مواجهة التطرف مطلب إنساني عاجل

6 مارس 2021آخر تحديث :
مواجهة التطرف مطلب إنساني عاجل

تسعى الجماعات المتطرفة لتجنيد الشباب والسيطرة على عقولهم عبر المتاجرة بالمفاهيم، من خلال التفسيرات الخاطئة للنصوص بهدف نشر أفكارها. وتهدف هذه الجماعات لوضع الدين في مقابل الوطن لإحداث حالة من التشتت، وترسيخ مفاهيم مغلوطة، كأن الدين والوطن نقيضان، لضرب استقرار المجتمعات والتهوين من مكانة الأوطان، التي تعلي نصوص الشريعة الإسلامية منها، بل جعلت حب الأوطان جزءاً من عقيدة المسلم.

والمؤكد أن مواجهة هذه الجماعات تبدأ من تفنيد أكاذيبها ومتاجرتها بالدين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان أن فقهها يعتمد على فهم خاطئ للنصوص، وشائعات وأكاذيب، وأن هذه الجماعات تهدف لإحداث قطيعة متعمدة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وتهوين إنجازاتها بهدف تفكيكها وضرب استقرارها، فهذه الجماعات ترى أن كل ما يساعد على بناء الدولة يضعف كياناتها، لأنها لا تقوم إلا على أنقاض الدول.

أصبح تطوير أساليب مواجهة الفكر المتطرف مطلباً إنسانياً دولياً تتنادى كل الدول بأن يكون على رأس القائمة في القضايا الملحة، والتي لا تحتمل التأخير، حسب د. عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

ويؤكد أن أخطار تلك الجماعات المتطرفة داهمت كل بقاع الدنيا، ولم تعد هناك دولة بمنأى عن أن يطالها ناتج ذلك الفكر الذي لا يعرف حدوداً ولا يلتزم بآداب، ولا يوجد لدى من يمارسونه خط أحمر يمكن أن تقف عنده أفعالهم الإجرامية العتيدة.

ويقول د. عبد الله النجار: الجرائم الإرهابية ليس لها حدود دولية تقف عندها، ولكنها جريمة تتجاوز الحدود وتعبر القارات، وتنتشر في العالم كله انتشار النار في الهشيم، وهذا يجعل الخطر الناتج عنها من قبيل الخطر العام الذي يؤثر في الإنسانية جمعاء. والمؤكد أن تطوير أساليب مواجهة الجماعات الإرهابية وما ينتج عنها من الفكر المتطرف يحتاج إلى مدخل صحيح وضروري للبدء منه والانطلاق من خلاله، وهذا يتمثل في التجديد المعاصر لفقه الدعوة، والتطبيق العلمي للتجديد. ولا شك أن هناك دوراً كبيراً يقع على عاتق العلماء والدعاة في التطبيق العملي لتجديد الفقه الدعوي، باعتباره إحدى وسائل مواجهة الجماعات المتطرفة.

ويؤكد أنه يجب أن يكون المشتغل بالدعوة إلى الله محايداً لا يبتغي من وراء عمله كسب الأنصار أو جمع الأموال أو تجنيد الشباب لما يريد أن يوجههم إليه من أعمال العنف والتخريب والتدمير، كما أن الحياد والنزاهة من أهم شروط العمل الدعوى، قال تعالى «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» الآية (72) سورة يونس، وقال سبحانه وتعالي مخاطباً نبيه، صلي الله عليه وسلم «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ» الآيات (103 – 104) سورة يوسف.

تجرد
ما من شك، وفق د. عبد الله النجار، في أن عدم التطلع للأجر المادي أو الأدبي من المدعوين يعتبر علامة على التجرد، وتطبيقاً عملياً يدل على النزاهة والموضوعية، وهما أساس العمل الدعوى الناجح، وأخطر أنواع الأجر هو ما ينشده الداعية بدعوته من جمع الأنصار حوله حتى ينتصروا له فيما يريد أن يحققه من معالم الدنيا، أو الوصول إلى المكاسب المادية أو المناصب الدنيوية.

ويشدد على ضرورة أن يلتزم الداعية بالرأي الوسطى في الإسلام، وأن يتسم بالرفق والسماحة، فإن الدين غالب وليس مغلوباً، ولهذا أمرنا النبي الكريم، صلي الله عليه وسلم، بالاعتدال والتوسط والمقاربة، وذلك فيما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي، صلي الله عليه وسلم، قال«إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء مِن الدُّلجة».

ويقول النجار: اختص الله نفسه سبحانه وتعالي بهداية خلقه، ولم يعط أحداً من عباده أمر تلك الهداية، قال تعالى «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» الآية (56) سورة القصص، وكذلك قوله تعالي«إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىا قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىا فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا» الآية (57) سورة الكهف، وتفيد هذه الأدلة وغيرها أن أمر الهداية بيد الله سبحانه وتعالي وحده، وليست بيد أحد سواه.

ويؤكد أن التفسيرات الخاطئة التي تقوم بها الجماعات المتطرفة، تتنافي مع منهج الإسلام في حرية العقيدة، وقال تعالى «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» الآية (99) سورة يونس. ويوضح أن أساليب مواجهة الجماعات المتطرفة يجب أن تكون متنوعة تجابه الفكر بالفكر، والجريمة بالعقاب، بل والعمل على الوقاية منها، وضرورة التعاون الدولي للقضاء على الفكر المتطرف، وأن تأخذ المواجهة زمام المبادرة ولا تقف عند حدود تلقي الضربات ثم الرد عليها، لأن ذلك التأخير من شأنه أن يتحول إلى تراخ في المواجهة، وربما أدى إلى مردود عكسي، كذلك ضرورة وحدة الصف واتحاد الكلمة.

ولعل ذلك الاتحاد في مواجهة الجماعات المتطرفة هو، في رأي النجار، المقصود بقول الله سبحانه وتعالى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» الآية (103) سورة آل عمران.

إتقان العلم والعمل

حسب د.عبدالله النجار، لن يستطيع أي داعية أن يؤدي واجبه في مجال الدعوة إلى الله على نحو صحيح إلا إذا أتقن هذا الفقه علماً واشتغل به عملاً، ولهذا كان الإلمام به من أهم الأعمال التي تشكل مدخلاً صحيحاً في مواجهة الفكر المتطرف، ورد ما يترتب عليه من تلك الجرائم النكراء. وليست الدعوة إلى الله بحاجة إلى من يذكر بأهميتها، ويكفي أنها أهم أعمال الأنبياء والمرسلين، فهي مهمتهم وجوهر عملهم، لأن الله بعثهم إلى خلقه ليذكّروا عباده بما نسوه من أمر ربهم، ومن يخلفهم في هذا العمل الجليل يكون قد حصل على قدر كبير من شرف الاقتداء بهم والسير على منوالهم.

ويشير إلى أن الدعاة مطالبون بأن يقتدوا بالرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في منهج الدعوة إعمالاً لقوله تعالى «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» الآية (21) سورة الأحزاب، ولهذا كان من المهم أن يتبصر كل داعية هذا المنهج ومكوناته.

الاخبار العاجلة