العالم أمام مجاعات وأزمات… ما العمل؟

13 يونيو 2022آخر تحديث :
مجاعات وأزمات

صدى الإعلام/ الكاتب: باسم برهوم: كل التوقعات تتحدث عن أن العالم مقبل على أزمات اقتصادية، تنعكس بشكل كارثي على الدول الأكثر فقرا، التي قد تشهد مجاعات، يقول بعض الخبراء إنها ستؤدي إلى وفاة ملايين البشر، إذا لم يتم تدارك الأمور، وتتصرف الدول الكبرى الغنية بمسؤولية. وحتى قبل الحرب الأوكرانية كان الاقتصاد الدولي يحاول بشق الأنفس الخروج مما خلفته جائحة كورونا من أزمات فاقمت تضخما كان ينذر بكساد اقتصادي عالمي.

مع الحرب في أوكرانيا أصبح الوضع كارثيا، أصبحت كل هذه التوقعات أمرا حتميا، فهناك أزمة غذاء عالمية بدأت تلقي بظلالها، ومن المتوقع أن تتحول إلى مجاعات في بعض الدول، وأسعار غير محتملة على امتداد الكرة الأرضية. وإذا أصبح أكبر اقتصاد في العالم، المقصود الولايات المتحدة الأميركية، في وضع لا يحسد عليه، تضخم هو الأكبر منذ أكثر من أربعين عاما، وارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية بنسب تترواح بين 2 إلى 5 % مع توقع أن يواجه الاقتصاد الأميركي كسادا هو الأول منذ اكثر من عقد، عندما واجه العالم أزمة العام 2008 الاقتصادية.

وعندما يتهاوى الاقتصاد الأميركي فإن أحدا لن ينجو من الأزمة، التي ستنعكس سلبا على الجميع، خاصة أنها تترافق مع أزمة غذاء صعبة، وهذه الأخيرة ستكون وبالا على دول العالم الثالث التي لن تحتمل ارتفاع أسعار القمح والذرة وزيت الطبخ النباتي، بالإضافة إلى ارتفاع مشتقات النفط والغاز وباقي السلع. في أوروبا الوضع ليس بأفضل، وفي إفريقيا يتوقع الخبراء أن تدخل القارة في موجة اضطرابات وانقلابات عسكرية على خلفية المجاعات التي قد تصيب بعض الدول هناك.

الدول العربية ليست استثناء، بل إن بعضها، خصوصا تلك التي تمر بأزمات سياسية واقتصادية سيكون انعكاس أزمة الغذاء عليها أكثر قسوة، ونحن في فلسطين جزء من هذا العالم المأزوم، وربما أزمتها الأكثر تعقيدا، فهي دولة تحت احتلال إسرائيلي لا يرحم، بل ويتمنى أن يغمض عينيه ولا يرانا على وجه هذه الأرض. وفي مثل هذه الحالة ما العمل؟ كيف نواجه واحدة من الأزمات قد تكون الأشد في السنوات الأخيرة؟

دون شك أن الوضع مقلق جدا، والقلق هو بداية التفكير بالحلول، وما يجعل حلولنا أكثر صعوبة أننا لا نتحكم باقتصادنا كما لا نتحكم بكل نواحي حياتنا، ولكن هناك جانبا يعطي بعض الطمأنينه، أننا شعب اعتاد أن يعيش تحت الضغط ويستطيع التأقلم مع الظروف الصعبة، والتجارب المرة علمته كيف يتكاتف ويتضامن فيما بينه، هذا يحدث دائما، ولكن السؤال عما يمكن أن تقوم به الحكومة لمواجهة الأزمة ومساعدة المواطنين على تجاوزها بأقل الخسائر؟

بالتأكيد الحكومة، ومعها القيادة كلها، تدرك خطورة الأزمة، وأدركت مبكرا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، أن الاقتصاد العالمي سيتأثر بشكل عميق، فالحرب العسكرية يصاحبها حرب اقتصادية أشد وطأة. ومنذ البداية، ومن الايام الأولى للحرب، كان معروفا أن سلة الغذاء العالمية هي الضحية الأكبر لها، ليس فقط بسبب العقوبات المتبادلة بين أطراف الصراع، بل لأن كلا من روسيا واوكرانيا المتواجهتين بالحرب هما من أكبر موردي القمح والشعير والذرة والزيت النباتي في العالم، كما أن روسيا من بين الدول الأساسية المصدرة للغاز والنفط، ما يجعل الأزمة أكثر تعقيدا وكان معروفا أيضا أنه كلما طالت الحرب تفاقمت الأزمة، وأن هذه الحرب ستطول، فالصراع معقد ولا يبدو أن أيا من أطرافه يمكن أن يتنازل بسهولة.

لكل ذلك كنا نقرأ الأخبار التي تتحدث عن تعاون واتفاقيات بين الدول لتأمين مخزون  كاف من الأغذية، حتى بين دول التي ليست على توافق سياسي فيما بينها. وبالتأكيد إنه وبالرغم من صعوبة أوضاعنا وقلة الإمكانيات فإن الحكومة والقيادة قد فكرتا بكل ذلك وقامتا بما تستطيعان، ولكن الأزمة أكبر مما نتخيل أو تتخيله أية حكومة، لذلك ونحن نراقب ما تقوم به الحكومة للتخفيف من معاناة المواطن علينا أن نحاسبها إن أخطات، ولكن لنكن رحماء لبعضنا البعض، فالحلول تأتي إذا تعاونا وانفتحنا بأفكارنا بعضنا على بعض، وإذا رأى التاجر أنه ليس الوقت الصحيح لحصد ثروة بينما شعبه يتضور جوعا.

 من مسؤولية الحكومة أن تضمن مسألتين: الأولى توفير الغذاء بما يكفي، والثانية أن تحاول بكل ما تستطيع أن تكون الأسعار في متناول الجميع في ظل ظروف استثنائية، وأن تتدخل بقوة إذا حاول تجار استغلال الوضع بطريقة أنانية. أما ما ممكن أن تقوم به الحكومة فهو البحث عن تمويل يضمن بقاء أسعار معقولة للسلع الأساسية لتمكين الفئات الأكثر حاجة من الحصول عليها.

إن المرحلة ليست مرحلة تصفية حسابات بين أبناء الشعب الواحد، هي مرحلة تضامن وتكافل، دون أن نعفي الحكومة من مسؤولياتها، وأن نحاسبها إن قصرت، ولكن على أرضية التضامن بهدف أن نعبر الأزمة، التي هي أزمة عالمية، بأقل الخسائر، خصوصا أننا نواجه احتلالا لا يرحم، كما سبقت الإشارة. والأهم ألا نغرق أنفسنا في صراعات يمكن  تأجيلها، قد تفتك بنا وبقضيتنا الوطنية.

الاخبار العاجلة