أستراليا تتحلى بالشجاعة وتصحح خطأها

19 أكتوبر 2022آخر تحديث :
تصحح

صدى الاعلام – الكاتب: باسم برهوم- أستراليا تتحلى بالشجاعة وتصحح خطأها

لأول مرة، منذ زمن طويل، نستيقظ على خبر يبهج، ويثلج الصدر، وكل من قرأ الخبر أو استمع إليه لم يصدق في البداية عينيه وأذنيه، إنها صحوة ضمير نادرة لم نعتد عليها. خصوصا أن أستراليا من رعايا التاج الملكي البريطاني، وهو التاج الذي رفض أن يعتذر للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور وتداعياته، لم نصدق لأن رئيسة حكومة التاج الملكي ليز تراس افتتحت ولاياتها في الحكم قبل شهر بالإعلان أنها تفكر بنقل سفارة بلادها إلى القدس، وأصابنا الإحباط من إمكانية أن تصحح بريطانيا خطأها التاريخي، وأنها تصر على مواصلة العمل بعقلية الاستعمار القديم، والإمعان في ظلم الشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه.

شكرا للحكومة الاسترالية، شكرا لوزيرة الخارجية الشجاعة بيني ونغ، التي اعلنت بقوة أن أستراليا ألغت قرار الحكومة السابقة، الذي اعترف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، شكرا لأن هذه الحكومة أعادت الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح. قالت وزيرة الخارجية الأسترالية إن القدس هي إحدى قضايا الحل النهائي، وأن مصيرها ومستقبلها لا يقرر من جانب واحد بل عبر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، قالت إن حل الدولتين، هو الحل الذي يجلب السلام العادل والأمن والاستقرار.

أهمية الخطوة الأسترالية، إلى جانب مضمون القرار، هي أولا: تمثل صحوة من دولة كانت شريك في الانتداب البريطاني لفلسطين، ووهي وإن كانت لا تتحمل مسؤولية الإثم الكبير المتمثل بوعد بلفور وتنفيذه، فقد كان لها جنود مع جيش الاحتلال البريطاني، ولا تعارض سياسة الظلم، بل كانت منسجمة معها. ثانيا: إن في القرار عودة من الباب الصحيح؛ القضية الفلسطينية، وقضية القدس، لاحترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تنص جميعها أن القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلة، وحتى إنها لا تعترف بضم الشطر الغربي من القدس، وتعتبر السيطرة الإسرائيلية عليه بمثابة الأمر الواقع. وثالثا: وهذا في غاية الإهمية فإن القرار يمثل ضربة للولايات المتحدة الأميركية، لأنها انتهكت القانون الدولي، عندما اعترف رئيسها السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرر نقل السفارة الأميركية إليها، والقرار الأسترالي سحب البساط من تحت أقدام الإدارة الأميركية الحالية وذرائعها بأنها لا تستطيع التراجع عن قرار الإدارة التي سبقتها، ها هي الحكومة الأسترالية قد فعلت ذلك. أما رابعا: فإن القرار سيمثل عقبة كبيرة أمام توجهات رئيسة الوزراء البريطانية تراس، فهي بعد الموقف الأسترالي سيكون موقفها أصعب، وهي إن أعلنت نقل سفارتها، فإنه سيعتبر بمثابة موقف متطرف جدا وإمعانا في احتقار القانون الدولي وحتى لمواقف بريطانيا التقليدية تجاه القدس.

ولعل أهم من كل ما ذكر هو أن الموقف الأسترالي سيجعل هرولة بعض الدول أقل اندفاعا، ما يمثل ضربة قاصمة للمساعي الإسرائيلية لدفع دول أخرى لتحذو حذو واشنطن.

صحوة ضمير من دولة كانت تعتبر حتى يوم مضى من عصب الاتجاه المنحاز بقوة للمشروع الصهيوني، من الدول المتورطة في سياسة ازدواجية المعايير، بهذا القرار تصبح أستراليا دولة منسجمة أكثر مع منطق العدل، وهو منطق يمثل القيمة الأهم للحضارة الإنسانية. ما نرجوه أن تواصل ما بدأت به أمس، فالشعب الفلسطيني يعاني من ظلم طال أمده كثيرا، وكاد يفقد الأمل من إمكانية صحوة مثل صحوة الضمير الأسترالية هذه، التي تمثل فيما تمثل تصحيحا لمسار التاريخ.

الاخبار العاجلة