الاحتجاجات تتصاعد في تونس.. هل نحن أمام “ثورة جديدة”

17 أكتوبر 2022آخر تحديث :
دستور تونس

صدى الإعلام _  أثارت الاحتجاجات المتواصلة في تونس، الحديث عن “مستقبل البلد” الذي يعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متصاعدة، وسط تحذيرات من تداعيات حالة “الاحتقان” على الشعب التونسي، ومخاوف من تصاعد وتيرة “انقسام الشارع”.

احتجاجات شعبية
لليلة الثانية، تجددت الصدامات، السبت، بين عناصر الشرطة ومجموعة من المحتجين، في أحد أحياء العاصمة التونسية، إثر وفاة شاب بعد إصابته خلال مطاردة قوات الأمن له قبل أكثر من شهر.

وخلال الصدامات التي وقعت في “حي التضامن”، استعملت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق مجموعات متظاهرين، بينما رشق المحتجون الشرطة بالحجارة وحاولوا إغلاق شارع رئيسي بالحجارة، وفقا لـ”فرانس برس”.

وبدأت الصدامات، الجمعة، تزامنا مع تشييع جثمان الشاب الذي توفي متأثرا بجروح أصيب بها خلال مطاردة للشرطة قبل أكثر من شهر في خضم توتر سياسي واجتماعي، وفقا لـ”رويترز”.

وتقول عائلة الشاب، مالك السليمي، البالغ من العمر 24 عاما، إن “ابنهم سقط في حفرة وتعرض لإصابة في رقبته بعد أن طاردته الشرطة في نهاية آب”.

وإثر ذلك “تم نقله إلى المستشفى وظل في الانعاش طوال خمسين يوما ثم توفي الجمعة متأثرا بإصابته”.

وحمل المحتجون الشرطة مسؤولية وفاة السليمي الذي تطالب عائلته “القضاء بتحقيق العدل وانصاف” المتوفي، وفقا لـ”رويترز”

وفي مدينة جرجيس الجنوبية، احتج تونسيون، الأسبوع الماضي، على دفن ذويهم في قبور لمجهولي الهوية بعدما لقوا حتفهم إثر غرق قاربهم، في واحدة من الحوادث المتكررة التي تقع للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إيطاليا.
انتفاضة سياسية

بالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية، تظاهر الآلاف من أنصار الأحزاب المعارضة، السبت، للتنديد بسياسة الرئيس التونسي، قيس سعيد، ومطالبته بالرحيل وحملوه مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

ونظمت قوتان متنافستان من المعارضة أحد أكبر الاحتجاجات حتى الآن ضد سعيد، ونددت بتحركاته لتعزيز سلطته السياسية مع تصاعد الغضب الشعبي من نقص الوقود والغذاء.

وتوجد خصومة مستمرة لسنوات بين “حركة النهضة الإسلامية” و”الحزب الدستوري الحر”، ورغم أنهما لا يزالان يعارضان بعضهما البعض، لكن كليهما يركز الآن بشكل أكبر على معارضة الرئيس، الذي يتهمانه بتنفيذ انقلاب على الديمقراطية.

وتشهد تونس أزمة سياسية كبرى منذ احتكر سعيد السلطات في 25 تموز 2021، بإقالته رئيس الحكومة وتعليق أعمال البرلمان الذي كان يرأسه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قبل أن يحله، حسب “فرانس برس”.

وتعتبر منظمات حقوقية والمعارضة السياسية وفي مقدمتها حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية ما حدث “انقلابا على الثورة”، بينما قال سعيد إنها “خطوة قانونية لإنهاء سنوات من الفوضى والفساد المستشري”.

وجابت تظاهرة لـ”جبهة الخلاص الوطني” وهي تكتل لأحزاب معارضة بما فيها حزب النهضة، شوارع رئيسية في العاصمة تونس وصولا إلى شارع الحبيب بورقيبة.

وردد المتظاهرون هتافات على غرار “ارحل ارحل” و”يا شعب ثورة ثورة على قيس الديكتاتور” و”الشعب يريد عزل الرئيس” و”يسقط يسقط الانقلاب”، وفقا لـ”فرانس برس”.

وبالموازاة مع ذلك، نظم الحزب الدستوري الحر المناهض لـ”الإسلاميين” تظاهرة في العاصمة.

ورفع المتظاهرون في شارع رئيسي في العاصمة “سلالا فارغة” في إشارة إلى تدهور القدرة الشرائية للتونسيين بسبب

ارتفاع الأسعار ورردوا “يا شعب يا مقموع زاد الفقر زاد الجوع” و”يا شعب ثورة ثورة على حقك المنهوب”.

ما الذي يحدث في تونس؟
تلك التطورات تثير عدة تساؤلات ولعل أبرزها، ما الذي يحدث في تونس؟ ولماذا تصاعدت وتيرة الاحتجاجات “الشعبية والسياسية” في وقت متزامن؟

يفند الكاتب والمحلل السياسي التونسي، باسل الترجمان، الأحداث رافضا ربطها بـ”بعضها البعض”، ويشير إلى أن “التظاهرات في الأحياء الشعبية الفقيرة جاءت تعبيرا عن الغضب نتيجة وفاة شاب، وتحسين الأوضاع الحياتية”، لكن “لا يوجد لها أبعاد سياسية”.

وفي تصريحاته لموقع “الحرة”، يصف تظاهرات الأحزاب السياسية بأنها “مسرحية فاشلة لم يهتم بها الشارع التونسي”، ولم يشارك بها أكثر من ألفي شخص وقابلها الأمن بـ”احترام وتقدير لحرية التظاهر والتعبير”.

وأفادت وزارة الداخلية التونسية، السبت، بأن عدد متظاهري “جبهة الخلاص الوطني” كان في حدود 1500 شخص ولم يتجاوز الألف في تظاهرة الحزب الدستوري الحر، وفقا لـ”فرانس برس”.

لكن المحامي والناشط السياسي التونسي، سمير ديلو، يتحدث تقاطع بين الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية نتيجة “حالة احتقان واسعة في البلاد”.
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يستشهد بتظاهرات لجبهة الخلاص والحزب الدستوري الحر اللذان يجمعها “الموقف أكثر من الموقع” حيث يتشاركان في “معاداة السلطة القائمة”.
وتتميز التظاهرات بـ”طابعها التصاعدي” وتجاوزها لـ”المطلبية الاجتماعية الاقتصادية” إلى مطالب سياسية واضحة تطالب بإسقاط النظام السياسي القائم بعد “تقصير السلطات” في استرجاع جثث الشباب المتوفي في حوادث “الهجرة غير النظامية”، وفقا لحديث ديلو.

وبرأيه أن “الأحداث الحالية تشير إلى تآكل رصيد المنظومة الحاكمة في وقت قصير، وذلك نتيجة الانفراد بالرأي والفشل الكامل في كافة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية”.

من جانبه يرجع المحلل السياسي التونسي، برهان العجلاني، التظاهرات والاحتجاجات المستمرة إلى تصاعد وتيرة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يتحدث عن “احتجاجات موسمية جاءت أكثر حدة هذه المرة”، ويعبر خلالها الشعب التونسي عن “غضبه نتيجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي” في ظل “ضعف منظومة الحكم الحالية”.

وفي الوقت ذاته، يحاول البعض تعطيل العملية الاقتصادية بشكل ممنهج بهدف دفع الشعب التونسي لـ”الندم على 25 تموز”، وهناك “لوبيات فساد” تسعى لافتعال المشكلات الداخلية، ولذلك لا يتحمل “النظام القائم وحده” مسؤولية هذا التراجع، وفقا لحديث العجلاني.

ثورة جديدة؟
للمرة الأولى منذ سنوات، ظهر خلال الاحتجاج الذي نظمه الحزب الدستوري الحر، هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”، وهو الشعار الذي تردد خلال ثورة تونس 2011 التي مهدت للديمقراطية وأطلقت شرارة احتجاجات الربيع العربي، فهل تعيش البلاد أجواء “ثورة جديدة”؟

يرى العجلاني أن المطالب بإسقاط النظام هي “شعارات النخبة” الغاضبة من عدم تشريكها في المسار السياسي خلال الفترة الماضية.

ويصف الترجمان تلك الشعارات بأنها “بلا قيمة في الشارع”، نتيجة حالة القطيعة التي تعيشها الأحزاب مع الشعب التونسي.
ووفقا للترجمان فإن تلك الشعارات تهدف للعودة إلى ما قبل “25 تموز” وهو ما “لا يمكن المطالبة به”، مستعبدا بذلك إمكانية “اندلاع ثورة جديدة في تونس”.

وتقف تلك الأحزاب السياسية وراء “الخراب الاقتصادي والاجتماعي الممنهج” وبالتالي فهم خارج المعادلة وبلا “شعبية أو تأثير في الشارع التونسي”، وفقا لحديث الترجمان.

لكن ديلو يرفض ذلك الطرح، مؤكدا أن “الشعارات الحالية تكشف الرفض الشعبي الواسع للنظام السياسي القائم”، وشارك بالتظاهرات عدد كبير من المحتجين بمشاركة “شعبية غير مسبوقة”.

وتميزت الاحتجاجات بـ”الزخم والمشاركة الشعبية ولو كانت حركة النهضة قادرة على تنظيم كافة تلك الاحتجاجات بمفردها ما أمكن لقيس سعيد إزاحتها من سدة الحكم”، وفقا لحديث ديلو.

وفي الوقت ذاته يستعبد ديلو إمكانية “اندلاع ثورة جديدة”، لكنه يتوقع “تصاعد وتيرة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية والسياسية خلال الفترة القادمة”، معتبرا أن “سلطة قيس سعيد لا تملك شروط الاستمرار لكنها قد تبقى لبعض الوقت”.

وفي سياق متصل، يستعبد العجلاني “سيناريو الثورة الجديدة”، ويتوقع “تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية والتعبير عن الغضب” لكنها وصفها بأنها “لن تخرج عن السيطرة”.

إلى أين تذهب تونس؟
وفقا لحديث الترجمان فإن تونس” تتجه نحو انفراجه سياسية واقتصادية”، وتسير في الاتجاه الصحيح بـ”محاربة الفساد وإصلاح 10 سنوات من الخراب الذي مرت به البلاد”.

ويستشهد الترجمان في حديثه بالاتفاق الذي تم توقعيه مع صندوق النقد الدولي من أجل “دعم عجلة الاقتصاد” في تونس.
وأعلن صندوق النقد الدولي، السبت، توصله لاتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات التونسية لمنحها قرضا بقيمة 1,9 مليار دولار على 48 شهرا.

ويهدف ذلك لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد مع ارتفاع نسبة التضخم إلى 9,1 في المئة، والبطالة إلى 15,3 في المئة في بلاد تقطنها نحو 12 ملايين نسمة.

وحسب الترجمان فإن القرض يشير إلى استعادة الثقة في تونس من قبل المؤسسات الدولية، وبالتالي لا يوجد أي مخاوف على مستقبل تونس في “المدى القريب أو البعيد”.

لكن على جانب آخر، يحذر ديلو من توجه تونس نحو “ما لا يتمناه أي مواطن لبلاده”، بمزيد من “الانغماس في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية” التي قد تقود لـ”انهيار اقتصادي واتساع رقعة الانقسام”.

الاخبار العاجلة