الذكاء الصناعي

7 مارس 2022آخر تحديث :
الذكاء الصناعي

بقلم : أدهم حنون

تخيل نفسك في باخرة تجوب بحر مرمرة و أنت مستلق على ظهرك على مقاعد الباخرة تتنشق هواءه العليل في رحلتك إلى مدينة اسطنبول، و في نفس الوقت نسختك (الكاغي-بونشين كما يحب اليابانيون أن يطلقوا عليها) من الذكاء الصناعي تقوم بعملك أو تتحدث عنك في المجالس المتنوعة التي تتطلب حضورك شخصيا. مثل هذه المواقف تتطلب منا حتما أن نخوض في الحديث عن أهمية الذكاء الصناعي و أخلاقياته، و هل من المسموح للذكاء الصناعي أن يصل إلى هكذا مرحلة.

كان توقع العلماء أن يصل الذكاء الصناعي إلى مرحلة التفرد –Singularity-(وهي أن يكون الذكاء الصناعي في مرحلة يتفوق فيها على الذكاء البشري و يكون قادرا على اتخاذ قرارات كاملة و عيش حياة كاملة دون تدخل البشر) بعد عام 2050، لكن ظهور وباء الكوفيد-19 تسبب في إعادة العلماء لجميع حساباتهم، حيث أن الحاجة الماسة إلى التكنولوجيا و الذكاء الصناعي منذ ظهور الوباء أدى إلى حصول دفعة كبيرة في التطور المعرفي في الذكاء الصناعي و توقع العلماء لحصول التفرد ما بين 2030 إلى 2045.

لنرجع قليلا و نتحدث باختصار عن الذكاء الصناعي، نستطيع أن نطلق مصطلح الذكاء الصناعي على البرامج أو الأجهزة التي تعمل بالحاسوب و التي تستخدم تقنيات برمجية قادرة على التعلم بذاتها – من خلال الخوارزميات – من التجارب السابقة و قادرة على التكيف مع البيانات الجديدة و التي سيقوم الانسان بتلقينها إياها حتى تصل هذه البرمجية أو الحاسبة إلى القدرة على القيام بأنشطة شبيهة بقدرة الإنسان على إتخاذ القرارات في مجال معين بحد ذاته. تندرج قوة أي ذكاء صناعي بكمية البيانانت الملقمة و دقتها بالإضافة إلى الخوارزمية المطبقة على تعلم و معالجة البيانات المكتسبة. حينما يقوم الإنسان بإعطاء البرنامج أو الجهاز خوارزمية التعلم، يصبح لنا آلة قادرة على التعلم تحت مسمى (تعلم الالة أو (Machine Learning مثلها مثل الطفل الصغير الذي يتعلم بناء على التجارب اليومية المتمثلة بكم المعلومات التي يزودها الإنسان لهذه الآلة و يستخدم الخطأ و الصواب للتأكد من دقة المادة التي يتعلمها. أمثلة عملية على ذلك السيارات ذاتية القيادة و بصمة الوجه و تنبيهات حركة المرور و غيرها الكثير. حينما يقوم الذكاء الصناعي بتحليل الكثير الكثير من البيانات الضخمة (Big Data) و يزداد الوقت اللازم لمعالجة البيانات و يبدأ بالاستغناء عن التدخل البشري و يبدأ في استخدام خوارزميات أعقد من أجل حل مشاكل كاملة، حينها نقول أن هذه البرمجية دخلت في مرحلة التعلم العميق (Deep Learning).

حينما نتحدث عن الذكاء الصناعي فإننا نستذكر الثورة العلمية التي قام بها الإنسان و التي قادت إلى التطور في جميع النواحي التكنولوجية و الصناعية و الزراعية و الحياتية التي تسهل على الإنسان في جميع المناحي، فلماذا إذا الحديث عن الأخلاقيات؟

في حين أن الذكاء الصناعي يشكل أساسا راسخا للتنمية المستدامة لمستقبل الإنسان و المجتمعات المختلفة، إلا أنها تشكل تحديا جوهريا لشكل الحياة في المستقبل. كيف يمكن التأكد أن الخوارزميات المختلفة لا تنتهك حقوق الإنسان من حيث الخصوصية و سرية البيانات؟ كيف يمكن التأكد أن هذه الخوارزميات لن تحرم الإنسان من حرية الإختيار و حرية الضمير حتى دون أن يدري؟ هل سوف يضمن الإنسان حرية تصرفه عندما تكون رغبته متوقعة؟ هل يمكن ضمان استفادة البشرية جمعاء من فوائد هذا الذكاء؟ هل سيتغلب الذكاء الصناعي على الصور النمطية و التمييز في النوع الإجتماعي علما بأن البيانات التي يتم تزويده بها أصلا قد تكون متحيزة؟ ماذا سيكون رأيك عندما تعلم أن الخيار الإفتراضي في الأجهزة الإلكترونية مبرمجا على المساعدات الشخصيات الإفتراضيات مثل أليكسي و سيري و كورتانا من مبدأ خنوع النوع الإجتماعي المبني على التحيز الجنساني؟ هل سيلتزم الذكاء الصناعي و تطبيقاتع بالقوانين و التشريعات المعمول بها أم سيكون هناك صناعة لتشريعات جديدة؟

من المتوقع أن يشكل الذكاء الصناعي تعزيزا عظيما للناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 14% بحلول 2030 بما قيمته 16 تريليون دولار، للشرق الأوسط منها حوالي 320 مليار (2%). مدفوعا بالإرتفاع العالي في طلب المستهلك و القدرة التنافسية الهائلة التي سوف تتشكل للاستفادة من الكم الضخم في بيانات المستهلك فسوف تتشكل شركات تسهم في توسيع الفجوة بين البلدان الغنية  و البلدان الفقيرة مستدلة بنسبة المشاركة في الإنتاج و بتدفقات الاستثمار و معدلات التبادل التجاري، مما يؤدي إلى مخاوف حقيقية بالغة الخطورة حول استبدال الذكاء الصناعي بالعمالة البشرية و زيادة البطالة و مشاكل الاجتماعية و انخفاض الأجور.

استهلت اليونسكو عامين من التحضيرات لإعداد أول وثيقة تقنينية عالمية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وذلك بموجب قرار اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الأربعين التي عُقدت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، لتقوم في تشرين الثاني من عام 2021 باعتماد أول توصية عالمية من نوعها بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي و التي تندرج تحت أربعة بنود هي:

  • حماية البيانات
  • حظر وضع العلامات الاجتماعية وإجراء عمليات المراقبة الجماعية
  • المساعدة في عمليات الرصد والتقييم
  • حماية البيئة
الاخبار العاجلة