السودان: خطابات البرهان ترفع التوقعات باتفاق بين العسكر والمدنيين

16 نوفمبر 2022آخر تحديث :
السودان: خطابات البرهان ترفع التوقعات باتفاق بين العسكر والمدنيين

صدى الإعلام _  اعتبر محللون سودانيون أن خطابات القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، في الفترة الأخيرة، مؤشر على اقتراب إبرام تسوية سياسية وتعبئة قواته لهذا الأمر، خصوصا وأن البرهان الذي مضى على انقلابه أكثر من عام، أشاد بقيادات في قوى «الحرية والتغيير»، ووصفها بـ «الوطنية».

على مدى الأسابيع الأخيرة، اتخذ البرهان المناسبات العسكرية التي يشارك فيها، كمنصة لإطلاق العديد من التصريحات، التي أصابت الساحة السياسية في البلاد بإرباك كبير. فمنذ إعلانه خروج الجيش من العملية السياسية في 4 يوليو/ تموز، ظل يعيد تأكيد تصريحاته بضرورة توافق القوى السياسية للوصول إلى تشكيل حكومة مدنية جديدة.

لكنه أظهر في تصريحاته الأخيرة مخاوف عديدة فيما يبدو، وهاجم حزب «المؤتمر الوطني» المحلول للمرة الأولى، قبل أن يكررها مرةً أخرى، مع توسيع نطاق انتقاداته لتشمل حزبي الشيوعي، والبعث. وتخرج مواقف البرهان الناقدة لبعض الأحزاب إلى العلن، في الوقت الذي أشاد فيه ببعض قيادات قوى «الحرية والتغيير» ووصفهم بـ «الوطنيين»،

بينما يتصدر قائد الجيش المشهد السياسي، ظل نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعيداً عن الظهور على مدى الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى شبه اختفاء قادة المجلس العسكري الآخرين، تزامناً مع بدء الإسلاميين تنظيم تظاهرات ضد ما سموه «التدخل الخارجي»، كان آخرها السبت الماضي.

«سلاحهم في أيديهم»

كل ذلك يأتي وسط تسريبات صحافية متواترة حول قرب التوصل لاتفاق بين المدنيين والعسكريين. وهذا الاتفاق أكده البرهان بنفسه، عندما تحدث عن ملاحظات على وثيقة الدستور الانتقالي، وألمح، دون أن يسمها، إلى أنها ستكون المبادرة المعتمدة، داعياً بشكل غير مباشر، إلى أن تكون الأساس في العملية السياسية.

كما أكد خلال مخاطباته العسكرية على «عدم المساس بالمؤسسة العسكرية، وعدم قدرة أي طرف على تفكيك الجيش»، مشدداً على «حراسة القوات المسلحة للحكومة المدنية المقبلة»، مطمئناً جنوده بأنه «في حال لم تسر الأمور قدماً، فإن سلاحهم في أيديهم».

ويبدو المشهد الحالي، تحديدا خطابات البرهان، مشابهاً للأسابيع الأخيرة، قبيل تنفيذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، فيما تأتي تحركاته في خضم حالة من اللا يقين والشكوك التي تضرب الساحة السياسية في البلاد.
ويعتقد بعض المحللين أن تحركات البرهان الأخيرة تأتي في إطار التعبئة العسكرية، وربما للتنوير بالتسوية الجارية في البلاد.

إذ تندرج خطابات البرهان، حسب ما قال المحلل السياسي، عبد الله رزق، لـ «القدس العربي»، «في إطار تعبئة القوات النظامية، حول الموقف من مشروع التسوية الذي تضطلع به اللجنة الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة في السودان والاتحاد الأفريقي والإيغاد، باعتبار أن هذه التسوية الجارية الآن أهم حدث في الساحة السياسية، وستكون له آثار كبيرة على أوضاع السودان ومستقبله في المدى المنظور».

ووصلت التسوية، وفق قوله، لـ»مستوى متقدم تبعا لما يتداول من أنباء، على خلفية توافق العسكريين والمدنيين حول العديد من قضايا الخلاف وتجاوزها».

وبين أن خطابات البرهان الأخيرة «اثنان منها مع الجيش والثالث مع الشرطة، وتبقى له لقاء مع الأمن».

وأضاف: «أيضاً خاطب قائد الجيش الشعب من خلال مخاطبته للقوات النظامية، فلم تكن لقاءاته مغلقة، وكانت خطاباته منقولة للجمهور، ومع قليل من الاستثناء، فإن الخطابات ليس فيها ما يخص القوات النظامية حصرياً، من قضايا الانتقال التي كانت موضوع المداولات التي تمت في إطار مشروع التسوية، وقد ظل طرح البرهان لموضوع التسوية عاما، بغير تفاصيل».

حشد التأييد

وتابع: البرهان «يستهدف حشد تأييد القوات النظامية للخيارات التي انتهى إليها المكون العسكري خلال اللقاءات المباشرة وغير المباشرة مع المكون المدني، ممثلا في قسم من تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ويأتي ذلك، وسط معارضة من قطاع من الإسلاميين وأنصار نظام البشير، وأيضا وسط مخاوف من انقلاب عسكري، لذلك تميزت خطابات قائد الجيش «بموقف واضح من الإسلاميين وأنصار المعزول، وتحذير صريح لهم من التدخل في شؤون الجيش، وقد شمل التحذير البعثيين والشيوعيين».

في إطار هذه التوجه «لجأ البرهان لخطاب قديم يقوم على تعبئة العسكريين ضد المدنيين، كما حدث عشية انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، ومضى للأبعد بالحديث عن مؤامرة وشيكة، تستهدف تفكيك الجيش».

ومع ذلك، لم تخل خطابات قائد الجيش من تناقض، ومن ملامح تراجع، تمثلت في إشادته بقوى الحرية والتغيير ووطنيها وبشباب الثورة» حسب رزق، الذي بين أنه «بناء على سابقة الانقضاض على عهد الشراكة، فإن ردود الفعل في الأوساط الشعبية والسياسية، قد تمحورت حول الاستهانة بتلك الخطابات، والتشكيك في مصداقيتها والتحفظ على بشارات التسوية ومعارضتها أيضاً»

كذلك قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي لـ» القدس العربي» إن خطابات البرهان الثلاثة التي ألقاها أمام القوات النظامية «تقرأ في سياق التطورات السياسية التي تشهدها البلاد، مع الحديث عن اقتراب التوقيع على تسوية سياسية تنهي الأزمة في البلاد».

طمأنة للمجتمع الدولي

وأضاف: «إشارته لعدة جهات، وتحذيرها من التدخل في الجيش يمكن قراءته بتوقع القيادة العسكرية لانقلاب مدعوم سياسياً، بالإضافة لذلك يمكن أن تشير إلى تغييرات جديدة في المشهد».

وتابع: «أعتقد أن هناك رسائل لها أغراض متعلقة بالداخل والخارج، بالإضافة لضمان الرأي العام داخل الجيش»، مشيرا إلى أن «دلالات الخارج، تتمثل في أن الخطابات جاءت بعد القمة العربية في الجزائر، وقبل قمة المناخ في شرم الشيخ، وبذلك يمكن ربط الخطابات بأنها تطمين للمجتمع الدولي بقدرة الجيش على تحقيق الاستقرار في السودان».
وحسب علي، الدلالات الداخلية للخطابات تشير إلى تمهيد لتسوية بين الأطراف السياسية، مع استبعاد الجهات التي اتهمها البرهان بالتغلغل في الجيش، وأيضاً رفع سقف التفاوض لأجل ضمان وجود الجيش، خلال الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن «دلالات الداخل المتعلقة بالقوات العسكرية، هي إرسال تطمينات ورفض الحديث عن التفكيك والهيكلة التي ينادي بها البعض».

ولم يستبعد أن «يتجه الجيش لإعلان حكومة باتفاق مع القوى السياسية»، لكنه نبه إلى أن «الحديث عن وصاية الجيش على الحكومة المدنية يؤثر على الانتقال الديمقراطي، ويمكن أن يعيد السيناريوهات السابقة، وبالتالي قد يجدد الأزمة السياسية، في وقت لاحق». كما لم يستبعد كذلك «اتجاه الجيش لتعيين حكومة تسيير أعمال وإعلان انتخابات رئاسية».
إلى ذلك، بين الخبير الأمني أمين مجذوب لـ»القدس العربي»، أن «خطابات البرهان جاءت جميعها في إطار زيارات لوحدات عسكرية»، مشيرا إلى أنه «استفاد من هذه المنابر في توجيه رسائل إلى الداخل والخارج، خاصة فيما يدور حول وجود تسوية أو تفاهمات مع مجموعة من السياسيين وتحذيرات لكيانات وأحزاب سياسية للابتعاد عن القوات المسلحة وعدم استغلالها للعودة إلى السلطة».

وحسب قوله «توقيت الزيارات جاء مصادفة، ولكن الرسائل كانت في وقتها، خاصة وأن البلاد تسير نحو تفاهمات، ربما تفضي إلى تسوية أو تشكيل حكومة، وبالتالي شكل الهياكل سيتغير».

وواصل: « كان لا بد من تهيئة الأجواء بعدم وجود ضغوط على القيادة العسكرية والمدنية التي تتفاوض في الوقت الراهن»، لافتاً إلى أن «إزالة هذه الضغوط يتطلب الصراحة، وإرسال هذه الرسائل بصورة واضحة».

وأضاف: «الإنذار الذي تم توجيهه لكيانات سياسية بعينها شمل الجميع تقريبا مثلما جاء في خطاب البرهان لكل القوى التي تحاول الاقتراب من القوات المسلحة».

لا تحركات لانقلاب

واستبعد أن «يكون الظهور المتتالي للبرهان يأتي لدواع تتعلق بتحركات قد تفضي لانقلاب عسكري»، مشيرا إلى «عدم وجود معلومات عن تحرك أو وجود مجموعات عسكرية منظمة تعمل على ذلك».

ورأى أن «حديث البرهان نتيجة لتصريحات بعض الإسلاميين الذين تحدثوا عن لقائهم بالبرهان، الأمر الذي تم نفيه عبر المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، حيث تم توجيه رسالة حاسمة وواضحة لهذه المجموعات، وهؤلاء الأشخاص، حتى لا يتحدثوا بلسان القوات المسلحة، أو أنهم يعملون تحت مظلتها».

من هنا جاءت كذلك «هذه الرسائل للمجموعات التي كانت تتحدث عن هيكلة وتفكيك القوات المسلحة وإحضار مجموعات مسلحة بديلة للجيش السوداني، وكل هذه الأمور تراكمت في الفترة الأخيرة وأصبحت كروت ضغط على الجميع، وكل يتحدث عن أزمته مع القوات المسلحة».

ورأى أن «حديث البرهان أنه جلس مع مجموعة منتقاة من الحرية والتغيير، ربما يكون ذلك نواة لتجميع قوى سياسية أخرى، وربما يفضي إلى حل وتكوين حكومة انتقالية».

وواصل: «كذلك هناك مجموعات ترفض التفاوض وترفع شعار اللاءات الثلاث وتحالفات أخرى رفعت إعلانات دستورية».

وبين أن «تشكيل حكومة مدنية من التكنوقراط، تحرسها القوات المسلحة، يعني أن القوات المسلحة مسؤولة عن الأمن الوطني، وهو عبارة عن شعب وحكومة وأرض»، مشيراً إلى أن «من ضمن مهام القوات المسلحة الحفاظ على الأمن العام والأمن الداخلي والحدود، وبالتالي، الحفاظ على النظام الحاكم الموجود، وهذه ليست وصاية أو هيمنة أو إشرافا، الحراسة واحدة، ومن مهام القوات المسلحة الحفاظ على الأمن والدستور».

الاخبار العاجلة