حرية رأي أوضح لقبر ثقافة الكراهية

6 يوليو 2021آخر تحديث :
نكبة نكسة

صدى الإعلام –  الكاتب: باسم برهوم

هناك حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وقف هذه الموجة التي نشهدها من نشر ثقافة الكراهية، والتحريض، والتخوين، في العديد من وسائل الإعلام وعلى العديد من صفحات الفيسبوك، نحن بحاجة لأن نعمل، وبسرعة على خلق معادلة فيها حرية رأي وتعبير أوسع، لقبر ثقافة الكراهية، لنتخلص من هذا المرض نهائيا، لأن التحريض، وبث الكراهية سيقضيان على النسيج الاجتماعي الفلسطيني.

بالتأكيد إن حادثة وفاة المواطن نزار بنات نتيجة محاولة اعتقاله العنيفة، كشفت عن ثقوب كبيرة في ثوب حرية الرأي والتعبير، وأن هامش الحرية، الذي كان باستمرار واسعا جدا في فلسطين إلى درجة الفوضى، أخذ يضيق نسبيا. ولكن انتقاد حالة سلبية يجب ألا يقود إلى هدم البيت كله على رؤوسنا جميعا، فما شاهدناه مؤخرا هو مخيف على كل الأصعدة، فلا يمكن الإصلاح عبر نشر ثقافة الكراهية والتحريض والتخوين. المطلوب تبريد الموقف قليلا، والعودة إلى منطق العقل فحرية الرأي، والكراهية لا يمكن أن يلتقيا.

هناك حاجة أن تقوم جميع الأطراف بعملية تقييم لتجربة الأسابيع الماضية، وهذه العملية ضرورية كفعل مباشر من أجل تهدئة النفوس، ومن ثم المباشرة في حوار وطني شامل هدفه إجراء تقييم أعمق وموضوعي لتجربة الحركة الوطنية الفلسطينية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والخروج باستنتاجات تمهد الطريق لاستعادة الوحدة الوطنية بدرجة أساسية.

فتح باعتبارها العمود الفقري والأساسي في الحركة الوطنية الفلسطينية، ولكونها أم الولد كما يقال فإن إعادة ترميم البيت الفلسطيني تقع أكثر على عاتقها، لتأخذ المبادرة ونرى إن كانت المعارضة مهتمة بالعودة إلى طريق الإصلاح الأكثر جدوى، والضغط عبر الحوار من أجل العودة للخيار الديمقراطي بدل جر الشعب الفلسطيني إلى فتنة داخلية تحرق الأخضر واليابس.

المهم أن نبتعد جميعا عن لغة التخوين، ثمة من جرب هذه اللغة مرارا في السابق وكانت النتيجة الانقسام البغيض. وبعد أن نعود لمنطق العقل وفي سياق الحوار يمكن رسم استراتيجية سياسية فلسطينية جديدة نحدد الأوليات بدقة من إنهاء الانقسام، إلى تفعيل المنظمة، والأهم أن نتفق على تنظيم مقاومة شعبية فلسطينية شاملة ومتواصلة ضد الاحتلال ونظام الفصل العنصري في إسرائيل.

عبر المقاومة الشعبية المستمرة يمكن فقط أن نخلق واقعا مختلفا على الصعيد الوطني، وأن نفرض معادلة سياسية على إسرائيل وعلى المجتمع الدولي الذي لا يزال يغمض عينيه ويصم آذانه عن جرائم دولة الاحتلال والعنصرية.

إن أي عملية تغيير يجب أن تأخذنا نحو مستقبل واضح، نتحكم فيه نحن بمصيرنا، وليس إلى مستقبل مجهول يتحكم بنا خلاله كل بغاة الأرض، ولا يستفيد منه سوى العدو الإسرائيلي. من هنا فإن هناك حاجة للحوار والعودة إلى الخيار الديمقراطي، نحافظ خلاله على قوتنا الموحدة ونحصن أنفسنا من الداخل. فما نحتاجه اليوم، ومن أجل الوصول إلى الإصلاح المنشود، هو حرية رأي أوسع وأكبر لنبذ الكراهية ولغتها فهذه الأخيرة إذا ما استحكمت فينا فلن تقوم لنا قائمة.

وبنظرة أعمق فإن أي مسعى للتغيير إذا لم يكن عاقلا ووطنيا، وعينه على القضية الفلسطينية قبل كل شيء لن يقود إلا إلى تدمير الحالة الوطنية برمتها. وهنا لا بد من التأكيد ألا يكرر الشعب الفلسطيني تجارب “ثورات الربيع العربي” لأنها انتهت جميعها إلى تدمير الكيانات الوطنية ولم تحقق أي تغيير أو إصلاح، والأمثلة جميعها أمامنا. وفي كل الحالات كان المشهد في البداية يبدو ورديا ورائعا، ثم ما لبثت أن دبت الفوضى الخلاقة التي ليس من بين أهدافها، لا الديمقراطية، ولا الإصلاح، إنما تدمير الكيان وبقية المجتمع والشعب.

من هنا تأتي أهمية دور فتح، في هذه المرحلة المصيرية، بصفتها حركة الشعب الفلسطيني الوطنية في منع الوصول إلى هذا الواقع المتدهور عبر أخذ زمام المبادرة وتقديم ورقة للحوار الوطني تعيد من خلالها الاعتبار للوطنية الفلسطينية، وتقود فتح باعتبارها حركة تحرير ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، بموازاة العودة للمسار الديمقراطي، إنما هو يسعى إلى انقسامات أعمق لشد وتخريب ودمار الحالة الوطنية الفلسطينية، ومشروعها للتحرر والحرية والاستقلال.

الاخبار العاجلة