هل يتسقبل لبنان العام الجديد مثقلاً بالأزمات؟

29 ديسمبر 2022آخر تحديث :
هل يتسقبل لبنان العام الجديد مثقلاً بالأزمات؟

صدى الإعلام _ يدخل لبنان العام 2023 حاملا في جعبته كل أزماته السياسية ذات المصير المجهول ما يفاقم من الوضع المعيشي المتدهور في البلاد.

ووفق الكاتب والمحلل السياسي طوني عيسى فإن “لبنان من البلدان التي تحمل الأزمات من عام إلى عام.. سننتقل إلى 2023 حاملين معنا كل القضايا والملفات الحالية نفسها”.

وأبرز هذه الملفات، بحسب عيسى في حديث للأناضول، هي “انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وجلسات التشريع البرلمانية والمواضيع الاجتماعية والهجرة (غير النظامية) والنازحين السوريين”.

** الفراغ الرئاسي
في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتهت فترة رئاسة الرئيس السابق ميشال عون، وفشل البرلمان للمرة العاشرة منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري في انتخاب خلف له.

وتتهم كتل برلمانية نواب جماعة “حزب الله” وحلفاءها بتعطيل انتخاب الرئيس عبر التصويت بأوراق بيضاء في الدورة الأولى من كل جلسة ثم الانسحاب كي لا يكتمل نصاب الدورة الثانية.

بينما قال مسؤولون في الجماعة (حليفة إيران) إنهم يريدون “رئيسا لا يطعن المقاومة (يقصدون حزب الله) في الظهر”.

ويعد التوافق على شخصية الرئيس مفتاحا لانتخابه، لكن الأمر يرتبط بتوافقات إقليمية ودولية، بحسب مراقبين.

وقال الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان للأناضول إن “الاستحقاق الرئاسي يواجه تعثرا كبيرا بسبب العقبات السياسية التي حالت دون انتخاب رئيس في الموعد الدستوري المحدد وستُنقل الخلافات إلى السنة المقبلة”.

وبينما يتردد حديث داخلي عن أن التوافق على انتخاب الرئيس سيتم في الربيع المقبل، شكك شومان بالأمر خاصة وإن “بقيت الخلافات على حالها فلن تصبح الآمال المعقودة سوى رهانات تخفق”.

ومتوقعا أن حل هذا الملف ليس بقريب، اعتبر عيسى أن “الحل ليس بانتخاب رئيس لأن في عهد الرئيس السابق وقعت النكبات وستنتقل إلى العهد الجديد”.

وخلال 79 عاما لم تنتقل السلطة في لبنان من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة وعبر انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، وحدث بعد استقلال لبنان عام 1943 شغور رئاسي 3 مرات.

وبحسب المادة 49 من الدستور، يُنتخب رئيس الجمهورية في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين 86 نائبا، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية.

أما ولاية الرئيس فتدوم فترة 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى.

ولا يُلزم الدستور الراغبين في خوض انتخابات الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة، حيث يمكن لأي نائب أن ينتخب أي لبناني ماروني (وفق العرف السائد لتقاسم السلطات طائفيا)، شرط ألا يكون هناك ما يمنع أو يتعارض مع الشروط الأساسية مثل العمر والسجل العدلي.

** حكومة تصريف أعمال
لا يقف الفراغ الرئاسي وحيدا في لبنان، بل يرافقه فراغ حكومي حيث توجد حكومة تصريف أعمال محدودة السلطات برئاسة نجيب ميقاتي.

وكلف عون، في يونيو/ حزيران الماضي، ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، بعد نيله 54 صوتا في الاستشارات النيابية مقابل 25 صوتا للسفير السابق نواف سلام.

لكن الخلافات السياسية وعدم القدرة على التوافق حالت دون تشكيل حكومة جديدة.

وينص الدستور على أن تتولى الحكومة صلاحيات رئيس البلاد في حال تعثّر انتخاب رئيس جديد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي، إلا أن الحال يختلف مع وجود حكومة تصريف أعمال.

ويخيم على الأوساط القانونية والسياسية في لبنان خلافٌ بشأن تولّي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس، لأنها بحكم المستقيلة بموجب الدستور منذ إجراء الانتخابات التشريعية في مايو/أيار الماضي، وتتولى مهامّ تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.

وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، دعا ميقاتي إلى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، بينما أعلن وقتها 9 وزراء محسوبين على التيار الوطني الحر (تيار عون) رفضهم المشاركة في الجلسة، معتبرين أن “الدستور لا يسمح لحكومة تصريف الأعمال بتسلّم صلاحيّات رئيس الجمهورية، وهي فاقدة للصلاحيّات الدستورية وللثقة البرلمانية كونها لم تحظَ بثقة البرلمان الحالي”.

ورغم ذلك، عقد مجلس الوزراء جلسته بعد اكتمال النصاب وحضور 17 وزيرا من أصل 24، وأقر طلبات مالية ليكون الاجتماع الأول والوحيد منذ انتهاء ولاية عون.

ومتحدثا عن هذه الجلسة، رجح شومان أنه “بعد العاصفة التي أُثيرت سيكون هناك نوع من الحذر والخوف الشديد من تكرار هذه التجربة.. والأمور ذاهبة إلى التشاور بين رئيس الحكومة وكل وزير مختص حول الملفات العالقة”.

**طريق الحوار مسدود
مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حاول رئيس البرلمان نبيه بري الدعوة إلى حوار بين الكتل النيابية للاتفاق على رئيس توافقي، إلا أنه اصطدم بمعارضة من حزبي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، فتراجع عن هذه الدعوة.

وبالنسبة لمصير أي حوار داخلي، رأى شومان أن “الحوار يمر عبر طريق مسدود ويرتطم بجدار عالية في لبنان”.

واعتبر أنه “طالما الحوار يصطدم بجدران فهذا يعني أننا أمام المزيد من العواصف والخلافات السياسية بين القوى والتيارات والأحزاب الفاعلة بصورة أساسية”.

** الوضع الأمني
وبالرغم من تطمينات المسؤولين الأمنين في لبنان، إلا أن المخاوف لا تزال مرتفعة من وقوع أي حدث أمني.

وأكد وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي في تصريح صحفي مؤخرا أن “الوضع الأمني ممسوك والأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها وهي على جاهزية عالية”.

مولوي أضاف أنه “لا يوجد تخوف من أحداث أمنية خطيرة.. وعدم استقرار الوضع السياسي لن يؤدي إلى خلل أمني في ظل حرص القيادات الأمنية على ضبط الأمن”.

كما طمأن قائد الجيش العماد جوزيف عون، خلال لقاء مع ميقاتي، بأن “الوضع الأمني ممسوك، وليس هناك أي مخاوف من حوادث فردية قد تؤدي إلى تفلّت أمني”.

لكن عيسى أعرب عن “خوفه من أن يؤدي تفاقم أو اهتراء الوضع السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للبنانيين إلى وضع خطير على الصعيد الأمني”.

أما شوفان فرأى أن “هناك تراجعا لمساحة سيطرة الدولة على المجتمع في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة الجريمة اليومية”.

وأعرب عن تخوفه من “تفلت الأمن الفردي والاجتماعي لا الأمن الوطني، لافتا إلى أن “ارتفاع نسبة الجرائم مهولة في الأشهر الأخيرة وهذا مؤشر ميداني إلى مستوى تدهور الأمن الاجتماعي والفردي على المستوى العام”.

** النازحون السوريون
في لبنان يوجد نحو مليونين و80 ألف لاجئ سوري، وفق تصريح لمدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

وفي الآونة الأخيرة، وضعت الحكومة خطة لإعادة 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهريا.

إلا أن الخطة تصطدم برفض الأمم المتحدة، التي ترى أن الأمن لم يستتبّ بعد في سوريا وتطلب من لبنان التريث حاليا.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جدد ميقاتي مطالبة المجتمع الدولي بالتعاون لإنهاء أزمة النزوح السوري التي تضغط على لبنان على الصعد كافة.

وشدد على أن “الأولوية في هذه المرحلة هي لإعادة النازحين السوريين تباعا بعد استقرار الأوضاع في سوريا”.

ومعظم اللاجئين السوريين في لبنان يعانون من الفقر، كما ساءت ظروفهم المعيشية بسبب غرق لبنان في مشكلات اقتصادية وأخرى متعلقة بإمدادات الطاقة منذ عام 2019.

وعن أزمة النازحين السوريين، رجح شومان أن “المشكلة باقية لسنوات طويلة ما يزيد من أثقال لبنان بمزيد من التعقيدات والانهيارات منها الانهيار الأمني والضغط على ما تبقى من البنى التحتية”.

** الانتخابات البلدية
كان مفترضا أن تُجرى الانتخابات البلدية والاختيارية (انتخاب مخاتير البلدات) في مايو/ أيار الماضي، إلا أنه تم تأجيلها إلى 2023 بسبب عدم الجاهزية المادية والبشرية ولتزامنها مع الانتخابات النيابية.

لكن شومان توقع أن يتم “تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية من جديد وترحيلها حتى إشعار آخر”، وسط الركود في السلطات الأساسية بالبلاد.

** الحل خارجي
لطالما ارتبطت الحلول داخل لبنان بالوضع الإقليمي والدولي، وفق المراقبين.

وهنا رأى عيسى أن “الحل في لبنان لم تأتِ ساعته من قبل الخارج بينما يقف الداخل كالمتفرج فاقد القدرة والإرادة على الحل”.

واعتبر أن “المشكلة الأساسية تكمن بعدم وجود إرادة لإيجاد حل سياسي كبير على مستوى لبنان ينهي الأزمة”.

وهكذا، ينتقل لبنان إلى العام الجديد من دون رئيس للبلاد ومع حكومة محدودة الصلاحيات وبرلمان شديد الانقسام، ما يحول وفق مراقبين دون حوار فعال يحسن الوضع في بلد يعاني من أسوأ أزمة معيشية فيه.


للمزيد: أميركا تخرج ببطء من العاصفة… واستمرار الاضطرابات في المطارات


 

الاخبار العاجلة