معركة الموصل والمسالة الطائفية

19 ديسمبر 2016آخر تحديث :
معركة الموصل والمسالة الطائفية

بقلم: أنور رجب

مما لا شك فيه أن معركة تحرير الموصل وهي مركز الثقل الرئيسي لتنظيم داعش “عاصمة دولة الخلافة ودرة تاجها”، وثاني اكبر مدينة عراقية من حيث المساحة والسكان وذات الغالبية من العرب السنة، ستكون لها نتائج وتداعيات مهمة وإستراتيجية على مستقبل التنظيم من جهة وعلى مستقبل العراق كدولة وكيان من جهة أخرى، فبالنسبة لتنظيم الدولة فهو يواجه هذه المرة معركة اتفق فيها جميع اللاعبين ذوو العلاقة بالشأن العراقي على تصفيته بغض النظر عن اختلاف أجنداتهم. إلا أن هزيمة التنظيم وخسارته لمدينة الموصل وفقدانه لآخر معاقله في العراق بعد فقدانه لمدن أخرى مثل الرمادي وتكريت والفالوجة، لا يعني بالضرورة نهاية التنظيم والقضاء عليه، فالكثير من الأسباب ذات العلاقة بالتركيبة الاجتماعية والسياسية للعراق، وتعقيدات مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولأسباب ذات علاقة بتنظيم الدولة نفسه تحول دون الاعتقاد بذلك، إذ من المتوقع أن يتحول تنظيم الدولة إلى فروع وخلايا إرهابية تنشط في مناطق متفرقة من العراق، فهو يمتلك مخزون لا يستهان به من المقاتلين والقادة أصحاب الخبرة والتجربة في الميدان العسكري خاصة أولئك ممن كانوا ينتمون للجيش العراقي السابق، وبمقدورهم أن يثيروا الرعب والفزع في عموم العراق.

السؤال الذي يتبادر للذهن ويثير قلق الكثيرين هو: هل هزيمة داعش في الموصل واستعادة السيطرة عليها ستؤسس للقضاء على التنظيم واقتلاع جذوره من العراق، أم ستقود سياسات الحكومة العراقية الاجتماعية والسياسية وتناقض أجندات المحيط الإقليمي إلى إعادة إنتاج داعش بحلة جديدة كما حدث سابقاً؟ وبيت القصيد هنا هو مدى رغبة وقدرة الحكومة العراقية ومكوناتها الرئيسية على السيطرة والتحكم بالمسألة الطائفية والحد من استفحالها وإعادة النظر في الكثير من السياسات الطائفية التي استهدفت تهميش وإقصاء المكون السني، واستغلال الحرب على تنظيم الدولة والجماعات الإرهابية لإحداث تغيير ديمغرافي في مناطق السنة لصالح المكون الشيعي، والقيام بعمليات انتقام وثأر من القبائل السنية في المناطق التي يتم تحريرها حسب ما أفادت تقارير منظمة العفو الدولية.

منذ سقوط بغداد عام 2003، وسيطرة الغالبية الشيعية على مقاليد الحكم في العراق وتسيد النفوذ الإيراني في إدارة الشأن العراقي، برزت المسألة الطائفية في سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة، والتي كانت من أهم المقومات التي وفرت أرضية خصبة للجماعات الجهادية الإرهابية في إيجاد موطئ قدم لها في العراق منذ عهد الزرقاوي، الذي بنى إستراتيجيته على إذكاء الصراع الطائفي بهدف توفير حاضنة سنية لجماعته ومشروعه، وحول ذلك يقول في رسالته لبن لادن عام 2004 “أما هؤلاء الرافضة فهم في رأينا مفتاح التغيير، أقصد أن استهدافهم وضربهم في العمق الديني والسياسي والعسكري سيستفزهم لِيُظهرُوا كَلَبَهُم على أهل السنة، ويُكشِروا عن أنياب الحقد الباطني الذي يعتمل في صدورهم، وإذا نجحنا، أمكن إيقاظ السنة الغافلين”. وهكذا أصبحت المسالة الطائفية ركناً رئيسياً في إستراتيجية التنظيم، والتي اكتسبت قدراً كبيراً من المصداقية، بعد تنكر الحكومة العراقية بقيادة نوري المالكي نهاية العام 2007 للعشائر السنية، التي ساهمت من خلال قوات الصحوات التي شكلتها تلك العشائر في إلحاق الهزيمة بالتنظيم وتفكك بنية الدولة التي أسسها بعد خسارته لعمقه الجغرافي وطرده من المناطق التي كان يسيطر عليها، إلا أن موقف المالكي وتنكره لما تم الاتفاق عليه ورفضه لاستيعاب قوات الصحوات في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية، ودمج المكون السني في الحياة السياسية العراقية بشكل جدي أثار موجة من الغضب والإحباط لدى العشائر السنية، وقد عزز من ذلك المظاهرات التي خرجت العام 2011 في المناطق السنية احتجاجاً على سياسة الإقصاء والتهميش، وتم التعامل معها بالقوة والعنف من قبل الحكومة العراقية والميليشيات التابعة للمالكي، وبفضل ذلك تحولت تلك المناطق إلى بؤر مشحونة بالطائفية، مما منح تنظيم الدولة منفذاً واسعاً للولوج منه واستعادة حاضنته السنية، وقد تمكن التنظيم بفضل ذلك وعوامل أخرى متعددة من إحكام سيطرته عام 2014 على أكثر من 40% من مساحة العراق.

ما حدث في تلك الفترة وما تبعه من ممارسات وجرائم ارتكبتها ميليشيا الحشد الشعبي في المناطق التي تم تحريرها ضد العرب السنة، واستمرار حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية الحالية على نهج سلفه المالكي رغم تطميناته التي أطلقها، كان مصدر قلق للمكون السني في العراق وللعديد من اللاعبين في المنطقة مثل السعودية وتركيا، والعديد من المنظمات الدولية من مشاركة ميليشيا الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل تحسبا لتكرار ما حدث في مناطق أخرى، خاصة وان رائحة الطائفية الكريهة كانت حاضرة في سلوك تلك الميليشيا من خلال رفعها لصور المرشد الإيراني علي خامنئي والأعلام والرايات الطائفية، والأناشيد والشعارات التي كانت ترددها على شاكلة “يا لثارات الحسين” على اعتبار أن معركة الموصل في نظرهم امتدادا للحرب على معاوية والثأر لدماء الحسين. وفي المقابل سعى أبو بكر البغدادي في التسجيل الصوتي الأخير له لاستثمار المسألة الطائفية وسلوك الحشد الشعبي في شحذ الهمم وتحريض السنة على المشاركة في المعركة لجانبه عبر تخويفهم مما هو قادم “كلمة حق يراد بها باطل”.

ومن هنا يمكن القول أن معركة تحرير الموصل قد تكون المرحلة الأسهل في طريق القضاء على تنظيم الدولة قياسا بحجم التحديات التي ستواجه الحكومة العراقية والتحالف الدولي والقوى الإقليمية لما بعد هزيمة التنظيم وتحرير الموصل، ومن بين تلك التحديات وأخطرها تبرز المسألة السنية وكيفية معالجتها، عبر البحث عن حلول جدية لدمج المكون السني في الحياة السياسية العراقية دون إقصاء أو تهميش، ودون ذلك فسيبقى الباب مشرعاً أمام صراع سياسي طائفي ينذر بحرب أهلية لا تعرف عواقبها خاصة في ظل دعم السعودية وتركيا للمكون السني والدعم الإيراني للمكون الشيعي، وقد يكون احد تلك العواقب هو عودة تنظيم الدولة لتنظيم صفوفه وإعادة توحيد خلاياه المتفرقة بفعل هزيمته المفترضة في معركة الموصل بغض النظر عن التسمية والحلة الجديدة التي سيظهر بها. إذاً كلمة السر في تحقيق استقرار دائم في العراق هي إيجاد حلول خلاقة وجذرية للمسألة الطائفية.

 

الاخبار العاجلة