إخلاء – بناء – استغلال: تقرير جديد لبتسيلم يتقصّى طرائق إسرائيل في الاستيلاء على الحيّز القروي الفلسطيني

1 ديسمبر 2016آخر تحديث :
إخلاء – بناء – استغلال: تقرير جديد لبتسيلم يتقصّى طرائق إسرائيل في الاستيلاء على الحيّز القروي الفلسطيني

صدى الاعلام

قبل نحو أسبوعين، أقرّت اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية “قانون التسوية”، الذي يهدف إلى إضفاء شرعية قانونية بأثر رجعيّ على تجريد الفلسطينيين حتّى من الأراضي الخاصّة التي قد تمّت تسويتها. تقرير بتسيلم الجديد (يُنشر هذا الصباح – الاثنين، 5.12.16) يوضح أنّ عملية تجريد الفلسطينيين من أراضيهم لم تنتظر التشريعات أبدًا ولا هي أمر جديد إذ تضمّنها المشروع الاستيطاني منذ بدايته، ونهب الأرض من المبادئ الأكثر ثباتًا في سياسة حكومات إسرائيل منذ سنين.

 

من خلال هذه العملية، تستولي إسرائيل على الحيّز القروي الفلسطيني، تحطّمه إلى شظايا متناثرة، وتجرّد السكّان من الأرض والمياه فتنقلها إلى أيدي المستوطنين. يؤدّي المستوطنون دورًا مركزيًّا في تطبيق هذه السياسة، إذ تطلق الدولة يدهم ليعملوا – كجهاز نهب وتجريد في الحيّز الفلسطيني – في قناة تبدو وكأنها خارج سيطرتها، بما يتضمّنه ذلك من اعتداءات جسديّة ضدّ السكّان الفلسطينيين.

 

التقرير، المعنون “إخلاء – بناء – استغلال: طرائق الإسرائيل في الاستيلاء على الحيّز القروي الفلسطيني”، يركّز على مثال عينيّ واحد: المسار الذي اجتازته ثلاث قرى في محافظة نابلس، هي عزموط ودير الحطب وسالم، منذ أن أقامت إسرائيل مستوطنة ألون موريه في جوارهم. المثال الوارد في التقرير هو تجسيد لسياسة واسعة النطاق تطبّقها إسرائيل في أرجاء الضفة الغربية منذ عشرات السنين. متستّرة بـ”احتلال عسكريّ مؤقت” تتصرّف إسرائيل في المنطقة المحتلّة كما لو أنّها أرضها: تنهب الأراضي، تستغلّ الموارد الطبيعية لاحتياجاتها، وتقيم المستوطنات الدائمة. رويدًا يُجرَّد السكّان الفلسطينيون من أراضيهم ومصادر معيشتهم، لتحتلّ مكانهم في الحيّز قوىً إسرائيلية – بواسطة أنشطة مباشرة تقوم بها الدولة أو بواسطة مبعوثيها المستوطنين.

 

يتتبّع التقرير سلسلة من الوسائل – الرسميّة وغير الرسميّة – التي استخدمتها إسرائيل لقطع الصلة بين القرويين وأراضيهم ومن ثمّ نقلها إلى أيدي المستوطنين. كانت الحلقة الأولى في هذه السلسلة إنشاء مستوطنة ألون موريه في عام 1980 على مساحة 1278 دونما من أراضي القرى الثلاث. بعد نحو عامين فقط، أعلن القائد العسكري الأراضي المتبقّية، الواقعة غربيّ المستوطنة، “محمية طبيعية ” فنشأ بذلك حيّز فعليّ – أكبر بكثير من المسطّح البلدي للمستوطنة – بحيث أصبحت كلّ عملية

تطوير (بناء، زراعة جديدة، ورعي) يرغب الفلسطينيّون القيام بها تستوجب مصادقة مسبقة من قبل إسرائيل. في عام 1987، أُعلن 1700 دونم من مساحة المحمية الطبيعية “أراضي دولة “، ومنذ عام 1998 تقوم ضمن هذا الحيّز بؤرة استيطانيّة.

 

الحلقة التالية في سلسلة تجريد الفلسطينيين من أراضيهم في هذه المنطقة جاءت بها اتفاقية أوسلو. جرى توزيع أراضي قرى عزموط ودير الحطب وسالم على منطقتي B و C: معظم المساحة المبنية في ذلك الوقت جرى تصنيفها ضمن منطقة B، في حين صُنّفت الأراضي الزراعية والمراعي ضمن منطقة C التي بقيت تحت السيطرة التامّة لإسرائيل. وهكذا وُضعت بنية تحتيّة إداريّة لفصل الجزء الأكبر من الأراضي الزراعيّة ومناطق الرعي التابعة للقرى الفلسطينيّة عن القرى نفسها. استمرارًا لهذه البنية التحتيّة الإداريّة التي فصلت الجزء الأكبر من الأراضي الزراعيّة والمراعي التابعة للقرى الفلسطينيّة عن مساحاتها المبنيّة، استغلّت إسرائيل شقّ الشارع الالتفافي المؤدّي إلى ألون موريه، في 1988، لإنشاء بنية تحتيّة مادّية للفصل: بعد أن اندلعت الانتفاضة الثانية، حُظر على سكّان هذه القرى السفر على هذا الشارع أو عبوره. ورغم انعدام أيّ أساس قانونيّ لهذا الحظر، فإنّ الشارع الالتفافي المؤدّي إلى ألون موريه (ويطلق عليه الجيش اسم “محور ماديسون”) شكّل، ومازال يشكّل، العامل الأكثر تأثيرًا وأهميّة في تقييد وصول سكان عزموط ودير الحطب وسالم إلى أراضيهم الزراعية ومناطق الرعيومراعيهم وموارد المياه الطبيعية خاصّتهم.

 

يصف التقرير كيف أتاح كلّ قيد من القيود التي فرضتها الدولة على سكّان القرى الفلسطينية للمستوطنين الغزو والتوسّع. تحت جُنح الفصل الذي فرضته إسرائيل بين السكّان الفلسطينيين وأراضيهم الزراعية ومراعيهم، يبني المستوطنون منازل في المنطقة، ويقيمون بؤرًا استيطانية، يشقّون الطرق، يزرعون الحقول، يغرسون الكروم، يرعون قطعان الأغنام، ويستولون على موارد المياه الطبيعية. جميع سكّان القرى الفلسطينية الذين أدلوا بإفاداتهم لغرض إعداد هذا التقرير، ذكروا أنّ تكرار الاعتداءات الجسدية عليهم من قبَل المستوطنين هو العامل الأساسيّ في ارتداعهم عن الذهاب إلى أراضيهم. ممارسات المستوطنين الممنهجة هذه، تشكّل جهاز استيلاء مخصخص يتيح للدولة تنفيذ سياسة التواصل الجغرافي للاستيطان الإسرائيلي في المنطقة وفي الوقت نفسه تتيح لها التنصّل رسميًّا من ممارسات المستوطنين.

 

هذه القرى الثلاث في محافظة نابلس، مثلها كمثل بلدات فلسطينية كثيرة أخرى، قد تطوّرت على مرّ مئات السنين ارتباطًا بالخصائص الجغرافيّة للمنطقة. من خلال الاعتماد على الأراضي الزراعيّة ومناطق الرعي وموارد المياه الطبيعية، نشأ في هذه القرى نسيج من اقتصاد محلّي وتراث حضاريّ يربطان بين السكان والبيئة المحيطة بهم. عزل سكّان القرى الفلسطينية عن أراضيهم الزراعيّة ومراعيهم وموارد المياه الطبيعيّة خاصّتهم، شكّل انتهاكًا حادًّا لحقوقهم، أدّى إلى انهيار اقتصاديّ، وفرض عليهم واقع الفقر، والتبعيّة لجهات خارجيّة، وانعدام الأمن الاقتصاديّ والغذائيّ والاجتماعيّ.

 

سياسة إسرائيل تشير بوضوح إلى أنها لا تعتبر الاحتلال – الذي يشارف عامه الخمسين – أمرًا مؤقتًا. تتجنّب إسرائيل ضمّ الضفة الغربية رسميًّا (باستثناء القدس الشرقية)، ولكنّها في الواقع تتعامل مع المستوطنات كجزءٍ من أراضيها السياديّة وتسعى إلى محو الخط الأخضر محوًا شبه تامّ بالنسبة إلى مواطنيها الإسرائيليين الذين يقطنون في المستوطنات. في مقابل ذلك تركّز إسرائيل سكّان الضفة الفلسطينيّين في 165 “جزيرة” تشكّل أقاليم مفصولة ومشلولة (مناطق A وB). هذا المسار المزدوج والمتلازم لحركة المجموعتين – من جهة، دخول إسرائيليين/مستوطنين والتوسّع في مزيد من الأراضي المنهوبة، ومن جهة أخرى التضييق على السكان الفلسطينيين ودحرهم إلى المعازل – هو ركيزة أساسية ودائمة لسياسة إسرائيل المتّبعة في كلّ أنحاء الضفّة الغربية منذ حزيران 1967؛ ولأجل تحقيق هذه الغاية تعمل جميع أجهزة التشريع والقضاء والتخطيط والماليّة والأمن.

المصدر – بيتسيلم

الاخبار العاجلة