في ظل غياب أي ضغط دولي.. هكذا تعززت سيطرة المستوطنين على المشهد الانتخابي بإسرائيل

11 مارس 2021آخر تحديث :
في ظل غياب أي ضغط دولي.. هكذا تعززت سيطرة المستوطنين على المشهد الانتخابي بإسرائيل

صدى الاعلام – رفض الكنيست وحكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة حل الدولتين واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين عزز سيطرة العناصر القومية اليهودية والمسيانية المتطرفة وأدى إلى بروز قيادات وشخصيات دينية.

تعكس التوقعات للانتخابات الإسرائيلية في 23 مارس/آذار الجاري والدورات الثلاث التي سبقتها أثناء عامين الواقع المتجذر بهيمنة المستوطنين على معسكر اليمين ومفاصل الحكم بالدولة العبرية، بحيث إن أقلية متطرفة تؤمن فقط بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير في فلسطين التاريخية.

ووفقا لمحللين ومتخصصين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن المستوطنين يعرفون جيدا كيفية التمسك بالحكومة التي تخدم مصالحهم، فرفض الكنيست وحكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة حلّ الدولتين واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين عزز سيطرة العناصر القومية اليهودية والمسيانية المتطرفة وأدى إلى بروز قيادات وشخصيات دينية

وعزا محللون قبول المجتمع الإسرائيلي للمستوطنين وللمشروع الاستيطاني إلى غياب أي ضغط دولي وأوروبي على الحكومة الإسرائيلية، فضلًا عن حالة الفوضى في إنفاذ القانون وتطبيقه على المستوطنين في الضفة الغربية، إلى جانب الدعم الحكومي والفوائد والاستثمارات الضخمة لمصلحة المستوطنات، التي عززت الاعتقاد لدى الإسرائيليين الذين يعيشون فيها بأن الواقع الحالي يؤتي ثماره والحالة المؤقتة تتحول إلى واقع دائم.

صعود المستوطنين

ويقطن مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية قرابة 700 ألف مستوطن، منهم نحو 400 ألف لهم الحق في الاقتراع، إذ بلغت نسبة التصويت في صفوف المستوطنين بالضفة للكنيست 77% في انتخابات 23 مارس/آذار 2020، في حين بلغت نسبة التصويت للانتخابات في كل إسرائيل 71%، وفقا للجنة الانتخابات المركزية.

وتوزعت أصوات المستوطنين على النحو الآتي: الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو 30%، وحزب “يمينا” برئاسة نفتالي بينيت نحو 23%، والأحزاب الحريدية “شاس” و”يهدوت هتوراة” 32%، وحزب “عوتسما يهوديت” برئاسة إيتمار بن غفير 7% من الأصوات.

ومع التراجع المتواصل للقوة الانتخابية لمعسكر الوسط-اليسار الإسرائيلي ممثلا بحزبي العمل وميرتس، ارتفعت نسبة التصويت في المستوطنات بمقدار 20% على كل الانتخابات السابقة، والسبب في ذلك هو ازدياد المصوتين الحريديم، إذ يشكلون 40% من سكان المستوطنات، أما السبب الآخر في ارتفاع نسبة التصويت فهو الانقسام الذي حدث بين تحالف أحزاب اليمين والأحزاب الدينية و”عوتسما يهوديت”.

مواجهة وهزيمة

ويرى الحاخام إلياهو كوفمان المحسوب على تيار “الحريديم” أن انتخابات الكنيست المقبلة مهما كانت محاورها لن تقف في حملة مواجهة أيديولوجية بين اليمين واليسار، بل ستكون المواجهة بين اليمين واليمين في حين إن جمهورا كبيرا من الوسط واليسار سيصوّت للقوميين المتطرفين لمجرد الرغبة في إسقاط بنيامين نتنياهو، وهذا يعكس الهزيمة اللاحقة سلفًا بالوسط واليسار الإسرائيلي.

وأوضح كوفمان -في حديثه للجزيرة نت- أن الساحة السياسية الإسرائيلية شهدت العامين الماضيين حالة من الانقسام داخل معسكر اليمين، وتقلص قوة المركز واليسار مع تعزيز نفوذ المستوطنين وقوتهم الانتخابية.

ويعتقد أن الصراع على تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل سيكون فقط داخل معسكر اليمين، مع غياب شبه تام لدور معسكر الوسط-اليسار، وعجزه عن أن يكون بديلا في رئاسة الوزراء، وقد يحسم حزب اليمين الفاشي “عوتسما يهوديت” المنافسة لمصلحة نتنياهو بحال تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات.

نتنياهو والمستوطنون

ومنذ انتخابات 2019 يقول الحاخام المحسوب على تيار “الحريديم”، “بدأ البرلمان الإسرائيلي بالتصويت أكثر فأكثر بألوان اليمين القومي الديني، وتشعب نفوذ المستوطنين وتيار الصهيونية الدينية وحضورهم في مختلف الأحزاب الممثلة بالكنيست، بصرف النظر عن الليكود وتوابعه”.

ويعتقد كوفمان أن انهيار حزب العمل وتراجع اليسار الصهيوني يعتمد على فكرة إسقاط نتنياهو وشعار “فقط ليس نتنياهو”، الأمر الذي أسهم في تدفق ناخبي اليسار والمركز بأعداد كبيرة على أي شخص أو حزب يمكن أن ينجح في إطاحة نتنياهو والزج به في السجن بسبب محاكمته بملفات فساد.

اعلان

وعلى وقع صمت السجال السياسي بين اليمين الوطني واليسار الليبرالي في الحملات الانتخابية الأخيرة، يقول كوفمان “تعزز حضور وخطاب المستوطنين في المشهد السياسي الإسرائيلي، وأضحى الصوت المؤثر في المشهد الحزبي في تقاطع مصالح داخل معسكر اليمين التي استغلها المستوطنون ليعززوا حضورهم بالكنيست، وبات صاحب القول الفصل في تشكيل الائتلاف الحكومي وهوية رئيس الوزراء”.

الوسط واليسار

وسيبقى معسكر الوسط-اليسار الإسرائيلي بمفرده دون أن يكون له قدرة على التأثير بعد الانتخابات في الائتلاف الحكومي أو الخطاب السياسي الإسرائيلي العام الذي يهيمن عليه المستوطنون واليمين الفاشي، كما يقول الناطق بلسان “كتلة السلام” آدم كلر، مؤكدا أن انهيار معسكر الوسط-اليسار جاء على خلفية الصراعات الداخلية وصراعهما الشخصي مع نتنياهو، وليس بسبب الصراع والاختلاف الأيديولوجي مع أفكار ومبادئ معسكر اليمين.

ورغم السجال والتنافس داخل معسكر اليمين على هوية رئيس الوزراء المقبل، يقول كلر -للجزيرة نت- إن “نتنياهو ومع قدرته على تحقيق التوافق بين حركات اليمين الفاشي لتخوض الانتخابات ضمن قائمة موحدة يعزز فرصه في تشكيل حكومة يمين ضيقة، في حين أدى تفكيك التحالف بين حزب العمل وميرتس إلى إضعاف معسكر اليسار، وعزز حضور اليمين الفاشي بالكنيست المقبل بحال لم يتمكن ميرتس من تجاوز نسبة الحسم”.

ووفقا لكلر فإن دولة المستوطنين انتقلت إلى الكنيست والحكومة ومختلف المؤسسات، وتهيمن على الجهاز القضائي والعسكري ومقاليد الحكم، إذ يبلغ تعداد المستوطنين بالضفة والقدس 700 ألف مستوطن، فقد فرضوا وقائع على الأرض ويشكلون الذراع الإسرائيلي الذي يهمين ويسيطر على قرابة 70% من الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، وكون 550 ألفا منهم يقطنون في كتل استيطانية كبيرة و150 ألفا في بؤر استيطانية ومستوطنات معزولة فسيكون من المستحيل على جيش الاحتلال إجلاؤهم مستقبلا.

شريك وتسوية

ويعتقد الناطق بلسان “كتلة السلام” أن اليمين الفاشي ممثلا بالمستوطنين بات يتحكم ويسيطر على الأجندة اليومية والبرنامج السياسي في إسرائيل، وفي المقابل المجتمع اليهودي الذي أصبح مقتنعا بما روّج له رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام، لا يهمّه المشروع الاستيطاني وتوسعه ولا الضفة الغربية التي يدخلونها كجنود لجيش الاحتلال.

ومع هيمنة معسكر اليمين على الحكم بإسرائيل وتغلغل نفوذ المستوطنين في المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي، يستبعد كلر إمكانية أن تكون هناك مبادرة أو موافقة إسرائيلية لأي تسوية سياسية مع الفلسطينيين وتطبيق حل الدولتين بموجب القرارات والمواثيق الدولية.

ويجزم كلر أنه دون ممارسة ضغوط جدية وحقيقية من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي على إسرائيل فلن يحدث أي تحول لدى الجمهور الإسرائيلي نحو قبول حل الدولتين، بغض النظر عن تركيبة الحكومة المستقبلية وهوية من يترأسها، علما أن تقويض نفوذ دولة المستوطنين وقوتها وحضورها وتأثيرها في السياسة الإسرائيلية سيستغرق سنوات طويلة.

الاخبار العاجلة