شهادة في يوم الميلاد

5 ديسمبر 2020آخر تحديث :
شهادة في يوم الميلاد

إيهاب الريماوي

“تتأخرش يمّا محضرتلك مفاجأة”.. رددتها الأم أكثر من مرة، ثم دخلت في نوبة بكاء وقالت كلاماً لا يفهم لكنه يُرى.

في ساعات ظهر يوم أمس الجمعة، اقتحمت قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي قرية المغير شرق رام الله، وعلى إثرها، اندلعت مواجهات بين الشبان والجنود الذين أطلقوا الرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع تجاههم.

راح الطفل علي أبو عليا يستعلم عما يحدث، ففاجأته رصاصة قناص إسرائيلي أصابته في بطنه، أمسك بالمنطقة المصابة فلم يتحسس إلا ألماً، سأله رفيقه: “ماذا حصل لك يا علي؟”، ليرد عليه: لا تقلق.. ثم شهق وغط في غيبوبة عميقة.

“علي وعدني أن يدعوني لعيد ميلاده”، يقول صديقه محمد أبو عليا وهو يرفع بيده اليسرى صورة صديق الطفولة.

يوم أمس صادف، عيد ميلاد علي الـ15، وهو اليوم الذي ارتقى فيه شهيداً، برصاصة مزقت أحشاء جسده النحيل.

المفاجأة التي كانت تحضرها له والدته هي إعداد كعكة عيد ميلاده التي يفضلها، هكذا تقول شقيقته وهي تلوح مودعة جثمانه الذي سحب على عجل من قبل المشيعين.

“رجعوه.. لم أشبع منه”.. تصرخ والدته على المشيعين وتشد النعش في محاولة لإعادة جثمانه لتلقي نظرة أخرى، وتحتضنه وتودعه. استجاب المشيعون لها، لكنها لم تتمالك نفسها، سقطت فوق الجثمان وصارت تتمتم في أذن علي كلاما غير مفهوم، لم يسمعها إلا هو فقط.

فجأة يقف جده، الذي خر باكيا منهارا لحظة وصول الجثمان إلى البيت ويقول لابنه:” ارفع راسك يابا.. ابنك شهيد”.

انطلق موكب تشييع جثمان الشهيد من أمام ملعب البلدة الذي صال وجال فيه الشهيد، كونه كان أحد لاعبي نادي القرية، حيث كان يتميز بمهارة تنذر بلاعب جيد نظرا لسرعته وخفة حركته.

والده أيمن الذي يعمل في ورش بناء قال: “علي يعشق كرة القدم، ففي كل ركن بالبيت تجد كرة أو قميصا للأندية العالمية، كان يحلم أن يصبح نجما في الكرة، لكن رصاص الاحتلال قتله وقتل أحلامه”.

قبل عامين، أصيب الشهيد علي برصاصة مطاطية خلال مواجهات عنيفة اندلعت في المغير، وهو ذات اليوم الذي شيع فيه الشهيد الطفل ليث أبو عليا.

سيغيب علي عن مقاعد صفه العاشر الأساسي إلى الأبد، ولن يتمكن من تقاسم رغيف الطابون الذي يحضره يومياً معه إلى المدرسة مع صديقه أحمد.

“كان يحضر الخبز، وأنا كنت أجلب الزيت والزعتر، ثم نأكل مع بعضنا البعض في وقت الفرصة”، يقول صديقه أحمد الذي بدا متأثراً جداً باستشهاد رفيقه.

وتشهد المغير مواجهات شبه يومية، تارة بهجوم للمستوطنين على مزارعي البلدة التي تتميز أراضيها بالخضرة الدائمة، وأحيانا باستفزاز جنود الاحتلال الإسرائيلي، الذين يقتحمونها خاصة في ساعات الذروة.

الاخبار العاجلة