الخلل في توازن الضمير والموقف لا يوارى بالكلمة

14 سبتمبر 2022آخر تحديث :
الضمير

صدى الإعلام/ الكاتب:موفق مطر– الخلل في توازن الضمير والموقف لا يوارى بالكلمة

لا أحد يمن بالحرية على الكاتب، ولا يفرضن عليه أحد الموقف، فهو وحده الذي يختار ما يعتقد أنه الصواب والصحيح، وهذا ما يفرضه الإيمان بمبدأ الوفاء للكلمة التي لا يقولها ولا ينطقها ولا يكتبها إلا بصير وعارف وعالم بالحق، وقاصدٌ لمرضاة ضميره الحر، أما أخذ دور لاعب السيرك في التأرجح والمراوغة، واستبدال الكلمة الصريحة، بالكلمة الهلامية، وإلباسها أقنعة متعددة لإرضاء أهواء بعينها، أو لتأمين سلامة المسار الذاتي على حساب مسار الكلمة الحق التي ينتظر عامة الناس سماعها بمنطق سياسي أو أديب أو شاعر أو كاتب، أو قراءتها في ميادين التعبير، وأصحاب الأقلام، والرأي الحر.

قد يرى كاتب حر ما لا أراه، وقد أرى ما لا يراه، وهنا يمكننا اعتبار الرؤيتين للواقع والمأمول الموجب والسالب، وهذا ضروري لنتمكن من إضاءة النقاط المظلمة من مشاكلنا وقضايانا، وتشخيصها بعقلية المتجرد من المواقف والأحكام المسبقة وهذا يقصر زمن العلاج، ويحفز إبداع الأفكار للحلول المناسبة للعلاج.

أن يستند كاتب ما على أقوال مجهولة المصدر سوى أنها منشورة على صفحات التواصل الاجتماعي لمواراة الخلل في توازن فكرة عموده الصحفي، أو كمحاولة للتأكيد بأنه لم يغادر موضعه وموقفه المحايد – كما يظن أنه فعل – فهذا ليس من صلب مقومات الكاتب، ولا فعل مناصر للحقيقة التي يعتقد أنه يكتب من أجل بيانها، فالكاتب كما نعتقد ليس محايدا، فهو ليس عضوا في منظمة الصليب الأحمر، لأن الرأي حر، ينتصر للحق، لأن الصراع لا يمكن أن يكون بين طرفي باطل، ولا طرفي حق، وإنما بين طرف يحمل أثقالا عظيمة من الحق، وطرف يثقل حياتنا ويقيدها بحبال وأثقال الباطل الأصلي والمستورد، والواقع يفصح عن الحال، ولا يحتاج أطباء مختصون بجراحة الدماغ لتشخيصها، ولا منظار هابل أو جونسون لرؤيتها وتصويرها.

من المفيد تشبيه مسار الأفكار المستنبطة من الحق بالخطوط المستقيمة، السائرة باتجاه واحد – على تنوعها وغناها – والناظرة نحو هدف واحد بتفاصيله العظيمة، وأرقاها وأسماها الحرية، أما المسارات المستنبطة من الباطل، فإنها مستقيمة أيضا لكنها مضادة ومواجهة ومتصادمة مع مسارات الحق، ومن المستحيل التقاء المسارين على خطين متوازيين، وهذا ما يحاول البعض تكريسه في أفظع مخالفة للمنطق والمعرفة وحتى العلوم والرياضيات، فالتصادم لا بد أن يحدث بسبب فعل أو قراءة خاطئة لخريطة وطبيعة المسار المؤدي للحرية والتحرر، ما يعني وجوب معرفة الاتجاه والهدف والأدوات والوسائل، قبل الحكم على السائر في الاتجاه المخالف والمضاد، أما القول بمصطلح الطرفين مثل: (طرفي الانقسام)، (طرفي السلطة) فهذا عبث، سيؤدي حتما إلى تعطيل الحركة بالاتجاه الصحيح نحو الهدف (الحرية) وتشويه وحرف كل العلامات الدالة على الدرب، ولا مجال حينئذ إلا للتراجع- إن بقي مجال– أو الدخول في متاهات زمنية تبعدنا عن المدنية والحضر عدة عقود بمعيار الزمن.

أما المسارات الدائرية، أو الحلزونية التي يحلو للبعض السير فيها، وأخذ الجمهور إليها، أي البقاء في حيز الدوران دون تصادم فكري، نظري، ثقافي، سياسي كاشف لمتانة وصلابة وجوهر الفكرة النبيلة (الحق) القابلة على نحت الوجود بصور إبداعية في الوجه الأول، ومبرهن على هشاشة الدعاية والتعميم والمفاهيم المركبة من مواد غريبة مستوردة ليست من معادن الأرض الطيبة، وقابلة للانفجار بأي لحظة تحت أدنى ضغط، ونعتقد أن تقليد الكاتب لنظام الكواكب في دورانها حول الشمس في أطروحاته، وأفكاره، ومواقفه، وتحليلاته ومقالاته، لن يجعلنا نشهد فجر الحرية أبداً، فهذا النظام يصلح للكواكب غير العاقلة، أحكم الحق خلقه وتكوينه ودورانه، أما نحن أبناء آدم فقد منحنا العقل والضمير لنتفكر ونعقل، ولا يحق لأحد منا طرح الكلمة المقنعة، المبهمة، أو بوجهين في عالم الأفكار والرأي والتعبير والموقف بذريعة الحرية، فمثل هذه ستكون عائقا شديد الصعوبة والتضاريس، وصعب الإزالة، وستعرقل وصول السائرين على درب الحق وما حرية الرأي والتعبير إلا القوة والطاقة اللازمة حتما للوصول إلى الهدف الأنبل (الحرية).


“الضمير” تطلق دراسة حول الحياة التعليميّة والثقافيّة في السجون الاسرائيليّة


 

الاخبار العاجلة