خاص صدى الاعلام -عاموس يدلين- قرار مجلس الأمن 2334 وتداعياته على إسرائيل وإستراتيجية مواجهته

28 ديسمبر 2016آخر تحديث :
خاص صدى الاعلام -عاموس يدلين- قرار مجلس الأمن 2334 وتداعياته على إسرائيل وإستراتيجية مواجهته

ترجمة خاصة – صدى الاعلام

كتب عاموس يدلين، رئيس معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي .

تاريخ النشر: 26/12/2016

سجل النهاية لثماني سنوات جمود في المسيرة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين هو سجل قاسي – قرار مجلس الأمن 2334-. وكان الوصول إلى هذا السجل نتيجة إستراتيجية فلسطينية تفضل التصدي لإسرائيل في المؤسسات الدولية على المفاوضات، وسياسة وسلوك إشكالي من إدارة أوباما وحكومات نتنياهو.

69

يدفع هذا القرار المسيرة السلمية الساعية إلى حل الدولتين نحو النقطة الأدنى لها منذ 2008. فالرئيس أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو قادا إسرائيل إلى هزيمة سياسية شنيعة، وإلى اتخاذ قرار إشكالي للغاية لإسرائيل وللمسيرة السلمية على حد سواء. أوباما، في خطوة مناهضة لإسرائيل قاسية وفظة، مس بحليفته الواضحة في الشرق الأوسط، ونتنياهو، بقصر نظره وبالشكل الذي أدار فيه السياسة الخارجية الإسرائيلية، منحا معا في نهاية العام 2016 هدية دبلوماسية للفلسطينيين، الذين طهروا من المسؤولية عن الجمود في المسيرة السلمية وتلقوا مردودا سياسية هاما من المجتمع الدولية.

تدفع إسرائيل الثمن على القراءة الإشكالية والمغلوطة من جانب نتنياهو للساحة الأمريكية والعالمية في السنوات الأخيرة. فقد علق نتنياهو آماله على الكونغرس – ذات الكونغرس الذي حسب الدستور الأمريكي ما كان يمكنه أن يمنع اتفاقا نوويا مع إيران أو ان يستخدم الفيتو في مجلس الأمن. فقد خاف نتنياهو من جهته من أن يمد خطا فاصلا بين الكتل الاستيطانية والأحياء اليهودية في شرقي القدس وبين المستوطنات المنعزلة في “يهودا والسامرة”. فتفاهم هادئ عن تجميد البناء في المستوطنات خلف الجدار الأمني كان سيجعل من الصعب على أوباما الامتناع عن التصويت في مشروع قرار يمس بإسرائيل. وسلوك حكومة إسرائيل في مسائل “قانون التسوية”، التأخير في إخلاء البؤرة الاستيطانية “عمونا” والدعوات في صالح ضم المناطق ( ج )– كل هذه كانت العوامل الأساسية التي دفعت إدارة أوباما إلى الامتناع عن استخدام الفيتو على مشروع القرار الإشكالي. الفجوة بين خطاب رئيس الوزراء نتنياهو في الأمم المتحدة، حيث تنبأ من أماني قلبه عن نهاية الأغلبية التلقائية ضد إسرائيل في هذه المؤسسة، وبين التصويت الجارف ضدها في 23 كانون الأول، تشير إلى قراءة إشكالية للواقع الدولي.

كصورة مرآة لقراءة الواقع الإشكالي من جانب نتنياهو، فإن إدارة أوباما هي الأخرى لم تنجح في قراءة الرأي العام والساحة السياسية الإسرائيلية، ولم تدرس فاعلية فرضياتها حول تقدم الحل للنزاع. فعدم القدرة على الملاحظة بأنه يوجد في مواضيع الأمن، الكتل الاستيطانية والأحياء اليهودية في شرقي القدس إجماع واسع للغاية في إسرائيل، وأن الجمهور الإسرائيلي لن يكون مستعدا للتعرض لمخاطر أمنية مثلما تم في الماضي، كانت في قلب المحاولة للمس بنتنياهو – والتي حققت نتيجة معاكسة. إضافة إلى ذلك، فان تجاهل إدارة أوباما لكتاب بوش إلى شارون في نيسان 2004، وكذا مبادئ التسوية التي طرحها الرئيس بيل كلينتون والتي تعترف بأن الكتل الاستيطانية ستكون في الأراضي الإسرائيلية، أثار في إسرائيل شبهات كبيرة تجاه إدارة أوباما ونواياها. وإلقاء معظم التهم عن عدم التقدم نحو حل الدولتين على إسرائيل وعلى مسألة المستوطنات، إلى جانب التجاهل من المساهمة الحاسمة للفلسطينيين في وقف المسيرة السياسية (الفلسطينيون هم الذين لم يقبلوا مبادئ الإطار للاتفاق الذي صاغه وزير الخارجية جون كيري) – كل هذه مست بشدة في إمكانية الإدارة للتقدم في المسيرة السلمية. في هذه الخطوة الأخيرة في مجلس الأمن “استكملت” إدارة أوباما تراثا إشكاليا من الإخفاقات في الشرق الأوسط: الوقوف جانبا حيال ما يجري في سوريا؛ عدم القدرة على الانتصار على داعش؛ خلق فراغ في المنطقة، دخلت إليه روسيا وإيران؛ سلسلة أزمات ثقة بين الإدارة وبين كل حلفائه في المنطقة.

بعدم استخدام الفيتو، منحت الإدارة جائزة أغلى من الذهب للفلسطينيين لقاء رفضهم الوصول إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وأضعفت جدا احتمال استئناف المفاوضات الثنائية بين الطرفين وتقدمها في المستقبل المنظور. فالفلسطينيون لا يمكنهم ان يسمحوا لأنفسهم بان يعرضوا موقفا أكثر اعتدالا من موقف مجلس الأمن والاستنتاج – بالخطأ – بأن تلبية مطالبهم ستأتي من الأمم المتحدة، وليس عبر المفاوضات مع إسرائيل. أما إسرائيل، بالمقابل، فيمكنها أن تأتي إلى المفاوضات بشروط قول مسبق وأولي يتعلق بالحدود بينها وبين الدولة الفلسطينية المستقبلية. وبدلا من “انسحاب من المناطق إلى حدود أمنية ومعترف بها”، كما ينص قرار 242 ستلتقي إسرائيل كنقطة انطلاق حدود 67، بما في ذلك في شرقي القدس. مرة أخرى، كصورة مرآة لقطيعة حكومة إسرائيل عن البيت الأبيض، من المهم التشديد على ان إدارة أوباما لم تبذل أي جهد لتنسيق مواقفها مع إسرائيل ولمحاولة تلطيف حدة القرار، وهكذا تعطل مفعول الألغام الكامنة فيه لمواصلة المفاوضات ولآمال الوصول إلى حل الدولتين.

القرار إشكالي في سبعة أبعاد:

  1. من ناحية إسرائيل، النهج الذي في أساس قرار 2334، والذي يقول ان “حكم الحائط الغربي كحكم مستوطنة يتسهار” أو “حكم حي راموت في القدس كحكم مستوطنة ألون موريه”، يبدد كل أمل في إدارة مفاوضات تكون غايتها التقدم بتسوية الدولتين.
  2. يعزز القرار الرفض الفلسطيني وإستراتيجية الامتناع عن المفاوضات مع إسرائيل، انتظارا لإملاء دولي لمبادئ التسوية. وعليه، فان القرار سيشجعهم على التمسك برفض العودة إلى المفاوضات والمرونة.
  3. يزيد القرار خطر الدعاوى ضد إسرائيليين على المستوى السياسي والعسكري في المحكمة الدولية في لاهاي. وفي أجواء “الصيد القضائي” للزعماء والقادة الإسرائيليين سيكون من الصعب خوض مفاوضات للسلام.
  4. حركة نزع الشرعية والمقاطعة على إسرائيل ستتعزز وتلقى تشجيعا معنويا وسياسيا قابل للترجمة إلى خطوات قانونية، سياسية، جماهيرية واقتصادية.
  5. يضع القرار المسألة الإسرائيلية كصخرة خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في الجمهور الأمريكي ويهدد التأييد من الحزبين طويل السنين لإسرائيل.
  6. ثمة في القرار أيضا مس بالردع الإسرائيلي، الذي قسم هام منه يقوم على أساس الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل.
  7. تقرير في المواضيع التي يتناولها القرار، والذي سيكون الأمين العام مطالبا بإعطائه كل ثلاثة أشهر، سيضمن اهتماما مواظبا للمسألة على حساب مواضيع أهم ويغذي حملة مستمرة لمناهضة إسرائيل.

ومع ذلك، من المهم التشديد على أن القرار لم يتخذ تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة وبالتالي فانه لا يسمح باتخاذ عقوبات وخطوات عملية أخرى ضد إسرائيل من الأمم المتحدة، دون قرار آخر. يمكن التقدير بان الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، والتي هي أكثر عطفا لإسرائيل من إدارة أوباما، ستستخدم الفيتو على كل محاولة للانتقال إلى قرارات على أساس هذا الفصل.

ما هو الصحيح لإسرائيل أن تفعله؟

في ختام العام 2016 من الأهم توجيه النظر إلى المستقبل من الانشغال في تحليل الماضي للطريق التي أدت إلى قرار 2334. ينبغي الاستعداد بهدف حصر الآثار السلبية لهذا القرار وبلورة سياسة مناسبة أكثر لإسرائيل، في ضوء الوضع السياسي الإشكالي الذي يخلقه.

في المدى القصير – إحساس الغضب، الاهانة والخيانة، حتى لو كان ممكنا تفهمه، ليس أساسا سليما لسياسة متوازنة وناجعة. حتى لو كان هاما جباية ثمن من السلطة الفلسطينية التي بادرت إلى الخطوة، يجب تأجيل الرد حتى 20 كانون الثاني 2017 – موعد دخول الرئيس دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. أما خطوات الضم الواسعة فلن تكون صحيحة بأي حال وستكون خطأ يؤدي إلى تعميق عزلة إسرائيل أو حتى إلى خطوات أخطر ضدها. وبالمقابل، فان تعزيز الاستيطان في القدس وفي الكتل الاستيطانية، تشجيع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالمكانة الحالية للجولان فكفيلة بان تكون خطوات تنسقها إسرائيل مع الإدارة الوافدة.

في أساس الإستراتجية الإسرائيلية طويلة المدى يجب أن تكون ثلاث فرضيات:

  1. إدارة ترامب ستكون أكثر ودا لإسرائيل، وسيكون ممكنا التوصل معها إلى تفاهمات رفضتها إدارة أوباما بثبات.
  2. العودة إلى المفاوضات ليست ممكنة عقب الرفض الفلسطيني – فما بالك أن وضع اتفاق شامل ونهائي لم يكن قابلا للتنفيذ حتى قبل اتخاذ قرار 2334 (ليس مع السلطة الفلسطينية، وبالتأكيد ليس مع حماس) – وسيكون أصعب من ذلك على التحقق بعد اتخاذ القرار، الذي من المتوقع أن يدفع مواقف الفلسطينيين نحو التطرف ويرص صفوف الجمهور الإسرائيلي من خلف الحاجة إلى تعزيز الاستيطان في القدس وفي الكتل.
  3. الوضع الراهن ليس جيدا لإسرائيل، ويجب المبادرة إلى تغيير يحفظ أفق حل الدولتين، ولكنه يؤدي إلى هناك بطريقة ممكنة في الظروف الحالية. يجب التقدم نحو الانفصال عن الفلسطينيين بطريقة منضبطة، حذرة وصبورة، تحمي المصلحة الإسرائيلية في أن تكون دولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وعادلة، ترمم مكانتها السياسية والأخلاقية في العالم.

على أساس هذه الفرضيات من الصحيح أن نعرض على إدارة أوباما اقتراحا إسرائيليا لخطوات عملية في أساسها مبادرة إسرائيلية فاعلة لتصميم واقع محسن، في ظل التصدي للادعاءات بأن المستوطنات هي عائق للسلام.

 سيكون من الصحيح لإسرائيل أن تتبنى إستراتيجية فاعلة، في مركزها توافقات مع الولايات المتحدة حول التمييز بين الاستيطان في الكتل والمستوطنات المنعزلة – حيث تجمد إسرائيل البناء. وفي نظرة أوسع، صحيح أن تثبت إسرائيل التزامها بأفق الدولتين في المستقبل، من خلال سلسلة أعمال غايتها إحداث تغيير في الميول الحالية، تبادر إليها هي نفسها. في هذا الإطار صحيح ان تبادر إسرائيل إلى خطوات لتشجيع البناء للمؤسسات الفلسطينية الفاعلة وتوسيع حكمهم الذاتي، تثبيت منظومة اقتصادية فلسطينية مستقرة، وإقامة بنى تحتية تسمح بتواصل مواصلاتي – كل هذا كأساس لدولة فلسطينية عند نشوء الظروف لإقامتها. من المهم إشراك الدول العربية البرغماتية في تحقيق هذه السياسة، بإسناد من إدارة ترامب وبقيادتها. مفهوم أن مثل هذا التغيير في السياسة ستكون أيضا مضاعفات في الساحة الحزبية في إسرائيل، وفي هذه الساحة يجدر برئيس الوزراء أن يلجم الخطوات المتطرفة لهوامش اليمين، التي تملي مؤخرا خطوات حكومته من خلال السياسة والتشريع اللذين يسيئان لمكانة إسرائيل في الساحة الدولية.

الولايات المتحدة هي الحليف الأهم لإسرائيل، وأحيانا الوحيد. من المهم ألا تنجر إسرائيل إلى المواجهة الجمهورية –الديمقراطية وتعود لتكون مدعومة من الحزبين. كما من المهم أن تعود لتثبت الثقة بين الدولتين، ولا سيما بين زعمائها – الثقة التي انتهكها الطرفان في فترة الرئيس أوباما وحكومات نتنياهو. من المهم العودة للبناء معا أسس العلاقات الخاصة والقوية بين الدولتين، والتي ستضمن المصالح الحيوية لكلتيهما.

 

المصدر معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي
الاخبار العاجلة