تقسيم الصفوف…هالدرب مش دربي

27 يونيو 2021آخر تحديث :
تقسيم الصفوف…هالدرب مش دربي

صدى الإعلام – بقلم: فتحي البس

في منتصف السبعينيات، وفي أوج قوة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، سادت أجواء مشحونة: انقسامات وتوزيع تهم، وخلافات واسعة، تبنتها دول داعمة لقوى وأفراد ومؤسسات إعلامية، في محاولة لإضعاف المنظمة، ودائما، عمودها الفقري حركة فتح. كان برنامج النقاط العشر، الذي أنتج في النهاية أوسلو، والمواقف المتناقضة في الحرب المجنونة التي شنها اليمين الانعزالي بدعم من إسرائيل وآخرين على الثورة وأنصارها، والموقف من الشقيقة سوريا ودورها، ومسائل أخرى فكرية هي قضايا الصراع والخلاف.

في فتح، كانت منابر متعددة، من بينها منبر “خط الجماهير…خط الشعب” الذي تشرَّب مقتضيات حرب التحرير الشعبية طويلة المدى. في أحضانه، نبتت السرية الطلابية التي تحوَّلت إلى الكتيبة الطلابية فيما بعد، وتعمدَّت بالنار، وبالجمع بين الفكر والممارسة، وحظيت باحترام واسع وبتبني أفكارها وأسلوبها في العمل على نطاق واسع. انتشارها كان سببه إيمانها بالحرية والتعددية واحترام الرأي الآخر. رفضت الإنجرار إلى أي محور، بوصلتها كانت فلسطين وحماية الثورة. اختلف هذا الخط مع اللجنة المركزية في الرؤية وفي النهج، في أسلوب حماية الثورة. كان خطا جامعاً، فتحاوياً أصيلاً. احترمته اللجنة المركزية وتعاملت معه بما يليق به.

تعرضت قيادة منظمة التحرير وقائدها الرمز ياسر عرفات إلى حملات منظمة فيها اتهامات له وصل بعضها إلى حد التخوين، كذلك تعرضت اللجنة المركزية لفتح إلى اتهامات بالعجز وقلة الحيلة وعدم القدرة على السيطرة، وأشاعت قوى وكتاب رأي أن فتح على وشك الانهيار، خاصة وأن بعض الرموز فيها تماهت مع الأصوات المعارضة. وكان على خط الجماهير خط الشعب أن يتِّخذ موقفا، فانحاز إلى وحدة الحركة ودعم قيادة منظمة التحرير، وتجسّد هذا الموقف بالقتال تحت راية اللجنة المركزية التي يختلف معها، دفاعا عن الثورة، ودعا إلى ترتيب التناقضات بدقة.

كان الموقف الفكري السياسي يترجم إلى أناشيد وأغان ثورية معبرة تردد في خنادق القتال والمواقع المختلفة، لحنها على عوده وأنشدها بصوته المجلجل ابن الجبل حاتم ملاعب، وأصبحت أشبه ما يكون بالنشيد الوطني الجامع، تقول:

تشكيل المحاور،

تقسيم الصفوف، تفتيت القوى،

هالدرب مش دربي،

وهادا رجعي سافل، وهادا وحده مناضل،

هادا طرح جاهل، ما بيقبلو شعبي …

نحنا مع كل القوى، اللي بجمعها سوى، محاربة العدو، ……

التناقض المحسوب، بين أولي وثانوي،

للثانوي التأجيل وعلل الأولِ الضربِ.

واليوم، ما أحوجنا إلى إجراء مقارنة، وإلى قوة تتبنى الرؤية الصحيحة الجامعة التي ترتب التناقضات وتثبِّت أن التناقض الأول مع الاحتلال، عليه يكون الضرب، والتناقضات الأخرى يتم التعامل معها بالحوار.

تسود الفوضى وضبابية الرؤية وتصيبنا في مقتل. وتتكاثر الفضائيات ومنابر الاعلام التي تغذي التناقضات الثانوية، وتكثر الأخطاء التي تمارسها القوى التي لا تفهم معنى حرية التعبير والرأي، ويمارس بعض أفراد أجهزتنا الأمنية تعسفا لا يليق بشعبنا، يفضي أحيانا إلى الموت كما في حالة نزار بنات، مما يمكن قوى كثيرة من خلط الأوراق ورفع التناقض الثانوي ليصبح الأول.

نحن في وضع مختلف جغرافيا وزمانيا عن الماضي، لكن الفكر السليم يظل هو المطلوب. نحن نعمل تحت الاحتلال، يمارس علينا أبشع أنواع القهر والعدوان، ويكاد المنطق الأعوج يسود.

ومن المنطق الأعوج الحملات المسعورة ضد منظمة التحرير، يقابلها تباطؤ في اتخاذ إجراءات سريعة، تسهم في إعادة التناقض إلى وضعه الطبيعي.

إن التركيز على التناقض الأولي، لا يعني أبدا الصمت أو التغاضي عن الأخطاء، بل محاربتها وفضحها، وعلى الثوّار أن يحترموا الرأي المخالف مهما بلغت قسوته.

ولنردد من جديد: تشكيل المحاور تقسيم الصفوف، وتفتيت القوى، هالدرب مش دربي.

الاخبار العاجلة