الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية: يجب على الرئيس الأمريكي أن يشاهد الفيلم الفلسطيني “الهدية”

29 أبريل 2021آخر تحديث :
الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية: يجب على الرئيس الأمريكي أن يشاهد الفيلم الفلسطيني “الهدية”

صدى الاعلام – كتب الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية “جون بيرنان” مقالة عبر صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان “يجب على الرئيس جو بايدن أن يشاهد هذا الفيلم الفلسطيني”، قال فيها “أنصح الرئيس جو بايدن بمشاهدة الفيلم الفلسطيني “الهدية” من إخراج الفلسطينية فرح النابلسي، التي تصف بشكل محزن آلام الفلسطينيين أثناء عبورهم من الحواجز العسكرية الإسرائيلية”. وفيما يلي ترجمة لما ورد في مقالته:

قمت مؤخرا بمشاهدة فيلم “الهدية” من إخراج صانعة الأفلام الفلسطينية فرح النابلسي، التي تم ترشيحها للحصول على جائزة قيمة. هذا الفيلم القصير – 25 دقيقة – يصف بشكل محزن آلام رجل فلسطيني يدعى يوسف، وابنته الصغيرة تدعى ياسمين، اللذان يحاولان اجتياز حاجز عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية مرتين في كل يوم.

يقدم فيلم “الهدية” سياق القصة بشكل سريع، ويبدأ بتقديم صور لرجال فلسطينيين يمرون من معابر ضيقة في العديد من نقاط التفتيش في الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل. الفلسطينيون الذين يذهبون للعمل ويزورون عائلاتهم ويتسوقون على الجانب الآخر من الجدار الأمني يجب عليهم تحمل هذا الإجراء المذل كل يوم. يعتزم يوسف شراء هدية لزوجته برفقة ابنته ياسمين. الحراس الإسرائيليون يريدون أن يفتشوه وأن يبحثوا في مقتنياته بشكل دقيق. ياسمين تجلس في الجوار، تراقب وتنتظر بصمت.

هذا المشهد يعيد ذكرياتي إلى زيارتي الأولى للضفة الغربية عام 1975، عندما عبرت نهر الأردن ووصلت إلى معسكر أمني إسرائيلي. كنت حينها طالبا في الجامعة الأمريكية في القاهرة، كنت متشوقا لزيارة القدس لإمضاء ليلة رأس الميلاد في بيت لحم. خلال تلك الرحلة، وعلى بعد أقدام، كنت أرى مجموعة من الرجال والنساء والأطفال في صف طويل محاط بشكل كامل بالسياج المعدني مكتوب عليه “للفلسطينيين والعرب”. حينها، رأيت العديد يخضعون لعمليات تفتيش فظة وعدوانية من قبل الجنود الإسرائيليين. بينما شعرت بالأسى مما رأيته، وعلمت بأن لدى إسرائيل مخاوف أمنية مشروعة في أعقاب حربي 1967 و 1973، وهي مخاوف ازدادت جرّاء الهجمات على أهداف إسرائيلية ويهودية من قبل المنظمات الإرهابية الفلسطينية.

لقد مر نصف قرن، وتغير المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط بشكل عميق. وقّعت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن، بينما مهدت “اتفاقات أبراهام” العام المنصرم الطريق أمام أربع دول عربية أخرى – الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب – لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. نأمل أن يحذو المزيد من القادة العرب حذوهم لأنه لا يوجد سبب للاستمرار في إنكار حقيقة واستمرارية دولة إسرائيل. ولكن للأسف، لم تفعل الاتفاقات شيئًا للفلسطينيين سوى تجميد الخطط الإسرائيلية لضم الضفة الغربية بشكل غير قانوني.

جرى إحراز تقدم كبير في الحد من العنف الذي يمارسه الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة وخارجها. الاستثناء هو حماس التي تواصل إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة. أما في الضفة الغربية، فقد عملت أجهزة الأمن والاستخبارات الفلسطينية بشكل وثيق مع نظيرتها الإسرائيلية والعربية والغربية لتعطيل الشبكات المتطرفة ومنع شن الهجمات. وقد أظهرت هذه الوكالات الفلسطينية درجة رائعة من الاحتراف على مدى العقدين الماضيين.

وبالرغم من انخفاض التوترات بشكل كبير بين إسرائيل والعالم العربي، لم يشهد الشعب الفلسطيني أي تقدم ملموس في سعيه للعيش في دولته ذات السيادة. وقد ساهمت الانقسامات السياسية والقيادة السياسية غير الفعالة للسلطة الفلسطينية في إحباط طموحات الدولة الفلسطينية. ولكن يمكن لهذا أن يتغير. إن الانتخابات التشريعية المقررة في مايو/أيار والانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو/تموز في الضفة الغربية وقطاع غزة سوف توفر للفلسطينيين فرصة لانتخاب ممثلين قادرين على إجراء حوار سياسي أكثر فاعلية داخل الوطن الفلسطيني وخارجه.

يمكن للمرشحين الفلسطينيين الذين لا يحملون سمعة متصلبة أن يساعدوا في تخفيف السخرية العميقة التي يظهرها العديد من المسؤولين الإسرائيليين تجاه المفاوضين الفلسطينيين. تتمثل العقبة الرئيسية في عكس اتجاه الاهتمام المتناقص الذي أبدته الحكومة الإسرائيلية في السعي إلى حل الدولتين. قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوسع المستمر في المستوطنات في الضفة الغربية. وقد أدى هذا التوسع إلى مزيد من الجدران الخرسانية والحواجز الأمنية ونقاط المراقبة، مما أدى إلى زيادة تقليص المساحات التي يمكن للفلسطينيين العيش فيها، والتي يمكنهم فيها رعي مواشيهم ورعاية بساتينهم وحدائقهم دون أن يتعرضوا لتحدي المحتلين.

ولسوء الحظ، تجاهلت الولايات المتحدة خلال سنوات ترامب المصالح والتطلعات الفلسطينية. وقد نقل السيد ترامب السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، رافضًا موقف جميع الإدارات الأمريكية السابقة من أنها ستعرّض مفاوضات الوضع النهائي بشأن المدينة المتنازع عليها للخطر. كما وقطع ترامب التمويل عن السلطة الفلسطينية وأنهى مساهماتنا في الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. ولكن في تغيير مرحب به، سمحت إدارة بايدن بالإفراج عن 235 مليون دولار لبرامج إنسانية واقتصادية وتنموية تدعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وأماكن أخرى في المنطقة.

المشهد الختامي لفيلم الهدية” يظهر يوسف متعبًا ومصابًا بألم في الظهر، وغاضبًا بشكل كبير، على حافة العنف بينما كان يحاول العودة إلى المنزل بهدية الذكرى السنوية. اندفاعه العاطفي المخيف جعلني أفكر في الإحباط الذي يشعر به كل فلسطيني عليه أن يتعايش مع الإجراءات الأمنية الخانقة والقمع السياسي المصاحب للاحتلال العسكري الإسرائيلي. وفي ذات الوقت، ابنته الصغيرة ياسمين جعلتني قلقا وصامتا. لقد قامت بمراقبة كيفية تآكل صبر والدها وكرامته وإنسانيته.

لا يسعني إلا أن أتخيل بصمة هذه التجارب على الفتيات والفتيان الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد نشئوا مصدومين من الظلم والتمييز والعنف. إنهم يعيشون مع الشعور بأن وجودهم يتحكم فيه أشخاص لا يهتمون برفاهيتهم أو سلامتهم أو مستقبلهم.

تتعامل إدارة بايدن مع مجموعة مذهلة من المشاكل المحلية والدولية ، لكن السعي الفلسطيني لإقامة الدولة يستحق المشاركة المبكرة من فريق الأمن القومي. يتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من القادة الإسرائيليين الكف عن البناء الاستيطاني الاستفزازي والتوقف عن الممارسات الأمنية القمعية الموصوفة في فيلم “الهدية”. من شأن تقديم إشارة أمريكية واضحة حول تسهيل مناقشات إسرائيلية فلسطينية جادة حول حل الدولتين أن يحمل أهمية سياسية كبيرة.

الاخبار العاجلة