بقلم: محمد أبو لبدة
قامت اسرائيل بتاريخ ٣١ تموز عام ٢٠٠٣ بسن قانون مؤقت يمنع لم شمل العائلات الفلسطينية والذي يستهدف بدرجة اساسية ورئيسية الفلسطينيين في الداخل وفي القدس الشرقية المحتلة عام ٦٧م والتي اعلنت سلطات الاحتلال الاسرائيلي عن توحيدها وضمها منذ احتلالها.
وقد دأبت سلطات الاحتلال الاسرائيلي منذ ذلك التاريخ على تجديد امر هذا القانون الذي جاء تحت اسم قانون المواطنة الاسرائيلي حيث جمدت من خلاله طلبات لم الشمل الا في اطار بوادر ما يسمى «حسن نية اسرائيلية».
وتدعي سلطات الاحتلال الاسرائيلي بأن لم شمل العائلات الفلسطينية ليس حقا مكتسبا عند الفلسطينيين بل هو مبادرة رحمة منها، كما ان صلاحية تصديق لم شمل العائلات بقيت في اسرائيل حتى بعد التوقيع على اتفاقات اوسلو سيئة الصيت.
وفي تاريخ ١٤ من الشهر الجاري تم تمديد سريان مفعول هذا القانون للمرة الرابعة عشرة على التوالي والمعروف ايضا بقانون المواطنة والدخول الى اسرائيل. وتدعي سلطات الاحتلال الاسرائيلي ان الهدف من هذا القانون الجائر هو امني فقط في حين ان الاهداف هي غير ذلك وان الحجة الامنية هي فقط للتغطية على الاهداف الاخرى الحقيقية والتي تستهدف الانسان الفلسطيني.
فمن ابرز اهداف هذا القانون الجائر والعنصري انه ديمغرافي بالدرجة الاولى اي ابقاء اليهود هم الاكثرية في الداخل وفي القدس الشرقية كما افصح عن ذلك اكثر من مسؤول اسرائيلي، حيث يعتقدون بأن نسبة التكاثر الفلسطينية ستقود في نهاية المطاف الى ان يصبحوا اكثرية في الداخل وفي القدس الشرقية الامر الذي لا يمكن قبوله او التسليم به.
ومن هنا جاء هذا القانون العنصري الذي اقترحه ارئيل شارون اثناء رئاسته للحكومة الاسرائيلية والذي جاء اثناء الانتفاضة الثانية، كما ان العديد من المسؤولين الاسرائيليين يعتقدون ان لم شمل العائلات هو عبارة عن تمرير لحق العودة الفلسطينية بطريقة التفافية هي قيام الفلسطينيين سواء في الداخل او في القدس الشرقية بالتزاوج من فلسطينيين او فلسطينيات من الضفة الغربية وقطاع غزة، وان لم الشمل في هذه الحالة سيزيد من عدد الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية من فلسطينيي الداخل ومن الفلسطينيين الذين يحملون الهوية الزرقاء في القدس الشرقية.
كما ان هذا القانون الاسرائيلي العنصري يسري على من يتزوجون من لبنان او سوريا او العراق او ايران على اعتبار ان هذه الدول هي دول معادية لاسرائيل وانه من الممنوع والمحظور ان يأتوا الى اسرائيل او القدس الشرقية.
وهذا القانون الاسرائيلي بتجميد لم الشمل له عدة انعكاسات على الاسر الفلسطينية التي يكون فيها احد الزوجين من حملة الهوية الزرقاء او الجنسية الاسرائيلية والاخر من حملة الهوية الفلسطينية او من الدول الاربع آنفة الذكر.
ومن ابرز الانعكاسات السلبية لهذا القانون الجائر والعنصري ما يلي:
١- يفصل بين الاب والام حيث لا يستطيع الذي لا يحمل الهوية الزرقاء المكوث في الداخل الفلسطيني او في القدس الشرقية، وان مكث فهو حسب القانون يكون مكوثه مخالفا وفي اية لحظة يكون معرضا للابعاد الى الضفة او غزة، عدا عن احتمال سجنه وفرض غرامات مالية عليه، لذا نراه او نراها تعيش او يعيش كالسجين لا يستطيع او تستطيع الخروج من المنزل الا للحالات الاضطرارية.
وهذا الامر يمنع من يحمل منهما الهوية الفلسطينية من العمل كما انه لا يستطيع الحصول على الخدمات المقدمة لمن يحمل الهوية الزرقاء كالتأمين الصحي والوطني وغيرها من الخدمات الاخرى.
ويؤدي ذلك الى ان يقوم احد الزوجين بالعمل لكي يستطيع الانفاق على الاسرة، وهذا العمل لا يمكنه ان يسد احتياجات الاسرة فتدخل في دائرة الفقر.
٢- يجعل هذا القانون العنصري الاسرة الفلسطينية احادية الاب او الام الامر الذي ينعكس على الاطفال حيث يجدون انفسهم بدون اب وام ترعاهم.
٣- عدم حصول الاطفال على حقوقهم الكاملة في حالة كون الام من حملة الهوية الفلسطينية حيث تضطر الى رعاية اطفالها في الضفة الغربية الامر الذي يحرمهم من الكثير من الحقوق مثل التأمين الوطني والصحي والتسجيل في هويات والدهم وغيرها من الحقوق الاخرى.
٤- انعكاسات القانون السلبية على الاطفال حيث لا يجدون الاب الذي يرعاهم ويوجههم ويقوم بتعليمهم، الامر الذي يوجد خللا في الاسرة، خاصة اذا كان الاب من حملة الهوية الزرقاء.
٥- في حالة اضطرار الاسرة للعيش في الضفة الغربية او حتى على مقربة من القدس لا تتعدى الامتار فانها بعد فترة ستفقد حقها في العيش بالقدس او الداخل وفقا للقانون الاسرائيلي الاخر الجائر الذي يحرم الفلسطيني المقدسي من حق المواطنة اذا مكث في الضفة الغربية او قطاع غزة مدة ٧ سنوات، كما يتم حرمانه فورا من الخدمات الاجتماعية والصحية وغيرها.
٦-الحد من الروابط الاجتماعية بين ابناء الشعب الواحد، فالمقدسي الذي يعيش في القدس او الفلسطيني من الداخل والذي يوجد له اقرباء في الضفة او قطاع غزة لا يستطيع التواصل معهم بصورة طبيعية ففي الضفة هناك معبر قلنديا او معبر مخيم شعفاط والذي يحتاج المواطن لاجتياز احدهما عدة ساعات الى جانب التفتيش وغيرها من المضايقات الأخرى الأمر الذي يجعل المرء يتواصل مع اقربائه عبر الهاتف او ان يزورهم في المناسبات لأنهم هم القاطنين في الضفة والذين يحملون هويات فلسطينية لا يستطيعون الدخول الى القدس الا عبر تصريح في أغلب الأحيان لا يمنح لهم.
أما من له اقرباء في قطاع غزة فإن امره اكثر تعقيداً حيث لا تسمح السلطات الاسرائيلية الاحتلالية له بزيارتهم في القطاع كما لا تسمح لهم بدخول القدس لزيارة اقربائهم في المدينة او في الداخل الفلسطيني.
٧ – يحرم القانون الاسرائيلي الجائر المواطن او المواطنة الفلسطينية من الداخل او من القدس من حرية اختيار شريك الحياة نظراً للصعوبات والعراقيل التي تجدها او نجدها المقدسية وخوفاً من فقدان حقهم في الاقامة بالمدينة المقدسة، كما ان مواطني الداخل الذين يختارون شريك او شريكة الحياة من الضفة والقطاع يواجهون معضلة عدم تمكنهم من العيش في اسرة واحدة، الأمر الذي كما اشرنا سابقاً ينعكس سلباً على الأسرة وخاصة الأطفال منهم.
٨ – نظرة سلبية من قبل البعض في المجتمع للأسر التي لم تحصل على لم الشمل، حيث يجد ابناء هذه الأسر صعوبة بالغة في الزواج ممن يحمل او تحمل هوية مقدسية، ومن الداخل الفلسطيني.
وفي كثير من الأحيان عندما يقوم شاب يحمل هوية فلسطينية بالتقدم لفتاة مقدسية او من الداخل فإن الأهل يترددون كثيراً خاصة اذا انتقلت ابنتهم للعيش في الضفة او القطاع حيث تفقد الكثير من حقوقها المدنية وفي المستقبل تسحب هويتها المقدسية.
٩- ايجاد شرخ داخل الاسرة الواحدة من خلال عرض سلطات الاحتلال على البعض الموافقة على جمع الشمل مقابل تقديم خدمات للاحتلال مناهضة لشعبه.
وهناك ايضاَ اجراء اسرائيلي اشبه بالقانون هو منع التواصل بين الأقرباء في الضفة والقطاع حيث يمنع اهالي القطاع من الوصول ليس فقط الى القدس او الداخل بل وايضاً الى الضفة الغربية الا في بعض الحالات الانسانية كالمرض حيث يتم تحويل المريض او المريضة اما الى مستشفيات اسرائيلية في الداخل، والى مستشفيات في الضفة او القدس الشرقية ويشترط في التصريح الاسرائيلي العلاج فقط دون المكوث بعد انتهاء العلاج.
كما يمنع اهالي الضفة من الوصول الى قطاع غزة بسبب الحصار المفروض على القطاع الأمر الذي منع التواصل بين الأقرباء الا عبر الهاتف.
ان هذا الاجراء الاسرائيلي يقطع العلاقات الاجتماعية بين الاقرباء ويعرض النسيج المجتمعي لمخاطر التفكك والانهيار مع استمرار هذا الاجراء غير الانساني والذي يتعارض مع ابسط القوانين والاعراف الدولية.
كما ان قانون تجميد لم الشمل عدا عن كونه عنصريا فهو ايضا يتعارض مع ابسط حقوق الانسان والقوانين والاعراف الدولية التي تنص على حق المواطنين في التنقل دون عراقيل والزواج والعيش في اسر تجمع الجميع في بيت واحد دون قوانين عنصرية وغير انسانية.
انه امام هذا الوضع غير الانساني فانه ليس امام الفلسطينيين سوى مواصلة رفع الدعاوى القضائية ضد القانون العنصري وضد الحصار المفروض على غزة ، كما انه من واجب السلطة الفلسطينية طرح هذا الموضوع امام مؤسسات حقوق الانسان الدولية من اجل الضغط على اسرائيل لالغائه ورفع الحصار عن القطاع.
يشار هنا الى ان منظمات حقوق انسان اسرائيلية رفعت دعاوى قضائية ضد هذا القانون الجائر الا ان قضاة المحكمة العليا الاسرائيلية وقفوا الى جانب الدولة والشاباك في ادعائهم ان بعض العمليات التي نفذت ضد اسرائيل نفذها اشخاص حصلوا على لم شمل وانه بسبب الامن يتم تجديد هذا القانون في حين كما ذكرنا سابقا الهدف منه غير أمني وانما ممارسة الضغوط على الفلسطينيين من اجل الرحيل اي انه ديمغرافي بالدرجة الاولى والاساسية.