خرم إبرة – معذبو السفر

27 أغسطس 2022آخر تحديث :
رامي مهداوي
رامي مهداوي

رامي مهداوي
2022-08-27
خلال الفترة الماضية، تابعت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مُكثف؛ لقراءة توجهات الشارع الفلسطيني في عدد من قضايا الساعة. حتى أكون صادقاً مع ذاتي ومعكم، أخطر ما وجدته هو ليس المواضيع المطروحة على قضيتنا الفلسطينية بقدر ما يعاني مجتمعنا الفلسطيني من حالة شرذمة خطيرة، لدرجة أصبحنا في مرحلة التباهي بموافقتنا مع منظومة الاحتلال وأدواته، مع تبرير ذلك بآراء تقشعر لها الأبدان.
تلك الآراء والتعليقات، في عالم التواصل الاجتماعي، جعلتني أستذكر كتاباً قرأته منذ زمن بعيد ذهبت لمكتبتي باحثاً عنه بعنوان «معذبو الأرض» للكاتب فرانز فانون. وهو طبيب نفسي ومناضل ثوري، من جزيرة مارتينيك التابعة لفرنسا، حارب مع فرنسا ضد الاحتلال النازي الألماني، ثم قاوم ضد فرنسا في الجزائر.
ما تحدث به فانون يلامس واقعنا الفلسطيني الحالي من حيث التقسيمات التي تحدث في الدول المستعمَرة لصالح المستعمِر الذي يستأثر لنفسه فيها بالخيرات، ويتحدث عن مراحل الصحوة التي تحدث في ذهن الأمة المستعمَرة، لا سيما المثقفين منهم، ويذكر بعض القيم التي يحاول أن يزرعها الاستعمار في ذهن المثقف، وأولها الفردية، ثم يشرح إشكالية الاستعمار في ذهن صاحبه. ويذكر بعض الأساليب التي يحاول بها المستعمَرون نسيان الاستعمار والتأقلم على وجوده، ومنها زيادة الخلافات الشخصية بين الناس وبعضهم البعض.
يفضح فانون الاستعمار الجديد، متمثلاً فيما سمّاها البرجوازية الوطنية التي لم تشارك في ثورة الشعب مشاركة صادقة، ولا أهابت بالجماهير يوماً ما إلى النضال المسلح العنيف، وكان كل منجزها مناورات هنا وهناك من أجل أن يتصدق عليها المستعمِر ببعض الامتيازات، وهذا ما وجدته بآراء البعض دون أي اعتبار للإطار الوطني وانسياقهم لمصالحهم أولاً وأخيراً!!
يقول فانون: «لا بد لكل جيل أن يكتشف رسالته وسط الظلام، فإما أن يحققها وإما أن يخونها». هنا يؤسس فانون لمجموعة الصور الذهنية التي يغرسها المستعمِر في أهل المستعمَرة لكي يخضعهم ويهز ثقتهم في قدراتهم من هذه الأفكار، ما يجعلنا محاطين بالخوف والأوهام وتمجيد الآخر والكُفر بالذات.
«معذّبو الأرض» نحن الشعب الفلسطيني في لحظة السفر، معذبو الجسر.. المطار.. دخول إلى عالم من الانقسام الاستعماري، والصراع الوطني، والتوق التحرّري. على النصوص في عالم التواصل الاجتماعي التركيز على النقد الديناميكي والشغف السياسي، الحَفر في التاريخ وإدانة الظلم، الحجة المنطقية والسخط الأخلاقي تجاه المعاناة. على من يريد أن يتحدث عن حرية الاختيار والتنقل، أن يتذكر أننا ما زلنا تحت استعمار بشع، وعليه أن يشاهد العنصرية والتبعية الهيكلية للمعضلة الاستعمارية.

الاخبار العاجلة