طوبى لحياتنا التي تقهرهم

18 يونيو 2021آخر تحديث :
طوبى لحياتنا التي تقهرهم

صدى الإعلام -الكاتب: فتحي البس

آخر ضحايا البرمجة العصبية الذهنية لجنود الاحتلال الدكتورة مي عفانة، إنهم كما يبدو يعانون حالة عصبية، يخافون من كل شيء، أو أن تدريبهم من أهم فقراته، أقتل واكذب إنك كنت في خطر، والمؤسسة تحميك. تقود سيارتها وتدخل طريقا وعرة، ربما للهرب من أزمة السير، أو لاختصار المسافة، حيث دخلت أنا في مثل هذه الطريق، في إحدى المرات متوجها من أريحا إلى رام الله، ومن حسن حظي أنهم لم يكونوا هناك، فقتل الفلسطينيين بالنسبة لهم أسرع من رمشة العين، حصل مثل ذلك مرات عديدة، في مناطق مختلفة من الضفة، والادعاء الكاذب جاهز، محاولة دهس وطعن.

بمشاهدة الفيديو، سيارة الدكتورة مرتطمة بكومة من الحجارة والأتربة، فهل تعمدَّت ذلك ونزلت منها شاهرة سكيناً لتطعن جنودا مدججين بالسلاح حسب الرواية الإسرائيلية؟ سيدة في مقتبل العمر، محاضرة جامعية وأم، يبدو من ملامحها أنها طيبة وتحب الحياة، فمن غير المعقول أن تختار طريقا وعرة جدا لتنفِّذ عملية دهس، فالمنطق يقول إنَّ عملية مخططة للدهس لا يمكن أن تكون في طريق وعرة لا تسمح بسرعة تحتاجها، ولا توجد مؤشرات في سيرة الدكتورة الأكاديمية تدل على توتّرٍ يفقدها التفكير وحسن الاختيار. إذن كل الدلائل تشير إلى أنها دخلت خطأً، وكان يمكن للجنود، الذين يعتلون الطريق، دون أيِّ تهديد على حياتهم، إطلاق نارٍ تحذيري، أو التصويب على عجلات السيارة، فهي هدف سهل، ومن المؤكد أنها كانت ستتوقف، وكان يمكن اعتقالها والتثبت من نواياها.

جريمتها، أنها فلسطينية ترفع شعار”سوف نبقى هنا”، ككل الفلسطينيين بين النهر والبحر. سبعة ملايين فلسطيني يرفعون هذا الشعار، وطبعا بقاؤهم هو سلاح المواجهة المرعب للمحتلين، الذي يجعلهم دائما في حالة خوف وقلق ورعب، ويجعلهم يظنون أن الاعتقال والقتل والتضييق على حياة الناس يمكن أن يدفعهم للرحيل، ويبدو أن ذلك مستحيل.

إنهم، ككل المحتلين والمستعمرين، يعرفون أن حياة المواطنين الأصليين، هي نقيضهم، ولنراجع مشهد مسيرة الأعلام الاحتفالية للمستوطنين في القدس، آلاف أعلامهم، واجهها علم فلسطيني واحد، تمكنت امرأة فلسطينية من إدخاله إلى باب العامود، كان كافياً ليدفعهم للجنون، فانقضوا عليها، وحققوا “انتصارا” بنزعه من بين يديها، وملاحقتها بالاعتداء والضرب. آلاف من الموهومين أن القدس لهم، يحمي كل واحد منهم جنديٌّ وربما أكثر، مدجج بالسلاح، يواجههم عدد قليل من المواطنين أصحاب الأرض تمكنوا بصعوبة من الوصول إلى الباب، يهتفون للعلم الفلسطيني، ويذكرون هؤلاء الموهومين أن القدس لم تكن ولن تكون أبدا للمحتلين.

يكتمل المشهد الذي يعكس الفرق، بين أهل المكان وهؤلاء الموهومين. تنتهي المسيرة الحاقدة التي ردد المشاركون فيها شعار “الموت للعرب”، فكان الرد سريعا، شباب القدس وشاباتها، يمتشقون سلاح الحياة، النظافة وأدواتها، المكانس والمياه والمنظفات والمطهرات، ليمحو آثار الدنس والقذارة التي لحقت بساحة باب العامود، رمز الحياة لأصحابه، يتحركون برشاقة وسرعة ليعيدوا له طهارته وبهجته، وللحياة معناها وجوهرها، فيصاب الجنود بالهستيريا، ينقضون عليهم بوحشية، يحققون الانتصار بالاستيلاء على المكانس وأدوات النظافة، لكنهم بالتأكيد لا يستطيعون الاستيلاء على ذكريات أهل القدس في باب العامود، إنهم سيظلون يخافون من تجمع أهل القدس في ساحة باب العامود، وذكرياتهم وفي البال ما قاله محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة….وخوف الغزاة من الذكريات.

تنضم المكانس وأدوات التنظيف إلى الأدوات التي يخافها المحتلون: مقص الأظافر وسكين تقشير الفواكه، ومفك البراغي، ومبرد الأظافر، وسيارات النقل، ويضاف لها طبعا حفيف الشجر وزقزقة العصافير، وذاكرة الوطن.

الرعب سيظل يطاردهم، نحيا على أرضنا، ويموتون كل يوم خوفا وجوديا على أرض ليست لهم. طوبى لحياتنا التي تقهرهم.

الاخبار العاجلة