حَجر القدس: عن الاستعمار في المِعمار

13 أغسطس 2021آخر تحديث :
حَجر القدس: عن الاستعمار في المِعمار

صدى الإعلام – في الطريق المؤدي إلى القدس، من شارع يافا – القدس التاريخي، وبعد قطع “وادي علي” من بابه، مرورًا بأبو غوش، “قرية العنب”، ثم صعودًا باتجاه القدس الغربية، لا شيء يمنحنا تذكرة وصولنا المدينة ودخولها، مثلما يمنحنا ذلك المشهد من على يسار نافذة الحافلة، قرية لِـفتا!

لِـفتا المُهجرة، وبيوتها المُحجّرة، مشرئبة ساكنة على السفح، وباردة برودًا لا يقبل الصفح، بعد أن شُرّد أهلها منها وعنها عام 1948. هي تذكرة بصرية تمنحنا إياها بيوت لِـفتا التي أبقى عليها الصهاينة، تُنذرنا بأننا بتنا على أبواب مدينتنا، القدس.

كل بيوت لِـفتا الباقية، مَبنية من الحَجر، ومعظمها مكون من طابقين، وفي ذلك دلالة اجتماعية – اقتصادية عن المعمار الفلاحي التقليدي. إذ تدلُ على سِعة ويُسّر حال أهل لِـفتا في حينه (1)؛ فبناء البيت من الحجر ورفعه طابقين، كان يُعتبر معمارًا نخبويًا لدى فلاّحي القُرى قبل النكبة، الذي كان يقتصرُ على مختار القرية أو ملّاك “زنجيل” فيها.

تُشعرنا بيوت لِـفتا، بدفء ذلك المعمار، الذي يبدو كما لو أنه نَبت في الأرض أكثر من كونه مبنيًا عليها؛ نماء طبيعي منها وانتماء لها معًا، فيما تشكل مباني الأحياء الاستيطانية – اليهودية الحكومية والتجارية من حول القرية، نشازًا وتناقضًا مقحمًا. فإذا ما رفع الرائي بناظريه عن لِـفتا نحو المعمار الاستيطاني المُقام على أراضي خلّة طَرحة وشِعب الجمل ووعر الضبع اللفتاوية، شَعرَ بسطوةٍ حَجرية وقسوةٍ بصرية، تُلازمه على طول مسار المعمار الذي خطته آلة الاستعمار في الجهة الغربية من المدينة. وذلك، إلى أن يحط على أبواب البلدة القديمة شرقًا، لتغسل حجار سورها هناك ذائقته البصرية بعد ضيقها، فيستعيدُ حميميته مجددًا مع المكان. هذه الحميمية مع القدس والاغتراب فيها معًا، تمران أولا وأخيرًا عبر حقل المِعمار والعَمارة فيها.

منذ ما يزيد عن المئة عام، ومدينة القدس تتعرض لابتلاع مستمر، ضمن منظومة استعمارية، منذ الاحتلال البريطاني للمدينة بعد الحرب العالمية الأولى. طالت ماكينة الانتهاك الاستعمارية المدينة في كافة مناحيها، فكان أبرزها حضورًا هو المعمار، الذي تمثل في التخطيط والبناء وإعادة مشهدة الفضاء المقدسي. ورغم فجاجة المعمار الكولونيالي وعنفه الملحوظ في المدينة، إلا أن العمارة الاستيطانية وعلى حد تعبير إيال وايزمان قد جسّدت لغة بصرية اُتخذت وسيلة للتعمية والتمويه على حقائق الاستعمار فيها (2). اشتغل هذا التمويه المعماري وما زال على مدار قرنٍ كامل، وذلك من خلال التحجير وقانون الحَجر.

قانون الحَجر

يعود سن قانون الحَجر في القدس إلى مطلع القرن الماضي؛ فبعد استسلام قوات الجيش العثماني في القدس، في كانون الأول/ ديسمبر 1917 للقوات المتحالفة بقيادة الجنرال سير إدموند أللنبي، وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك، جرى تعيين الملحق السياسي في الجيش البريطاني الكولونيل رونالد ستورز (Ronald Storrs) حاكمًا عسكريًا لمدينة القدس.

نظر ستورز إلى مدينة القدس نظرة دينية – استشراقية، وعلى أثر ما خلّفته الحرب من دمار وخراب لأحياء المدينة وبيوتها، استدعى ستورز المهندس المدني البريطاني الذي صمم مدينة الإسكندرية المصرية وليام ماكلين (William H. Mclean)، وذلك من أجل وضع مخطط لإعادة تعمير المدينة (3).

المصدر : عرب ٤٨

الاخبار العاجلة