صدى الإعلام – بعد خمس سنوات من آخر زيارة لها إلى بيروت قررت ريم البنّا العودة إلى جمهورها، الذي اشتاق لها إنسانة وفنّانة ومناضلة.
عنوان السهرة مع ريم «يا ليل ما أطولك»، اختيار أثير، ومكانته خالدة في قلبها. وتعرف أنه كذلك في قلوب محبيها ومحبي فنها وفلسطين، التي سكنتها وجعاً وحلماً وأملاً.
«يال ليل ما أطولك» عنوان تهليلة فلسطينية تربّعت في المرتبة الأول من كل حفلاتها، ومهداة على الدوام لأمهات الشهداء.
إنها الصلاة التي دأبت على تلاوتها في بداية حفلاتها، وعشقها الجمهور بصوتها. بعد تلك الصلاة قررت فتح دفتر حياتها منذ الطفولة إلى الزواج، والإنجاب، والإرضاع، إلى أن قرر السرطان فتح معركته معها.
السهرة مع ريم البنا ليست ككل سابقاتها، بل لها نكهة مختلفة أكثر حميمة، ومكاشفة، وأسئلة، وألم. إنها مسرحية «يا ليل ما أطولك» التي أعدت نصّها للمسرح القديرة روان حلاوي، وأخرجها سليم الأعور، وعُرضت في مسرح المدينة. ففي آخر زيارة لريم إلى بيروت سنة 2017 جمعها لقاء صُدفة مع روان حلاوي. وقررت أن تلك الكاتبة والمخرجة والممثلة البارعة في المونودراما ستضع حياتها على خشبة المسرح البيروتي.
جمعتهما جلسات بوح ضرورية وبلغت التسجيلات رقم الـ19. وتوافقتا على «يا ليل ما أطولك» كعنوان. لم يمهلها المرض طويلاً، إستشرس، وهزمها السرطان في 24 آذار/مارس 2018.
احتفظت روان حلاوي بالكنز الذي أمّنتها عليه ريم البنا. كنز عاكسته أزمات لبنان المتوالدة وجائحة كورونا، وكان العرض الأول في 15 الشهر الجاري. بدأ العرض وكأن ريم البنا حيال حفل تقدّمه لجمهور لبنان. بدايات اظهرت انكماشها، وهذا طبيعي في لحظات المواجهة الأولى للمغني مع الجمهور. وكانت التهليلة الصلاة التي دأبت ريم منذ عمر الـ14 سنة على تلاوتها. ومع رفع الستارة على صالون منزل ريم يبدأ التماس مع حياتها من الطفولة إلى المراهقة إلى الزواج والإنجاب والمرض، والعلاقة بالرجل الزوج قبل المرض وبعده.
في المكاشفة الحميمة والصادقة ذات التفاصيل الغزيرة كانت ريم البنا تستأمن الجمهور على حياتها ومن خلال روان حلاوي. وكأنها كانت مدركة في لا وعيها أن المرض لن يمنحها أسباباً تخفيفية، ولن ينزاح عن كاهلها. في هذه المكاشفة استحقت روان حلاوي ميدالية الائتمان والصدق. فكانت ريم البنا الآتية من الناصرة. ريم القوية المكافحة والمناضلة حتى خلال رحلتها مع العلاج الكيميائي اللعين، ومع كل ما يحيط بها كعربية في مستشفى للاحتلال الصهيوني حتى وإن كانت تفخر برئيسه الطبيب العربي الفلسطيني.
برعت روان حلاوي في إتقان اللهجة الفلسطينية، وفي التعبير عن وجع، بل أوجاع ريم البنا الجسدية من السرطان، والجسدية والنفسية من علاقتها بالآخر – الرجل. الرجل الأب أولاً، والرجل الزوج ثانياً. وكأنها كانت بصدد رسالة تقول للمرأة بأن لا تصبر على ظلم، وأن لا تداري وتتكتم على تعنيف. كانت في موضع اللوم الذاتي. فلماذا الصمت، ولماذا الصبر على رجل «ضاغط متملك»؟
حين ضرب المرض أوتار صوت ريم البنا، تضاعف ألمها النفسي. لماذا صوتي وليست يدي؟ تركت السؤال معلقاً بين قليل من الشك وكثير من اليقين، إنه فعلة فاعل.
حربها ضد الاحتلال كانت من خلال صوتها «صوتي سلاح»، وإن كانت تدرك في أعماق نفسها «أن هذا العدو ما بيفهمش غير لغة السلاح».
مونودراما موفقة بكافة المقاييس استطاعت روان حلاوي والمخرج سليم الأعور من وضعها على المسرح لإنسانة أثرها كبير في حياتها وغيابها. وجمهور لبنان والمخيمات يحفظ لها زياراتها إلى أرض رسخت في ذهنها. من خلال «سناء محيدلي ولولا عبود».
لقد سلّمت روان حلاوي الأمانة التي احتفظت بها لسنوات إلى الجمهور. وهو بدوره صفّق أكثر من مرّة حتى خلال العرض، وكذلك في ختامه. حيث حضور المخرج سليم الأعور في هذا العرض كان مميزاً جداً في تحويلة إلى لحم ودم وروح، بالتضامن والتكافل مع المبدعة روان حلاوي.
بيروت: روان حلاوي في «يا ليل ما أطولك» تجسد حياة ريم البنا
