هوية القدس.. تاريخياً، دينياً وقانونياً

27 أبريل 2022آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

بقلم: د. سمير الددا 

الوضع المتفجر الخطير الذي تشهده القدس الشرقية المحتلة هذه الايام, اندلع على اثر تجرؤ عصابات صهيونية ارهابية على تدنيس الحرم القدسي الشريف باقتحامه لاداء طقوس تلمودية تحت الحماية المسلحة التي توفرها لتلك العصابات قوات الجيش والشرطة الصهيونيين.

تصدى الابطال المرابطون في الحرم الشريف بصورهم العارية لهؤلاء الارهابيين وللقوات المدججة بالسلاح التي تحميهم وتعمل على تسهيل اقتحامهم للاقصى, واشتبكوا معهم بشراسة مما ادى الى وقوع اصابات خطيرة مما اجبر حكومة نفتالي بينيت على منع قطعان الإرهابيين من دخول الحرم الشريف طوال شهر رمضان, بدعوى ان هؤلاء الارهابيين يهدفون من تفاقم مثل هذه الاشتباكات الاطاحة بحكومة بينيت.

الاحتلال الصهيوني للقدس في عام 1967 ليس الغزو الخارجي الاول للمدينة وعلى الارجح انه لن يكون الاخير, فالقدس عبر تاريخها الطويل تعرضت للغزو والاحتلال اكثر من أي مدينة اخرى على وجه الارض, وفي هذا الصدد ذكر المؤرخ وعالم الاثار الامريكي ايريك كلاين صاحب كتاب “حصار القدس من كنعان القديمة الى اسرائيل الحديثة ” ”Jursalem Besieged from Ancient Canaan to Modern Israel ان مدينة القدس هي اكثر مدن العالم معاناة من الاطماع الخارجية, فقد تعرضت لأكثر من مائة عدوان ما بين غزو واحتلال, وحصار وهجوم….ومن عدة غزاة من مختلف الاعراق وبذرائع ومبررات متنوعة.

لكن القدس عربية مهما قيل غير ذلك, والغزاة يعرفون ذلك جيداً في قرارة انفسهم, وكل الشواهد التاريخية والدينية والقانونية تؤكد ذلك…..وكما يلي:

القدس في التاريخ:

هناك شبه اجماع بين المؤرخين ان فلسطين وطن العرب الكنعانيين منذ العام 4000 قبل الميلاد, أي منذ اكثر من 6000 سنةً,  وقبل ميلاد سيدنا ابراهيم عليه السلام في مدينة اور بالعراق بأكثر من الفي سنة, وقبل ميلاد سيدنا موسى عليه السلام في مصر بأكثر من 3500 سنة.

وكون الحق ما شهدت به الاعداء, فاني اكتفي في هذا المقال بما أقر به مؤرخين يهود دون غيرهم, وسأستشهد بما جاء في كتاب وضعه كاتب يهودي صهيوني هاجر مبكراً الى فلسطين وانخرط منذ نعومة اظفاره في الحركة الصهيونية وخدم ضمن كوادرها الرفيعة لسنوات طويلة كما قال هو نفسه.

الكاتب هو ارثر كوستلر وكتابه الشهير هو “القبيلة الثالثة عشرة” ((The Thirteenth Tribe, والذي أثار جدلاً واسعاً عند نشره، إذ قدم فيه كوستلر دراسة موثقة ودقيقة عن أصل اليهود المهاجرين إلى فلسطين الذي يرجع إلى مملكة الخزر التي ازدهرت بين القرنين السابع والحادي عشر الميلاديين في منطقة بحر قزوين، وليس إلى أصول سامية شرق أوسطية, ويشير كوستلر في هذا السياق انه شخصياً واسرته وكل الذين هاجروا من اوروبا الى فلسطين وكان يعيش بينهم من اصول خزرية.

ويرى كوستلر أن أسباب اعتناق الخزر الديانة اليهودية يعود لم يمن لاسباب ايدولوجية بل كان لأغراض سياسية بهدف إعلانهم الاستقلال عن كل من الإسلام في دولته العباسية والمسيحية في الإمبراطورية البيزنطية وتكتلهم قوة ثالثة مستقلة.

تجدر الاشارة الى الكتاب كان قد اختفى من معظم المكتبات الأمريكية، وحتى النسخة الوحيدة التي كانت تحتفظ بها مكتبة الكونغرس اختفت هي الأخرى وفقاً لما اوردته صحيفة «واشنطن ريبورت لشؤون الشرق الأوسط “The Washington Report For Middle East Affairs” في عددها الصادر في حزيران/يونيو1991

أما المؤرخ اليهودي الامريكي موشيه منيوحين صاحب كتاب “انحلال اليهودية في عصرنا” فقد ذكر في هذا الكتاب بالنص: “كما تروي قصص التوراة يعيش الكنعانيون في فلسطين منذ 4000 سنة, وان عرب فلسطين الذين يعيشون الان في المخيمات والمعسكرات خارج حدود وطنهم كلاجئين ومشردين, هم من نسل هؤلاء الكنعانيين”.

أي ان الفلسطينيين الذي يقطنون فلسطين اليوم (وفقاً لشهادة مؤرخين يهود) يمتد لأبعد من تاريخ وعصر وحتى ميلاد سيدنا ابراهيم وابنائه اسماعيل واسحق عليهم السلام جميعاً, وابعد من تاريخ سيدنا موسى الذي نزلت عليه الديانة اليهودية بألاف السنوات, ومن المعلوم ان بعثة سيدنا موسى عليه السلام كانت في منطقة جبل الطور بصحراء سيناء المصرية, ومن المعلوم ايضاً انه عليه السلام لم يدخل ارض فلسطين ولم تطأها قدماه بتاتاً طيلة حياته….اي ان سيدنا موسى عليه السلام ولد وعاش ومات في مصر ونزلت عليه الرسالة ايضاً في مصر ولم تربطه أي علاقة بفلسطين لا من قريب ولا من بعيد…..!!!

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى, اليهود الصهاينة يبررون استيلاءهم على فلسطين اليوم بالاستناد الى مزاعم ينسبونها الى التوراة بأن سيدنا داوود وابنه سليمان عليهما السلام اسسا مملكة لهم في فلسطين, حتى ان سلمنا بهذا المنطق, فإنهما عليهما السلام عاشا وماتا بين القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد أي عاشا حوالي 100 سنة على ابعد تقدير وكان ذلك قبل حوالي 3000 سنة, وانتهت ممكلتهما نهائياً عام 920 قبل لميلاد اثر سيطرة ملك مصر حينها شيشنق على فلسطين والحاقها بالدولة المصرية وفي عام 721 قبل الميلاد هاجم الاشوريون فلسطين واحتلوها واتخذوا من القدس عاصمة لهم الى ان قام الكلدانيون بقيادة نبوخذ نصر بالاستيلاء على المدينة المقدسة عام 597 قبل الميلاد واقام فيها مملكة جديدة له, وفي عام 586 قبل الميلاد قام بقايا اليهود في المدينة بالتمرد فقام نبوخذ نصر بتدمير المدينة والقضاء على جميع من بقي من اليهود في القدس لتعود المدينة عربية خالصة, أي ان الوجود اليهودي من عهد سيدنا ابراهيم عليه السلام حتى نبوخذنصر استمر اقل من 400 سنة وانتهى نهائياً بعد ذلك…

اي انه لم يعد لليهود أي وجود يذكر في فلسطين منذ عام 586 قبل الميلاد لغاية القرن العشرين الميلادي أي ان فلسطين كانت خالية من اليهود لمدة تجاوزت 2500 سنة (ألفان وخمسمائة سنة), هذا في الوقت كان ومازال الوجود العربي في فلسطين متصلاً منذ 4000 قبل الميلاد حسب مؤرخين يهود كما اشرنا ولم ينقطع البتة الى اليوم أي وجود العرب في فلسطين مستمر لم ينقطع طيلة اكثر من 6000 الاف سنة….!!!!!.

هذا وفي نفس السياق, فإن الحكم الاسلامي لفلسطين بما فيها القدس استمر منذ عام 658 الى عام 1917 أي لحوالي 1279 وان تخلله لفترة وجيزة حكم الغزو الصليبي منذ عام 1099 لغاية عام 1299 عاما.

اخر الكلام:

تهفو الى القدس يومياً افئدة حوالي 4 مليار انسان هم اتباع الديانات السماوية في كل مكان على وجه الارض، وهؤلاء اكثر من نصف البشر, لذا فهي بلا جدال اهم مدينة على وجه الارض…

وبالنسبة للمسلمين القدس هي بالضبط سورة الإسراء من القران….مهما رجف المرجفون.

 تنويه: في الجزء الثاني من هذا المقال الاسبوع القادم ان شاء الله سيتم التعرض لهوية القدس دينياً وقانونياً.

الاخبار العاجلة