المؤتمر الدولي للسلام: اليوم الكبير

14 يناير 2017آخر تحديث :
المؤتمر الدولي للسلام: اليوم الكبير

بقلم: حسين حجازي – الايام

يوم غد الأحد سوف يكون إذَن اليومَ الكبير من أجل إعادة بعث فلسطين التي جرى تغييبها منذ مائة عام، هل التواريخ اليوم تكتسب هذه الدلالة الرمزية؟ حين قام أسلاف الأوروبيين باختراع إسرائيل العاصية اليوم الوقحة والمفترية، واليوم فإن القانون الذي يقول إن من أفسد، عليه وحده أن يُصلح ما أفسده.

بوركتم أيها الفلسطينيون، لقد اقتضى الأمر مئة عام من الثبات والوقوف طوال الوقت على قدمين راسختين، تشريد وشهداء وأسرى، دم ودموع وآلام لم تتوقف، من أجل الحصول أخيراً على تحرك العالم لأول مرة بجدية للإقرار بحريتنا، ووضع خط فاصل بين عهدين، بين الاحتلال والحرية.

ولقد تعلمنا في غضون هذه الرحلة الشاقة والطويلة، ان فلسطين التي ضاعت بأرخص الأثمان كما كان يردد ياسر عرفات، لن تعود بسهولة ولكن بأقسى الأثمان. وهذا الاختراق السياسي العظيم لن يعيد فلسطين التاريخية القديمة التي ضاعت نتيجة للعبة الأمم، ولكن جزءاً منها 23%. ولكن اليوم ليست النسبة والتناسب هي المسألة المهمة، وإنما شيء واحد فقط هو الحرية والخلاص من روث الاحتلال على هذه القطعة الصغيرة من فلسطين التاريخية، والتي تحمل اسم فلسطين، وستكون هي فلسطين بعد أن نستعيدَ جزءاً غالياً منها.

هذه إذن لحظة النهاية، فهل لولا اللحظة الأخيرة لم يكن لعمل كبير بالتاريخ أن يتم؟ وهل هذا ما يحدث عند اللحظة الأخيرة؟ قبل عشرة أو خمسة أيام من نهاية عهد إدارة أوباما وخمسة شهور قبل الانتخابات الفرنسية؟ ووسط هذا الاضطراب والغليان الشرقي، وفي اللحظة الأخيرة التي تسبق خروج وسقوط بنيامين نتنياهو؟ سقوطه مكللاً بالعار والفساد وانقلاب الموازين في إسرائيل من اليمين إلى العقلاء؟.

هذه لحظة أكبر من كونها مجرد صحوة عالمية، ولكنها النتيجة الحتمية لضرب متواصل لا يكل ولا يمل ولا ييأس على رأس الإزميل، واصله رجلان بلا هوادة هما ياسر عرفات وخليفته أبو مازن، هذا هو انقلاب العالم. وآمن الرجلان عن حق أن إسرائيل التي أقامها توازن عالمي وليس قوة اليشوف اليهودي كما يسمى، أو ذكاء بن غوريون وقوة البالماخ، فان فلسطين لن تتحرر أو يندحر الاحتلال بقوة الكفاح المسلح، ولكن أيضاً بقوة توازن المصالح العالمية. «هنا رودس فلنقفز هنا»، إن العالم هو من يقرر.

وخافت إسرائيل المتطرفة التي تريد التهام ما تبقى من فلسطين، إسرائيل الطماعة من هذا التدويل. لكن وقت الإلهيات انتهى الآن، وهذا ما يعنيه عقد المؤتمر الدولي في باريس، إن عهداً ينتهي من الاستفراد الإسرائيلي بالفلسطينيين ليبدأ عهد جديد من تولي العالم، وفق خطة واضحة، فرض هذا الحل بقوة الإكراه، لقد تحقق الهدف، ومن باريس فرنسا العظيمة بذاتها جاءت الفكرة.

سلاماً، إذن جان جاك روسو الجميل، سلاماً فولتير وديدرو آباء التنوير الفرنسي، الذي غدا أوروبياً وعالمياً، وهل كانت فرنسا الا موطن الفكرة وقوة الإلهام؟ فرنسا ثورة 1789 التي غدت أُم الثورات ومرجعيتها، وفرنسا نابليون وديغول. ومن فرنسا من هنا نبدأ ويبدأ الحل، إنهاء آخر احتلال يناقض قيم التنوير، قيم فرنسا وأوروبا. وأنصار الاحتلال هم المنعزلون والمنبوذون.

وحاول هنري كيسنجر أن يضحك على العالم العام 1975 بالموافقة على عقد هذا المؤتمر، بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، لكنه كان يتصرف بعقلية الحرب الباردة، وكان همه الاستفراد بمصر وإبعاد الاتحاد السوفياتي وتفكيك العرب.

ودعا جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر العام 1991 الى عقد مؤتمر مدريد للسلام، ولكن ليس بهدف رئيسي، حل القضية الفلسطينية، وإنما إقامة ما سُمي آنذاك بالنظام الأمني الإقليمي الجديد على أنقاض انهيار الاتحاد السوفياتي، وتمهيداً للنظام العالمي الجديد الذي يقوم على وحدانية القيادة والقطب الأميركي. وهو ذات النظام الذي يدعو ليبرمان فيما يسمى بالائتلاف الإقليمي الجديد، الذي يكون مدخلاً لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

هذا هو إذن المؤتمر الدولي غير المسبوق، والذي محوره حل القضية الفلسطينية على مدى الخمسين عاماً، أي منذ الاحتلال الإسرائيلي يوم 5 حزيران عام 1967 لباقي الأراضي الفلسطينية. هل هذه إذن شارة البدء لإزالة آثار العدوان في هدفه الرئيسي عام 1967 السيطرة على الضفة الغربية؟ وكان السيناريو أنه لو مضى ابتلاع القدس فإن هذا يمكن أن يغري بضم الجولان؟ وبالتالي فإن الفشل هنا وتحديداً في القدس سوف يمهد الطريق لتحرر الجولان.

وحيث اقتضى الأمر أن إزالة آثار العدوان ليس على دفعة واحدة ولكن عبر مراحل، بدأت أولاً مع مصر ثم في فلسطين وتنتهى في سورية مع التوازن الروسي الجديد، ويكون بذلك أن حرب إسرائيل الوحيدة التي حققت أهدافها هي حرب 1948، وأن ما حدث في القرار 2334 الأخير عن مجلس الأمن، وما يُتوقع صدوره في مؤتمر باريس الدولي هو أن العالم لا يعترف بحدود إسرائيل خارج ما تقرر العام 1948.

هل نتحقق إذن مع انعقاد مؤتمر باريس من اكتمال تطبيق شروط الجنرال الفرنسي الشهير بوفر، والتي تحدد معيار أو مقياس هزيمة دولة الاحتلال في الصراع مع الشعوب المستعمرة؟ وهذه الشروط هي: أولاً شعور دولة الاستعمار بالتهديد الأمني المتواصل. ثانياً: تفكيك تحالفاته الإستراتيجية. ثالثاً: تفككها الداخلي على خلفية استمرار الاحتلال وغياب القدرة على اتخاذ القرار التاريخي بإقامة السلام.

والراهن أن أهمية ما يحدث يوم الأحد 15 كانون الثاني من حشد دولي غير مسبوق حول إنهاء الاحتلال، هو فشل استراتيجية الاحتلال وتفكك تحالفاته الإستراتيجية الخارجية، والإعلان المدوي بأوسع صوت أممي عن هذا الفشل ونبذ إسرائيل. وهو ما سيقود الآن إلى حسم الوضع الداخلي في إسرائيل بعد التحقيق مع نتنياهو، تمهيداً للإقدام على الاستحقاق التاريخي باتخاذ القرار. فإسرائيل لن يكون بمقدورها بعد الآن، وقد التف الحبل حول الرقبة وشُدد على هذا النحو، إدارةَ الظهر للعالم حينما أبان العالم لها بوضوح عينه الحمراء.

فهل رهان إسرائيل أخيراً على دونالد ترامب سوف ينقذها من هذا الاستحقاق أو اتخاذ هذا القرار؟ والجواب، لقد كان هذا واضحاً وفي صلب العملية التي صممت في جزء رئيسي منها، لشل قدرة ترامب على أن يخرج عن المسار. وكلمة السر أن أوروبا اليوم تخلق توازنها الجديد بعد أن سلم إليها أوباما الذكي دفة القيادة.

فهذا صراع قد طال أكثر مما يُحتمل، وآن له أن يُغلق. ففي خلفية صعود الإرهاب الذي بات يضرب أعتاب البيت الأوروبي، يجب إيقاف هذه البضاعة من الانتشار والاستغلال في تغذية الإرهاب، هذه البضاعة هي المظلومية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي المتغطرس والمتوحش المدعوم من الغرب. وما يحدث أن الغرب اتخذ القرار بإغلاق هذه الثغرة كجزء من الحفاظ على أمنه القومي، وهذا قرار إستراتيجي أكبر مما تستطيع إسرائيل التصدي له.

هل كانت هذه إذن ضربتَه أو إنجازه الكبير؟ وإذ هاتف الرئيس الفرنسي هولاند الرئيس عباس للالتقاء بعد أسبوعين، ويبكر المؤتمر عقد اجتماعاته التمهيدية، فإن فرائصهم بدأت ترتعد خوفاً وهلعاً من أن يتحول البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الى قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن الدولي. وكأن حالهم يقول إن ظل باراك أوباما وجون كيري الذي سوف يحضر المؤتمر يأبى أن يغيب حتى يوم الثلاثاء، قبل يومين من مغادرتهم البيت الأبيض. هل تكون هذه ضربة أوباما الأخيرة؟.

وإذ تلقوا بذهول والصدمة تعتريهم أقوال وزير الدفاع الجديد مرشح ترامب، عن أن تل أبيب هي عاصمة إسرائيل وليس القدس. بدا واضحاً وكأن ترامب لا يزال لغزاً، لكن ما بعد المؤتمر إلى حكومة جديدة في إسرائيل وربما نتنياهو إلى السجن، وإلى حكومة وحدة وطنية فلسطينية تحضيراً لمجلس وطني جديد وجامع.

الاخبار العاجلة