمثلا نجد بمصنع بهلا أن عجلة الفخار والقالب الذي يصب فيه شبيه بالنمط السومري القديم، بينما مصنع سور السوادي بولاية صحم في محافظة شمال الباطنة، قد تأثر بالنمط الفارسي، من حيث القالب و”المهبة “الموقد الذي يحرق فيه الفخار، ويجمع مصنع مسلمات ( قرية بوادي المعاول) النمطين السومري والفارسي كما عثر على قطع أواني فخارية لونها أخضر مشوب بزرقة، وآنية أخرى مزججة.
وتتميز المصنوعات الفخارية المعروضة في المتحف الوطني بزخارف متنوعة ، تؤكد قدرة الفنان العُماني على الابتكار وغزارة الأفكار والحلول التشكيلية التي يمتلكها للتعبير عن مضمون ثقافته، والغنى في استخدام المفردات التشكيلية التي شغلت مختلف المساحات بعدة وحدات زخرفية منها : الحز على السطح وهو رطب، وقد تملأ الحزوز بألوان، وكان من الزخارف التي استخدمت أيضاً الزخارف التي اعتمدت على الوحدات الهندسية والنباتية والعناصر الكتابية أو الزخارف المستمدة من التراث الإسلامي كالزخارف المفرغة وكتابة الآيات القرآنية حيث استخدم الحرفي العُماني منذ القدم أنواعا من الطين في الصناعات الفخارية التي امتازت بأشكال تقليدية وثراء أسطحها الزخرفية القائمة على الخط والنقطة والملامح البصرية المرتبطة ببساطة التنفيذ.

وفي هذا الصدد يقول ناصر بن سيف الحاتمي فنان تشكيلي ومصمم في الحرف التقليدية إن “موروثات الفخار منذ نشأتها الأولى تمتاز بالرشاقة والجمال الذي يحدد قوتها الأصيلة وفوائدها المطلقة ، حيث تمتاز هذه الموروثات الفخارية بأشكالها التقليدية وثراء أسطحها الزخرفية القائمة على الخط والنقطة والملامح البصرية المرتبطة ببساطة التنفيذ والقائمة على بعض المهارات البسيطة والبصمات الخطية والنقطية باستخدام الأدوات البسيطة مثل الحبال وقطع الخشب التي تترك أثرا على الفخار وتضيف له اللمسة الجمالية التي نراها في الفخار القديم”.

ويضيف الحاتمي إن “الفخاريين العُمانيين استخدموا نوعين من الطين من خلال العينات الموجودة في المتحف الوطني وهي تشير إلى أنه استخدم طينة المدر وهي متوفرة الآن بسهولة ويسر في الكثير من محافظات السلطنة، وتمتاز بتحملها لدرجات الحرارة ومساميتها ومرونتها بفضل الجزئيات المكونة لخواص هذا النوع من الطين، ولونها يتراوح ما بين الأبيض الكريمي والوردي الباهت ويمكن مشاهدتها في العديد من قاعات المتحف الوطني في المباخر والمجامر والأواني المستخدمة في حفظ الماء، واستخدم صانعي الفخار العُمانيين أيضا تربة الصربوخ وهي تربة حجرية ملساء وتستخدم بعد طحنها وتمتاز بالصلابة ومقاومتها للحرارة في درجات عالية جدا حيث تم استخدامها في صنع أواني الطبخ والأواني التي تحفظ اللبن”.

وأوضح “أن الموروثات من الفخاريات يمكن ملاحظة أنها تمتاز بتشابهها من حيث الشكل والتسميات مع وجود اختلافات بسيطة وظيفية تميز كل منتج عن الآخر، ومن أمثلة ذلك /الجحلة/ وهي إناء فخاري معروف لحفظ وتبريد الماء، فالمسمى واحد ولكنها تختلف من حيث الشكل، فالجحلة المصنوعة في ولاية بهلا بمحافظة الداخلية عبارة عن انتفاخ كروي في بطن الجحلة، بينما المصنوعة في ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة والولايات الساحلية تمتاز باتساع أكبر في نقطة البطن بحيث تميل الى الشكل البيضاوي، وهندسيا لم يأتِ هذا الشكل عشوائيا، فالحرفي قصد الشكل من حيث ايجابية تدفق الماء أثناء سكبه منها، وكذلك صفة التبريد من حيث المساميات الموجودة في هذا الإناء عند تعليقها”.

ويقول إنه “من خلال مشاهدة المقتنيات الموجودة في المتحف الوطني والمرتبطة بصناع الفخار واستخدام الفخاريين العُمانيين لمجموعة من المهارات المتطورة جدا آنذاك رغم بساطة أشكال الفخار حيث تم استخدام التشكيل بالدولاب أو العجلة والحبال والشرائح والبصمة عن طريق قطع القماش أو باستخدام قوالب تصنع بواسطة أوراق الأشجار أو من قطع القماش، وهذه التقنية رغم استمرارية هذه الحرفة إلا أنها في التشكيل والتصنيع تتوارث حتى الآن، أما من حيث التقسيمات المتعلقة بالشكل ظهرت من خلال الأشكال الموجودة في المتحف بعض الأواني مثل الخروس والجرار والمجامر، واستخدم العُمانيون طرقا بدائية بسيطة في الزخرفة القائمة على النقش بالأدوات البسيطة مثل اللف الحلزوني باستخدام الحبال أو استخدام الدولاب، واستخدام الزخرفة المباشرة عن طرق السطل والتلوين بصبغات طبيعية تميل إلى الحمرة في بداية ظهور الفخار والخزف، وتقرب إلى صبغات قد تصل الى البريق المعدني أو الكليزات في الطلعات الزجاجية، ومن خلال هذه الأشكال الفخارية سواء كانت الأشكال كاملة مثل الأواني الفخارية التي تستخدم استخدامات نفعية لحفظ الماء أم لحفظ الحبوب مثل الجرار والجحال والخروس والمقتنيات الأخرى.

ويضيف: من حيث تقنيات وطرق حرق الطين فمن خلال ما تم العثور عليه من مقتنيات استخدم العُمانيون طرقا بسيطة في الحرق فقد استخدموا أفران الحرق أو الشيّ المباشر في الطين وتقنيات صناعة الافران التي تحتوي على بيت النار والرماد وبيت المشغولات وغيرها من التقنيات في الحرق وأيضا في تقنيات التشكيل ومن خلال ما تم العثور عليه من الموروثات الفخارية انعكس تأثر الإنسان باختلاف البيئات في عُمان، ولو لاحظنا أشكال الفخار العُماني فنجد مثلا المبخر العُماني في مسندم وجد على شكل طبقات فهو في المظهر من شكل واحد ولكن في ثلاث طبقات وأحيانا في طبقتين وأيضا من مقبضين وأحيانا يتعدى الى 3 مقابض ويحتوي على نفس الزخارف التي وجدت في المبخر الذي وجد في ظفار، على أن الأشكال في ظفار اختلفت فتأخذ الشكل الدائري المرن والشكل المربع بالزوايا الحادة المكون من الصروج العلوية، وانعكست نفس الوحدات الزخرفية على نفس اسطح المباخر الموجودة في ظفار والموجودة في محافظة مسندم، بينما نلاحظ المباخر المستخدمة في شمال عُمان تمتاز بصغر حجمها وبساطة النقوش التي عليها والقائمة على التأشيرة، وهي من التقنيات الكثيرة في عمل الفخار”.

إتقانٌ وإبداع في خط وزخرفة المصاحف العُمانية

تزخر قاعة عظمة الإسلام بالمتحف الوطني بمسقط بالعديد من الكنوز التي تثري الزائر للمتحف وتعرفه بإسهامات العمانيين في العديد من مجالات العلوم، حيث تضم القاعة من بين المعروضات العديد من المصاحف العمانية المخطوطة التي أولاها النساخ والخطاطون العمانيون أهمية كبيرة، وتسابقوا في اتقانها وإبداعها وتتميز بجمال الخط، وحسن تجليدها وزخرفتها وتذهيبها.

وفي دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة هناك عدد كبير من المصاحف المخطوطة تتجاوز 200 مصحف، يقول عنها محمد بن فايل الطارشي رئيس قسم تسجيل المخطوطات بالوزارة : إن من بينها ” مصاحف متميزة بطابعها الزخرفي واشكالها الهندسية والنباتية التي تتسم بالواقعية والتواضع وبالألوان الزاهية والتي حاول الخطاطون والنساخون العمانيون أن يبذلوا قصارى جهدهم في نسخ هذا النوع من المخطوطات بالخط العماني المميز والذي يجمع بين خط النسخ وخط الثلث و يعمد الى استخدام الخطوط المتشابكة في بداية المخطوط ونهايته”.

وأضاف الطارشي الذي أعد بحثا في هذا المجال إن “الخطاطين والنساخ العمانيين استخدموا في نسخ المصاحف العديد من الأدوات لرسم الأشكال الهندسية منها الدائري والبيضاوي والمستطيل والمربع وطغى على هذه العناصر الزخرفية الألوان والأحبار السائدة آنذاك مثل اللون الأحمر والأسود والأزرق والبني واستخدام الزخرفة بماء الذهب في أضيق الحدود، وتجلت تلك الزخرفة في اللوحات الفنية البديعة في أول المصحف وفي آخره والتي نطلق عليها الصفحة الاستهلالية أو الاستفتاحية وفي قيد الختام او حرف المتن وأيضا في فواتح السور وأطر الصفحات وفي الحواشي والهوامش التي تضم علامات رؤوس الآيات والأجزاء والأحزاب ومواضع السجدات ويلي ذلك ويسبقه كثير من التقييدات كالوقف والتملك والشراء والإعارة ، إضافة إلى العديد من الظواهر الكتابية في أول المصحف وآخره والتي تشكل لوحات فنية بديعة، فمثلا كتبت أبيات شعرية في آخر المخطوط خصوصا عندما تكون قيود الختام في المخطوطات منفصلة عن النص وهو ما يجعل بعض النساخ يزيدون بعض الأبيات في نهاية المصحف تعبر عن معاناتهم وما بذلوه من جهد فمثلا هذه أبيات شعرية تعبر عن مشاعر حقيقية يقترن فيها الخوف من الموت باليقين بأن أمد هذه الكتابة سيطول:

وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه

وأوضح ان “من الظواهر الكتابية التي تعتبر من العناصر الزخرفية وتزين بها المصاحف انقسام الكلمات في أواخر السطر وتكمل في السطر الذي يليه أو في الهامش للمحافظة على المساواة بين هذه الأسطر”، مشيرا إلى أنه “توجد في مكتبة وزارة التراث والثقافة وأيضا في المصاحف العمانية في الخزانات العامة كثير من هذه النماذج من المصاحف، وأيضا من الظواهر الكتابية الآيات القرآنية، فأحد المصاحف المشهورة وهو مخطوط “المصحف السندي” وهو للخطاط محمد بن فاضل السندي نسخ في سنة 1179 هـ في بندر مسقط ومحفوظ في مكتبة الوزارة برقم 2863، ختمت نهايته بآية قرآنية من سورة الأنعام “وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم”، وكتبت هذه الآية داخل إطار دائري الشكل ذي أرضية زرقاء ومزخرف بالألوان الأحمر والأصفر والأسود.

وقال محمد بن فايل الطارشي إن “من الظواهر الكتابية أيضا “التعقيبة” وهي الكلمة التي في أسفل الصفحة اليمنى غالبا لتدل على بدء الصفحة التي تليها، وتسمى أيضا لفظ التتابع بين الصفحات وهو نوع من الترقيم استخدمه القدماء لترتيب مؤلفاتهم وهي أن يثبت الناسخ في نهاية المصحف تحت آخر كلمة من السطر الأخير أول كلمة أو كلمتين من الصفحة الموالية لها للدلالة على تسلسل النص، وكانوا يفعلون ذلك ليهتدوا إلى ترتيب الأوراق عند اضطراب هذا الترتيب لسبب تفكك أوراق المخطوط وغير ذلك”.

وبين الطارشي أنه “لم تقتصر أيضا الزخرفة عن الظواهر الكتابية وأول المخطوط وآخره بل امتدت الزخرفة أيضا إلى دفتي المخطوط وهو الجلد وأيضا إلى لسانها وداخلها، فقد تم تبطين بعض المصاحف بقماش من الحرير، ووقفت على مصاحف عمانية محفوظة في مكتبة وزارة التراث والثقافة برقم حفظ 4891، والتبطين هو نوع من الزخرفة بألوان الإبرو وهي زخرفة مستوحاة من مصاحف فارسية ظهرت في القرن العاشر، وهناك مصاحف عمانية مبطنة بهذا النوع من الألوان المتداخلة”.

وأشار إلى أن “بعض المصاحف المحفوظة في مكتبة وزارة التراث والثقافة ورد بعضها إلى الوزارة ومنها مصاحف عمانية كتبت بأيدي نساخ عمانيين، وبعضها مصاحف غير عمانية وهي مصاحف مغاربية فارسية وتركية، وعليها تقييدات ووفيات الملاك وواقفين عمانيين، وتم حصر وتوصيف وفهرسة المصاحف وقدرت بأكثر من 300 مصحف ومخطوط وربعة قرآنية ( الختمة، عدد أجزاء القرآن تجزئة 30 جزءًا) وكان يقيد عليها كثير من تواريخ الوفيات، ويتضح من خلال هذه التقييدات ان هذه الختمة تقرأ على روح الاموات ويكتب خاتم القرآن هذا التقييد، وكانت ايضا هذا الختمة تؤجر لمن يقرأها على روح الميت، وقد وقفت على كثير من تلك التقييدات وبعضها به ثمن الاستئجار”.

وأضاف “لقد قمت بدراسة مصاحف امتدت من القرن الحادي عشر إلى الرابع عشر الهجريين، وأقدم المنسوخ منها مصحف نسخ سنة 1054هـ بيد سالم بن ربيع بن راشد البهلوي محفوظة بمكتبة وزارة التراث والثقافة برقم حفظ 15 إلا أنه يوجد ما هو أقدم منها، وهي أقدم النسخ المؤرخة من المصاحف العمانية المخطوطة في خزانة أبي الحكم أحمد بن عبدالله الحارثي ونسخ سنة 1028هـ بيد الناسخ الخطاط أحمد بن عبدالله الخليلي، وأحدث هذه المصاحف مصحف نسخ سنة 1332هـ بيد زهران بن خلفان بن سرور اليعربي محفوظ بمكتبة وزارة التراث والثقافة برقم حفظ 4393”.

وقال إن دراسته “قسمت المصاحف موضوع البحث إلى مصاحف تامة معروفة الناسخ بالتصريح او القرائن ويقدر عددها بأكثر من 50 مصحفا، ومصاحف غير تامة مجهولة الناسخ والتاريخ وهي الأكثر ويقدر عددها بأكثر من 250 مصحفا، أما المصاحف غير التامة ناقصة الأول والآخر وفقدت جلودها الأصلية واستحدث لها جلود حديثة فإن هذا النقص تم بفعل كثرة الاستخدام لهذه المصاحف وحوادث الزمن من القدم والتآكل والرطوبة والأرضة أو بفعل السطو والاستيلاء على بعض تلك الأوراق خصوصا التي تحتوي على بيانات النسخ، فنجد كثيرا من هذه المصاحف مبتورة الآخر، وكذلك تعمد بعض النساخ عدم كتابة اسمه وبيانات نسخه”.

وأوضح محمد بن فايل الطارشي رئيس قسم تسجيل المخطوطات بوزارة التراث والثقافة أن تلك المصاحف التي تتبع دراستها اتخذت شكلين وعائيين هي المصاحف والأرباع ، حيث بلغ عدد المصاحف 260 مصحفا بالإضافة إلى 40 ربعة قرآنية وختمة، وأغلب تلك المصاحف تأخذ الشكل العمودي بحيث يكون ارتفاع المصحف أكبر من عرضه، وتوجد أشكال أخرى للمصاحف ومنها الشكل السفيني ويكون العرض أكبر من الطول، وهي مصاحف غير موجودة لدينا وظهرت في القرون الهجرية الأولى”.

وحول مقاس المصاحف العمودية بمكتبة وزارة التراث والثقافة قال الطارشي إن “أكبر مقاس وقفنا عليه 36 سنتم في 25 سنتم، وأصغرها 16 في 10 سنتم وهو عبارة عن ربعة قرآنية، وبين هذين المقاسين جاءت بقية المصاحف”، مشيرا إلى أن أندر المصاحف المخطوطة والمحفوظة بمكتبة الوزارة مصحف القراءات السبع بخط الناسخ الخطاط الشيخ عبدالله بن بشير بن مسعود الحضرمي الصحاري في القرن الثاني عشر الهجري وهو يصنف من النساخ البارعين لروعة خطه، وهو أيضا عالم ومؤلف وله تصانيف فقهية ومن آثاره العلمية “الكوكب الدرئ” و “النور المستبين” و ” مختصر كتاب المصنف” وغيرها”، وفرغ الحضرمي من كتابة المصحف الشريف في السادس من محرم سنة 1253 هـ، وهو أحد مصاحف عديدة كتبها بخط النسخ الجميل.. وجعل اللون الأسود هو الأساس، ولون بالأحمر: السطر الأول من بداية كل جزء، أسماء السور، واسم الجلالة، والبسملة، وأول حرف من كل سطر، وكان الحضرمي بارعا في تنسيق الصفحات والأسطر؛ إذ تبدأ كل صفحة بأول آية وتختم بنهاية آية، والحرف الأول الذي يبدأ به السطر الأول هو الحرف نفسه الذي يبدأ به السطر الأخير في الصفحة، كما أن أول حرف من السطر الثاني من أعلى الصفحة هو أول حرف من السطر الثاني من أسفلها، وهكذا بقية الأسطر، ويستمر التنسيق بهذا التناظر في بقية الصفحات، أما السطر الثامن في وسط الصفحة اليمنى فإن أول حرف منه هو الحرف نفسه في أول السطر الثامن من الصفحة اليسرى.

ومن المصاحف العمانية بدار المخطوطات مصحف /الريامي/ الذي لا يجد المتصفح له أي نقش أو زخرفه وهو مصحف كتبه الأديب النسابة عامر بن سليمان الريامي من علماء القرن الثالث عشر الهجري وفرغ من كتابته في منتصف ذي الحجة 1240هـ ويجد القارئ التلوين والزخرفة في صفحتيه الأوليين فقط، ولكنها زخرفة هادئة كأنما هي قطعة نسيج من التراث العماني القديم أما خط الناسخ فغير مميز لكنه واضح ومقروء، متباعد الأسطر، ولا يجد المتصفح له أثر لزخارف تذكر، بل تخلو صفحات المصحف عادة من التأطير ولون الخطاط بالأحمر أسماء السور التي يحيطها بإطار أحيانا وأحيانا دونه.

ومن بين مصاحف الدار أيضا مصحف حمل اسم /مصحف الوايلي/ وهو من بين النماذج التي تظهر فيه بساطة مخطوطات المصاحف العُمانية وخط المصحف الناسخ سليمان بن مطر الوايلي وفرغ منه في يوم الاثنين 2 جمادى الأولى 1291هـ ولا يجد المتصفح لهذا المصحف أي زخارف تذكر سوى إطار من خطين متوازيين باللون الأحمر أحيانا وهذا النمط من المصاحف شائع بكثرة عند أهل عُمان، وهو ينطلق من مبدأ يعتبر مكمن الجمال ليس في الزخارف والنقوش والزينة، إنما في البساطة التي تكسب القارئ الراحة والسكينة وفي وضوح الخط وضبط الشكل الذي يعينه على قراءة صحيحة متقنة للقرآن الكريم وله أمثلة كثيرة في مخطوطات الدار.

كتاب بيان الشرع من أقدم وأهم المراجع الفقهية العمانية

تضم قاعة عظمة الإسلام في المتحف الوطني بمسقط عددا كبيرا من المخطوطات العمانية في علوم العقيدة الإسلامية والعلوم الطبيعية وفروعها ومن بينها علوم الفلك والأحياء والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات وعلوم اللغة العربية وآدابها، إضافة إلى أنها تعرض مجموعة من مصاحف القرآن الكريم العمانية المخطوطة التي تتميز بنمط كتابتها، وتجليدها وزخرفتها وتذهيبها.

ومن بين المخطوطات التي تعرضها القاعة للتعريف بإسهامات المدرسة العمانية في علوم العقيدة الإسلامية أرجوزة النعمة الكافية للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي السمدي النزوي، ومخطوط النور المستبين في إيضاح الحجج والبراهين للشيخ عبدالله بن بشير الحضرمي ومخطوط منهج الطالبين وبلاغ الراغبين الجزء الخامس ، إضافة إلى أنها تعرض الجزء الثاني من مخطوط بيان الشرع الذي يعتبر من أقدم وأهم المراجع الفقهية لأهل عمان و الذي نسخ بعد مئات السنين من وفاة مؤلفه.

ويقول فهد بن علي السعدي الباحث في التاريخ إن مؤلف كتاب بيان الشرع هو أبوعبد الله محمد بن ابراهيم بن سليمان الكندي وهو من علماء القرن الخامس الهجري توفي سنة 508 للهجرة، وهو قاض وفقيه وناظم للشعر وكان من المجتهدين في طلب العلم وتتلمذ على يد مشايخ عصره في وقته كالشيخ أبي علي الحسن بن أحمد بن محمد بن عثمان النزوي، وترك الشيخ الكندي العديد من المؤلفات العمانية والرسائل المختصرة في مجالات الفقه والعقيدة وله جوابات متفرقة وله أيضا قصيدة “العبيرية”، وهي في وصف الجنة وما أعد الله فيها لأهلها وتقع في 83 بيتا.

وأضاف إن “بيان الشرع هو أشهر كتاب عماني مؤلف وهذا الكتاب إن ذكر فإنما يتبادر الى الذهن الموسوعات العمانية التي تعد بعشرات الاجزاء، وهو يقع في 72 جزءا، ونسخه تتجاوز أكثر من 3 آلاف مخطوطة موجودة في عمان وخارجها، وهو يتناول اساسا اصول الشريعة وفروعها وبها شيء من التاريخ والعلوم الأخرى التي ربما لم نجد فيها مؤلفات كثيرة للعمانيين، وقد التفت عدد من الباحثين في الفترة المتأخرة فكتبت العديد من الرسائل العلمية في مواضيع تاريخية كان المصدر الأول لها هو كتاب بيان الشرع حيث إنه مرجع مهم لمن أراد أن يكتب تراجم علماء عمان عبر قرونها إلى الشيخ الكندي، وقد كتبت بحمد الله كتابا يتكون من أكثر من 600 ترجمة اعتمدت فيها على كتاب بيان الشرع، ومنها ترجمة لأحد العلماء وهو أبو المؤثر الصلت بن خميس في عشرين صفحة من خلال كتاب بيان الشرع، وأيضا ترجمة للشيخ موسى بن علي الإزكوي في أكثر من 30 صفحة بالرجوع إلى نفس الكتاب، وأيضا يمكن للقارئ لهذا الكتاب أن يجد مسائل متصلة بالجغرافيا في حدود البلدان العمانية والتعريف بها ويمكن أن نعمل أطلس تاريخيا عمانيا بالرجوع إلى كتاب بيان الشرع، كما يمكن للباحث في مجال الاقتصاد أن ينظر إلى هذا الكتاب وإلى المسكوكات والعملات الموجودة وطرق البيع والشراء وتنظيم فقه الأسواق وغيرها”.

وأوضح انه “كما يذكر أن مؤلفه توفي قبل أن يرتبه، إنما الذي رتبه ووضع مقدمته ابن عمه أحمد بن عبدالله الكندي صاحب كتاب المصنف وهو موسوعة أيضا يقع في 41 جزءا”، مشيرا إلى أن “صاحب كتاب بيان الشرع حاول في كتابه هذا أن يجمع كثيرا من مؤلفات وآراء العلماء الذين تقدموه، ولم يكن عالما منغلقا، وضمن في كتابه مؤلفات في الفقه لعلماء غير عمانيين ومن مذاهب أخرى، ومنها مثلا كثير من مؤلف الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر، كما تضمن مسائل للعديد من النوازل العمانية وهي جوابات للعديد من المسائل التي وجهت لعلماء عمانيين سبقوه، ورتب تلك الجوابات حسب الموضوعات، كما أنه رتب كتابه ترتيبا محكما حسب الأبواب الفقهية المتسلسلة”.

وأكد الباحث فهد السعدي في حديثه أنه “نظرا لأهمية هذا الكتاب فقد تناوله العلماء بالنسخ واعتنوا به، واختصروه ومن بين من اختصره من العلماء العمانيين الشيخ سعيد بن عبدالله بن عامر الإزكوي وله كتاب سماه “الاختصار من معاني الآثار”، كما أن كل من جاء من الفقهاء من بعد الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي كانوا عيالا على هذا الكتاب، وقلما يوجد كتاب بعد الشيخ الكندي إلا واعتمد على كتاب بيان الشرع الذي جعله الشيخ جميل بن خميس السعدي أصلا لكتابه قاموس الشريعة وهو كتاب يقع في 90 جزءا مع اعادة ترتيبه، مشيرا إلى أن من خصائص المؤلفات العمانية انها تتضمن زيادات من قبل النساخ او العلماء ومن أشهر تلك الكتب والمؤلفات كتاب بيان الشرع.

وتشتمل أجزاء كتاب “بيان الشرع” على أبواب في العلم وأصول الفقه وأحكام القرآن وعلومه وأصول الدين والولاية والبراءة والحكم والمواعظ والوصايا والآداب والنيات والطهارة والنجاسات والصلاة والزكاة والصيام والحج والنذور والكفارات والأيمان والذبائح والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاوى والشهادات والإقرار، وصرف المضار والنكاح والفراق والعدة وحقوق الأزواج والأولاد، والحيض وأحكام العبيد والنسب والأيتام، والوصايا والفرائض والأمانات والضمانات والحدود والقصاص والديات والإمامة والجهاد والحرب، كما اشتمل على عدد وافر من النوازل والمسائل العلمية التي تعكس صورة حيّة للمجتمع العماني في ذلك الوقت إضافة إلى مادة غنية حول فقه السياسة الشرعية والتاريخ السياسي بعمان.

كما أنه يعد أكبر كتاب مصنف بعد (قاموس الشريعة) للشيخ جميل بن خميس السعدي المولود ببلدة القرط بالقرب المصنعة، والذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري، ويقع في 90 جزءا، وهو من أكبر الكتب الإسلامية أيضًا، ويحتوي على كل أبواب الشّريعة من العقيدة والفقه والآداب والأخلاق، وأصول الفقه، وجملة كبيرة جدا من الآثار والأحاديث، كما يحوي أقوال العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية من القرن الأول الهجري إلى القرن الثالث عشر الهجري.

كنز سناو

يعد كنز سناو الأثري أكبر كنز عملات عُثر عليه في السلطنة حتى اليوم وتم العثور عليه داخل إناء فخاري في شوال 1399هـ / سبتمبر 1979م في نيابة سناو بولاية المضيبي بمحافظة شمال الشرقية، ويتميز الإناء المزجج باللون الأزرق الفيروزي وبمقابض في كلا الجانبين، وبداخله (962) قطعة من الدراهم الفضية، تؤرخ للعهود الساسانية والإسلامية المبكرة.

وأقدم درهم في الكنز يعود لفترة حكم هرمز الرابع- كسرى الثاني (589-623م)، أي إلى أكثر من 1400 سنة، بينما ضرب أحدث درهم في الكنز في عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله سنة (226هـ/ 840-841 م).

وسُكت عملات هذا الكنز في عدد من الحواضر الإسلامية العريقة وهي: إسبانيا (الأندلس)، وفي شمال إفريقيا (الدولة العباسية)، ومصر، وسوريا (دمشق)، والعراق وجنوب القوقاز، وفي شبه الجزيرة العربية، وإيران، وبلاد ما وراء النهر (آسيا الصغرى)، مما يُعطي لمحة شاملة عن الدور الذي قامت به عُمان خلال العهدين الأموي والعباسي.

وقام فريق الحفظ والصون بالمتحف الوطني بالعمل على ترميم العملات لمدة عام كامل، حيث مرت عملية الترميم بعدة خطوات بدأت المرحلة الأولى بتوثيق العملات بالتعاون مع فريق الجرد والتوثيق من خلال إنشاء قائمة لكل عملة على حدة تحتوي على الرقم التعريفي للعملة، والوصف التاريخي، وأبعاد العملة (الوزن ونصف القطر)، وصور فوتوغرافية للعملة قبل وبعد الترميم.

أما المرحلة الثانية فتمت فيها كتابة تقرير تشخيصي لحالة العملات في الكنز قبل الترميم، حيث كانت أغلب العملات مغطاة بطبقة أكسدة تتراوح بين السميكة إلى الرقيقة، وتراكم الأتربة والغبار على السطح وبين الكتابات المنقوشة، وكذلك التصاق بعض العملات ببعضها البعض، وفقدان الهيكل المكتمل لبعضها، حيث وجدت مجموعة منها على هيئة أنصاف أو أرباع.

وتمثلت المرحلة الثالثة في عملية الصون فقد تمت من خلال التقاط صور أولية قبل الصون، ثم التنظيف الرطب باستخدام منظف محايد (1٪ من المنظف المحايد في الماء المقطر)، والتنظيف الكيميائي بالإيثانول (Ethanol) لإزالة الطبقة الأولى من الأكسدة، والتنظيف الميكانيكي بكربونات الكالسيوم (Calcium Bicarbonate) على طلاء العملة، وكذلك التنظيف الكيميائي بحمض الفورميك (Formic Acid) لتبييض السبائك المعدنية (على العملات المعدنية التي لم يكن التلميع بها كافياً)، إضافة إلى استخدام حمام بالموجات فوق الصوتية لإزالة بقايا التنظيف الميكانيكي والكيميائي، ووضع طبقة حماية بمادة البارلويد (Paraloid) وكتابة الرقم التعريفي للعملة، وبعد الإنتهاء من عمليات الصون تم التقاط الصور النهائية لكل عملة على حدى.

الجدير بالذكر، أن الزوار يمكنهم مشاهدة كنز سناو في قاعة عظمة الإسلام بعد إعادة افتتاح المتحف الوطني، كما يمكن للزوار الوقوف عبر الاتصال المرئي على تفاصيل الكنز من خلال زيارة الموقع الإلكتروني للمتحف على الرابط/ www.nm.gov.om ، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمتحف.

وتهدف دائرة المقتنيات بالمتحف الوطني إلى الإشراف المباشر على تطوير وتنفيذ مجموعة واسعة من العمليات المرتبطة بإدارة شؤون المقتنيات والتي تشمل: الجرد والتوثيق، والحفظ والصون، وإدارة المعارض الثابتة والمؤقتة، وإجراء الدراسات والأبحاث، من خلال الأقسام التابعة لها وهي: قسم البحوث والدراسات، وقسم تصميم وإدارة المعارض، وقسم الحفظ والصون، وقسم الجرد والتوثيق.

مشروع اللحظة الأثرية بالفن

يواصل مشروع (تخليد اللحظة الأثرية بالفن )أنشطته الترميمية بحارتي العين

والسواد بقرية امطي بولاية ازكي بالتعاون والتآزر الكبير من أهالي القرية وبدعم ومساهمة من الشركات والمؤسسات الحكومية و الخاصة والأفراد والفنانين التشكيليين العمانيين الذين شاركوا في معرض إمطي الخير والذي أقيم في متحف بيت الزبير.

يعد هذا المشروع من أهم المشاريع النموذجية التطوعية ، التي نفذت فكرتها الفنانة التشكيلية مريم الزدجالية في بداية عام 2019 بهدف إبراز معالم بلد يزخر بتراث عريق وتاريخ يتوغل منذ آلاف السنين ، و الذي ساهم فيه الإنسان العماني ببناء القلاع والحصون والقرى الأثرية التي تشتهر بجمالها الخلاب وهويتها المتميزة، وهي تستحق أن تكون مادة يستلهم منها الفنان التشكيلي في البحث والإبداع لتتصدر مشاريعه الفنية.

وتقوم فكرة المشروع بتقديم فكرة استثنائية ، توظف فيه الفنانة تجربتها وخبرتها الطويلة في مجال الفنون التشكيلية ، من خلال تصور فني تاريخي عصري يجعل من القرية لوحة تشكيلية بمفرداتها الطبيعية كالأفلاج والمياه والصخور والجبال والسهول والأشجار والبساتين، لتعبر اللوحة عن واقعها اليومي عن تاريخ عريق وأصيل. كان للأهالي دور إنساني في تعزيز مبادئه وسلوكياته ، فأصبح ينطق بهوية عمانية و بموروث حضاري يتوارث مظاهره ورموزه أجيال القرية ليمنحها حالة إبداعية تجعل منها لوحة تشكيلية جديرة بالتأمل والفحص والحماية.

تؤكد الفنانة مريم الزدجالية أنه بالرغم من أن فترة الحالية كانت صعبة بسبب جائحة كورونا إلا أنها أثمرت نتائج مفيدة للقرية. فقد تم استمرار العمل فيها بترميم بعض الأماكن المهمة، والتي تعتبر قلب القرية وعناصر سياحية فنية جذابة ولها صلة بالماضي العريق حيث وبجهود جبارة ومؤازرة ودعم كبير من أهالي قرية إمطي لتطوير حارة العين والسواد ، والمحافظة على ملامحها التاريخية الأصيلة .

واكدت الفنانة مريم أن عملية الترميم والإصلاح في هذا المشروع تم على مراحل عدة ففي المرحلة الأولى تم فيها ترميم بوابة صباح السوقمة والمدخل والحائط والبئر مع إضافة عناصر جمالية. و في المرحلة الثانية تم تركيب الإنارة التجميلية أمام مدخل القرية ، بالتعاون مع بلدية مسقط وبلدية إزكي.

أما المرحلة الثالثة فتم ترميم بوابة صباح الصارم والممرات الداخلية والمجلس العام واضافة بعض الجماليات للمسجد والتنور ومكان صناعة الحلوى.

وأشارت الفنانة التشكيلية مريم إلى أن هناك رؤية مستقبلية لجعل قرية إمطي كقرية فنية سياحية,،يتم فيها استضافة فنانين من أنحاء العالم. وإقامة ملتقيات تشكيلية وتصويرية و أنشطة فنية مختلفة بحيث تكون داعما لنشاط القطاع السياحي في الدولة. و من المؤمل أن يستمر في تقديم الانشطة والفعاليات في القرية بعد عودة الحياة الى طبيعتها .

صدور النسخة الروسية لرواية “سيدات القمر”

قالت المترجمة الروسية “فيكتوريا زاريتوفيسكايا” إن رواية “سيدات القمر” للكاتبة العمانية جوخة الحارثية، رواية “غير عادية” بالنسبة للقارئ الأجنبي، لأنها تتحدث عن بلد ليس معروفًا بما يكفي له، وتغوص عميقًا في تقاليد المجتمع العُماني وعاداته ومعتقداته.

وأضافت “زاريتوفيسكايا” بمناسبة صدور النسخة الروسية للرواية الحائزة جائزةَ “مان بوكر” لعام 2019، إن التأهُّل للمنافسة على هذه الجائزة أمر في غاية الصعوبة، فهو يمرُّ بسلسلة مراحل؛ تبدأ من نيل العمل الأدبي حضورًا ومقروئية على الصعيد الإقليمي بما يسوّغ ترجمته إلى الإنجليزية، ثم عمل المترجم باحترافية للمحافظة على حرارة النص الأصلي، وتحاشي الاختصار غير المدروس، وإبراز الرواية كعمل جديد وجدير بالقراءة في الثقافة التي ينقله إليها. وفي الأخير، وبعد أن يقطع العمل رحلته الشاقة للوصول إلى القائمة القصيرة، تبدأ المواجهة مع الأعمال الأخرى المرشحة للفوز.

وكشفت “زاريتوفيسكايا” أن الكاتبة البولندية “أولغا توكارتشوك”، الحائزة جائزة نوبل للآداب لعام 2018، كانت من منافسي الحارثية لنيل الجائزة.

وأضافت المترجمة التي كانت عضوًا في لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2020، إن فوز “سيدات القمر” بهذه الجائزة، دفع كبريات دور النشر العالمية لترجمتها، ومنها دار نشر “إكسيمو”، التي تعدّ الأكبر من نوعها في روسيا.

وبحسب “زاريتوفيسكايا” التي تعمل أستاذة للّغة العربية في الجامعة الروسية بموسكو، فإن نص الرواية التي استخدمت فيها الكاتبة تقنية تنتمي إلى تيار الوعي الحديث، جاء “موزاييكيًا، زاخرًا بالأسرار، إذ ينتظرك في كل صفحة منعطف لم تكن تتوقعه”.

وتضيف: “في المقابل، فإن هذه الرواية لا تنغلق على عالمها، إذ نرى فيها تأثير العولمة والحداثة التي تطغى على الحياة المعاصرة، وهذه قضية مشتركة يعيشها الإنسان المعاصر في كل مكان، فكان أن وضعت جوخة الحارثية مظاهر العولمة في محكّ روايتها، ومن بين هذه المظاهر ما يسمى صراع الأجيال، الذي نلمسه في اهتزاز اللغة المشتركة بين جيل وآخر في ظل التغيرات الاقتصادية المتلاحقة. كما تطرح الكاتبة سؤال تمسك المجتمع بالجوهر الإنساني في مواجهة ظاهرة العولمة”.

وتعبّر “زاريتوفيسكايا” عن أملها كبير في أن تفتح ترجمة رواية “سيدات القمر” بابًا جديدًا للأدب العربي في روسيا، وأن تتحقق قفزة نوعية في هذا المجال، فالأدب المُترجم إلى الروسية منذ زمن الاتحاد السوفياتي، كروايات نجيب محفوظ وكتب طه حسين، لم ينتشر بين القراء لأسباب يمكن ردّها إلى “ضعف التوزيع، والفجوة الثقافية بين أسلوب الرواد العرب والقارئ الروسي، ومستوى الترجمة”.

وتشير إلى أن قراءة المشهد الثقافي الروسي الراهن، تتيح للمرء ملاحظة انفتاح ملحوظ نحو ثقافات الشرق الأوسط وآدابها، واستشعار الفضول الذي سيدفع بالقارئ لاقتناء رواية تصطحبه إلى بلد جديد عليه، ناهيك عن أن “سيدات القمر” فازت بجائزة عالمية وصدرت نسختها الروسية عن دار نشر مرموقة.

وتذكر “زاريتوفيسكايا” التي ترجمت عددًا من أعمال نجيب محفوظ وعلاء الأسواني، أن إقامتها في السلطنة قرابة خمس سنوات، وتعرفها إلى الثقافة الشعبية العمانية من الداخل، جعل من السهل عليها ترجمة “سيدات القمر” التي تزخر بإشارات من التاريخ والفلكلور والثقافة الشعبية.

وتوضح أن الفترة التي قضتها في السلطنة مكّنتها من تلمّس الانسجام المدهش في الرواية، وقربتها من لغة الكاتبة وأسلوبها الذي جمعت به موضوعات متشعبة. وتضيف: “لقد كان طيف من المشهد الشعبي العماني، وقوس من المناخ المجتمعي بكل ألوانه وأصواته، حاضرَين أمامي وأنا أترجم الرواية”.

وتؤكد أنها خاضت خلال اشتغالها على الترجمة، “تجربة معرفية جديدة” لا تقل أهمية عن معرفتها التي اكتسبتها من إقامتها في السلطنة، فضلًا عن أن الترجمة فتحت لها أبوابًا معرفية جديدة، إذ أعدّت دراسة عن الشاعر العماني أبي مسلم البهلاني، تناولت فيها حياته وإبداعه، وقد رحبت مجلة “آسيا وإفريقيا” العريقة التي تصدرها الأكاديمية الروسية للعلوم بنشر هذه الدراسة في عددها المقبل.

وعن مشاريعها الراهنة، تقول “زاريتوفيسكايا” إنها تعدّ دراسة عن المذهب الإباضي، مضيفة: “لا أظنني سأتخلص من سحر عُمان الذي قادتني إليه جوخة الحارثية.. إن روايتها تمثل اكتشافي الثاني لعُمان الذي أدهشني وفتنني وربطني بهذا البلد، العظيم بتاريخه، والثري بتراثه وتقاليده، والراسخ في حبه للحياة وإيمانه العميق بالتنوع، وهذا بالضبط ما يجعل مستقبل السلطنة مشرعًا على الأمل”.

الاخبار العاجلة