مأزق إسرائيل له أسباب أعمق

17 يناير 2023آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _باسم برهوم _ مقولة مارتن لوثر كينغ قد تمثل مدخلا مناسبا لتوصيف بعض الجوانب الأساسية للأزمة التي تلف إسرائيل هذه الأيام، “الظلم في أي مكان ما يمثل تهديدا للعدل في كل مكان”. ظاهر الأزمة هو محاولة انقلاب اليمين المتطرف الفاشي في إسرائيل على الديمقراطية عبر السيطرة على السلطة القضائية، وعلى مؤسسات الدولة. ولكن للأزمة جذور أعمق لها علاقة بأسس فكرة الصهيونية والتي عبر عنها بشكل واضح قانون يهودية الدولة الذي أقره الكينست الإسرائيلي عام 2018.

القانون المشار إليه، حصر مسألة حق المواطنة في الدولة باليهود، وينص القانون على أن حق تقرير المصير على “أرض إسرائيل” هو حصرا لليهود، الأمر الذي يعني أن العرب الفلسطينيين، أصحاب البلد الأصليين هم سكان طارئون. فالظلم الذي ينصب على العرب داخل الخط الأخضر، ويعتقد اليهود أنه لن يمتد إليهم، ها هم اليوم يواجهون قوى وأحزابا يمينية ودينية متشددة تريد أن تخطف الدولة وتكيفها لتكون لها وعلى شاكلتها.

اليوم نصف يهود إسرائيل، من يساريين وليبراليين وحتى أناس عاديين، يعتقدون أنهم باتوا مستهدفين من اليمين المتطرف، وأن الدولة التي أنشأها هؤلاء على أسس ديمقراطية هي اليوم تتهاوى.

لم يلتفت اليساريون والليبراليون اليهود في إسرائيل، أو أنهم لم يربطوا بسبب العمى الصهيوني، أنه لا يمكن أن تكون الدولة ديمقراطية مع استمرار الاحتلال، واستمرار سياسة التمييز العنصري ضد العرب الفلسطينيين في الداخل. كما لم يتوقع هؤلاء أن المستوطنات تتحول إلى محميات لليمين المتطرف والفاشي أو أنهم اعتقدوا أن أذى هؤلاء المتعصبين العنصريين لن يرتد عليهم وعلى الداخل الإسرائيلي حتى وصلت السكين إلى رقابهم، لقد خلقوا وحش الاستيطان وارتد عليهم الآن.

الطغمة الحاكمة في إسرائيل لم تنقض على “إعلان الاستقلال” لعام 1948، الذي أكد على المساواة وديمقراطية الدولة وحسب، بل هم اليوم يكرسون إسرائيل كدولة عنصرية دينية متشددة تغلق الأبواب على نفسها. في السنوات التي تأسست فيها إسرائيل، ما بين 1945 و 1948، كانت الصهيونية تتباهى بأنها جزء من المعسكر المناهض للفاشية والنازية، وأن حلفاءها هم القوى اليسارية والليبرالية في أوروبا بشقيها الغربي والشرقي وفي الولايات المتحدة الأميركية، كانت الدعاية الصهيونية تستند إلى أن اليهود كانوا في طليعة المقاومة في وجه الفاشية في أوروبا ودفعوا ثمنا باهظا في سياق ذلك، واليوم كيف ستسوق إسرائيل نفسها والقوى الفاشية تحكمها؟

السؤال الآن: هل إسرائيل بالفعل تقف على مفترق طرق يمكن أن يقود إلى حرب أهلية؟ وهل سنرى مخاضا يفضي إلى إسرائيل تكون أكثر عنصرية أو إسرائيل جديدة ترى أن خلاصها هو بالديمقراطية الحقيقية دولة مواطنيها وبلا احتلال؟

لست من المرجحين أن إسرائيل ستدخل حربا أهلية قد يستخدم بها السلاح، سيبقى الصراع نوعا من شد الحبل وتبادل الضغوط. قد تهرب إسرائيل إلى الأمام وتبادر إلى حرب خارج الحدود لتعيد توحيد نفسها، بجب عدم استبعاد مثل هذا السيناريو وقد تكون الحرب على الشعب الفلسطيني تستخدمها الطغمة الحاكمة في إسرائيل كي تسكت المعارضة الداخلية.

بغض النظر إلى أين ستذهب الأمور في إسرائيل، كما أن هناك فرصة أن يعيد اليسار والليبراليون الإسرائيليون بناء أنفسهم، وأن يدركوا أن خلاص إسرائيل الحقيقي هو بالتخلص من الاحتلال.

أزمة إسرائيل، أو مأزقها في أنه لا يمكن الدمج بين أن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية ودولة احتلال وتعتبر أن المواطنة هي حكر على اليهود، وإذا ما أصرت على هذا فإنها لن تكون إلا دولة فاشية ودولة فصل عنصري مهما ادعت غير ذلك.

الاخبار العاجلة