أبو عمار.. “ما تنسى يا ابني أن لهؤلاء وطنا”

10 نوفمبر 2022آخر تحديث :
موفق مطر-حماس عين الحلوة

صدى الإعلام / الكاتب: موفق مطر – أبو عمار.. “ما تنسى يا ابني أن لهؤلاء وطنا”

ومضات بمعان بلاغية، ستبقى كنزا لذاكرتنا، كلما أردنا فهم معنى الوفاء، والمحبة الناظمة لفلسفتنا الوطنية النضالية الكفاحية التحررية، ولقيمنا الإنسانية، ذلك أن القائد بكلماته وأعماله وسلوكه، وحيويته ونباهته بمثابة، يمنح بصيرتنا نورا وضياء للمضي في الاتجاه الصحيح في استكشاف واقعنا، ورؤية ملامح مستقبلنا في الآفاق مهما كانت بعيدة.

استشهد القائد الرمز الرئيس ياسر عرفات ابو عمار قبل ثماني عشرة سنة، لكن من قال إن الضمير والوفاء والنباهة، والذاكرة المشعة، والوفاء والمبدأ، والموقف، والصلابة واللين، والانسانية، والمحبة تذهب الى العالم الآخر كما جسد صاحبها، فهي باقية كروحه تطوف حولنا، لتكون حتى بعد ارتقائها كما كانت في دنياها ككوكب خلق متحركا لا يعرف السكون، روحه التي نفترض أنها سكنت كل مناضل حظي بشرف هذه الصفة.

كيف لياسر عرفات أن يموت وهو كالمحيط ما زلنا نكتشف كنوزه وجواهره، وأسرار الحياة فيه ومن حوله، على شواطئه الهادئة كنا نلجأ إليه لننعم بالراحة والتأمل والتفكر، وهو ذاته الموج العالي إذا بلغ ذروة ثورته حطم الصخور، وقلب سفنا عملاقة، حتى لو كانت تحمل أعلام دول عظمى.

كتاب ياسر عرفات مفتوح، لا يحتاج لمفسرين لبيان معانيه، فهذا الفدائي القائد كان مقاتلا نبيلا، مناضلا شريفا، ثائرا وطنيا، لكنه تجاوز بفلسطينيته الجغرافيا حتى صارت فلسطين وثورة شعبها وحركة تحررها الوطنية رمزا عالميا للكفاح، ومركز التقاء الأحرار في العالم… لكن بين دفتي هذا الكتاب الفريد المتفرد بالخصائص والسمات، نقرأ سيرة الشعب الثائر الفدائيين، المناضلين، الشهداء، الأسرى، الجرحى، التضحيات، الصبر، العمل بتفان وإخلاص من الأحياء الذين نذروا أنفسهم خالصين لوطنهم، فأبو عمار إرادة شعب تجسدت في شخصية فدائي قائد، فقدرنا أن يكون الفدائي الأول (المسيح)، فلسطينيا، وان يكون الفدائي من أجل السلام على ارض فلسطين وعلى وجه الأرض فلسطينيا أيضا.

مزج أبو عمار السياسة الوطنية بالثقافة، وبلغ بالثقافة الوطنية العربية الانسانية لأن تكون آيات للباحث عن حقيقة وجود الحرية، فكلماته وخطاباته المبسطة ظاهريا، العميقة أصولها وجذورها، ما حفظها عن ظهر قلب من كتاب شرقي أو غربي، ولا كان سلوكه تقليدا لشمالي أو جنوبي، وإنما كان إلهاما من سيرة وتاريخ مركز الأرض وحضارتها الإنسانية، من وحي مدينة الله القدس، ومن كتاب آدم الفلسطيني وذريته الطيبة.

اقرأ\ي أيضاً| “فتح” تدعو إلى أوسع مشاركة في فعاليات إحياء ذكرى استشهاد القائد ياسر عرفات

لم يحلم ياسر عرفات بوطن، لأنه قائم وموجود في الأصل، مدون ومخطوط في أطالس ومجلدات التاريخ والكتب المقدسة، وهو حقيقة أبدية غير قابلة للزوال، لكن أرض الوطن (فلسطين) محتلة ومستعمرة، لذلك كان مؤمنا بأن الشعب كفيل بانتزاع هذا الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني، فليس شرطا أن تكون الرفاهية والمكاسب المادية والشخصية شرطا لبلوغ شرف الانتماء.. وإليكم هذا الفصل.. من كتاب أبو عمار المفتوح حتى اللحظة للتدوين بأمانة على صفحاته البيضاء، ففي سنة 1983 وأثناء الحصار على طرابلس شمال لبنان من أنظمة رسمية عربية واسرائيل استخدمت فيها بنادق فلسطينية كأداة، كنت في مقر قيادته مع بعض مرافقيه، وفي اللحظات السابقة للفجر خرج أبو عمار مشمرا عن ساعديه وساقيه ليتوضأ، فرآنا، ثم جاء نحونا يسأل: “على ماذا تتفرجون” فقلت له: “انظر يا أخ أبو عمار نحن أتينا من قوات بيروت الصمود في السودان، وهذه صورة من بيئة وسكان المنطقة الجغرافية التي نحياها بتحد وصعوبة هناك” ولا أنكر أني قصدت – عندما ناولته الصورة، التقطتها بعدستي لشخص من قبيلة سودانية صادفته في سوق قرية سنكات شمال شرق السودان، حيث تتضح فيها معالم ورموز بيئة اجتماعية بعيدة عن عصرنا حوالي قرنين، ورغم ذلك أحببناهم وأحبونا بتقدير واحترام، وأعجبنا بتميز تقاليدهم وأصالة أخلاقهم، ففهم أبو عمار قصدي وقال لي: ما تنساش يابني أن دول ليهم وطن ” أي: “لا تنسى يا إبني أن لهؤلاء وطنا”.

الاخبار العاجلة