هل سيضع حوار الجزائر حدا لمسلسل الفشل؟

12 أكتوبر 2022آخر تحديث :
الجزائر

صدى الإعلام / الكاتب: باسم برهوم – هل سيضع حوار الجزائر حدا لمسلسل الفشل؟

في ذروة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى تأسست حماس عام 1988، في حينه بادر ياسر عرفات لدعوة الحركة الجديدة للانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وفي تلك اللحظة التاريخية النادرة كان عرفات يعول كثيرا على الانتفاضة، التي كانت بمثابة زلزال ضخم بالنسبة لإسرائيل، لذلك حاول استيعاب حماس بأسرع وقت كي لا يبدو الشعب الفلسطيني أمام إسرائيل والعالم منقسما على بعضه. ولكن حماس رفضت كل عروض أبو عمار للانضمام للمنظمة، وعلى الأرض في ميدان المواجهة مع الاحتلال خلال الانتفاضة رفضت حماس الانضمام للقيادة الوطنية الفلسطينية الموحدة، التي كانت تحرك الشعب الفلسطيني في الشارع، ومثلت حماس في حينه ظاهرة انشقاق، ولم تنسق نشاطاتها وفعالياتها لا مع القيادة الوطنية الموحدة ولا مع أي فصيل.

منذ ذلك التاريخ وهناك محاولات لإقناع حماس بجدوى وأهمية الوحدة الوطنية. بعد استشهاد

أبو عمار وافقت حماس على مسألة الدخول لمنظمة التحرير بشروط في إطار اتفاق آذار/ مارس عام 2005, وبالتزامن مع ذلك أوقفت عملياتها الاستشهادية في العمق الإسرائيلي، وباتفاق سري مع الولايات المتحدة الأميركية في حينه برعاية دول إقليمية بدأت حماس بالدخول إلى السلطة الوطنية الفلسطينية عبر الانتخابات وأجلت بذرائع واهية مسألة انضمامها لمنظمة التحرير. مع العلم أن السلطة الوطنية قد تأسست بموجب اتفاقيات أوسلو، التي طالما رفضتها حماس، وكان هذا بحد ذاته أمرا محيرا في حينه.

وبناء عليه، بدأت حماس بالمشاركة عبر انتخابات المجالس المحلية عام 2005، ومن ثم في الانتخابات التشريعية عام 2006، والتي فازت خلالها لتشكل حكومة منفردة برئاسة إسماعيل هنية، ولأن حماس رفضت شروط المجتمع الدولي بإعلان موافقتها العلنية على اتفاقات أوسلو فقد فرض على الشعب الفلسطيني حصار مالي واقتصادي وسياسي. وكان السؤال في حينه أن حماس قبلت أن تكون في سلطة تأسست انطلاقا من أوسلو، وخاضت الانتخابات على أساس قانون أول سطر فيه يقول إن هذه الاتفاقيات هي الأساس القانوني لهذه السلطة المؤقتة ورفضت الاعتراف بها.

وأذكر هنا نصيحة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، المعروف بقوميته العربية وحرصه على القضية الفلسطينية سليم الحص، الذي قال كنت أتمنى أن تبقى حماس حركة مقاومة ليكون للشعب الفلسطيني هامش المناورة أكثر.

على أية حال تدخل الأسرى الفلسطينيون في معتقلات الاحتلال لإخراج الساحة الفلسطينية من المأزق والأزمة وأصدروا وثيقة في أيار/ مايو 2006، تصلح أن تكون قاعدة للوحدة الوطنية وفي نفس الوقت تتضمن صيغة مرنة يمكن أن توقف الحصار المالي على الشعب الفلسطيني، خصوصا أن هذا الشعب كان قد خرج للتو من الانتفاضة الثانية من دون أي مقدرات وبنى تحتية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي. وبعد أن فشلت وثيقة الأسرى في إنهاء الأزمة بسبب مراوغات حماس، تدخلت المملكة العربية السعودية وجمعت كافة الأطراف التي وافقت جميعها على ما بات يعرف باتفاق مكة، وتشكلت حكومة وحدة وطنية في شتاء 2007 بقيادة حماس ورئاسة هنية، ولكن بعد ثلاثة أشهر في 14 حزيران/ يونيو قامت حماس بانقلاب عسكري وسيطرت على قطاع غزة بالقوة.

عمّق هذا الانقلاب الانقسام وأصبح انقساما جغرافيا إلى جانب أنه سياسي عميق، وللمرة الأولى يصبح للشعب الفلسطيني هذا الانقسام، هذا الواقع لطالما حلمت به إسرائيل، وأخذت تروج في العالم أن ليس للشعب الفلسطيني قيادة واحدة يمكن الجلوس معها وإبرام اتفاق سلام يمكن أن يؤسس لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

بعد هذا التطور المؤلم تحركت الجامعة العربية وكلفت الشقيقة مصر لتتولى إعادة توحيد الحالة الفلسطينية، وبالفعل بذلت القاهرة جهودا مضنية، وبعد سنوات من الحوارات وقعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة في أيار/ مايو 2011 على اتفاق للمصالحة، الذي بقي عمليا حبرا على ورق بسبب مواقف حماس التي تعتبر سيطرتها على القطاع ورقة مهمة ليس لها وحدها بل للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وأيضا لبعض الدول الإقليمية.

خلال حوارات القاهرة وبعد اتفاق 2011, تدخلت اليمن وجاء إعلان صنعاء، ثم تدخلت قطر وجاء إعلان الدوحة، خلال هذا وذاك جاء إعلان الشاطئ في غزة، ولكن هذه الاتفاقيات لم تفلح جميعها بإنهاء الانقسام، بل تعمق وبدأ قطاع غزة ينفصل تدريجيا عن الضفة.

لذلك يتساءل المواطن الفلسطيني وهو في حسرة وألم شديدين هل ستنجح الجزائر في وقف مسلسل الفشل؟

في تاريخ العلاقة المميزة بين الثورة الفلسطينية والجزائر، نجحت هذه الأخيرة في أكثر من مناسبة في رأب الصدع داخل منظمة التحرير الفلسطينية. نجحت عام 1987 بإعادة توحيد المنظمة بعد الانشقاق الذي أصابها عام 1983، بعد الخروج من بيروت. وكانت الجزائر المكان الذي يعقد فيه المجلس الوطني الفلسطيني اجتماعاته عندما ترفض الدول العربية الأخرى عقده على أراضيها لأسباب سياسية، باختصار كانت الجزائر السند الحقيقي للشعب الفلسطيني وثورته ومنظمته، وكانت الشمعة التي تنير عتمة الفضاء العربي بالنسبة للشعب الفلسطيني.

اليوم تبدو مهمة الجزائر صعبة، فالفصائل الفلسطينية المجتمعة هناك، هي 13 فصيلا منها 11 فصيلا هي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وهناك حماس والجهاد الإسلامي من خارج المنظمة ولحماس والجهاد منهج فكري وعقائدي مختلف وليس مجرد خلاف سياسي، في السابق كان الخلاف بين فصائل منظمة التحرير في الغالب خلافا سياسيا باعتبارها جميعا كانت تستند للوطنية الفلسطينية، أما حماس والجهاد فهما جزء من الإسلام السياسي، الذي لا يعتبر الهوية الوطنية الشيء المفصلي في الصراع مع الصهيونية، فالأمة الإسلامية لها الأولوية على ما عداها من هويات.

ومع ذلك فإن رهان المواطن الفلسطيني على الجزائر لمكانتها في الوعي الوطني الفلسطيني، فهي تمثل ما يشبه الضمير الذي يقرع لنا جرس الخطر… فهل نستجيب لهذا التنبيه المفصلي؟.


أبو عطية: ندعو الدول العربية الى ان تحذو حذو الجزائر في دعم القضية الفلسطينية


الاخبار العاجلة