خطر تصريح النائبة

27 فبراير 2023آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

صدى الإعلام _ الكاتب: عمر الغول – الولايات المتحدة الأميركية تعيش صراعا صريحا وعلنيا بين الحزبين المركزيين الجمهوري والديمقراطي، ولهذا التناقض انعكاس مباشر في الشارع الأميركي في مختلف الولايات، ويترك بصماته على النخب وقطاعات المجتمع. رغم أن كلا الحزبين لا يوجد بينهما افتراق في القضايا الأساسية التي تمس الأمن القومي والمصالح العليا للولايات المتحدة. لا سيما أنهما من خلفية فكرية وعقائدية وطبقية واحدة. بيد أن التناقضات الآخذة في الارتفاع والتصاعد بين أقطاب الحزبين تدفع بالأمور نحو مآلات خطرة في أوساط الشعب، وعلى حساب السلم الأهلي ومستقبل الولايات المتحدة، من حيث يدري المتصارعون أو لا يدرون.

نموذج يستحق التوقف أمام ما أدلى به من مواقف تعكس ملامح التباعد والهوة بين مركزي قرار الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهذا النموذج تمثله النائبة الجمهورية، مارجوري تايلور غرين، التي دعت من على حسابها في “تويتر” إلى “طلاق وطني”، معتبرة أن الوقت قد حان لتقسيم البلاد على أسس سياسية، لأن الخلافات بين الولايات الجمهورية والديمقراطية غير قابلة للتسوية. وأضافت “نحن بحاجة إلى طلاق وطني.. من قضايا ثقافة اليقظة المريضة والمثيرة للاشمئزاز، التي فرضت علينا سياسات أميركا الأخيرة الخائنة للديمقراطية، لقد انتهينا”.

وفي أعقاب ردود الفعل على موقفها المثير للانتباه، قامت عضوة الكونغرس بتفسير نفسها، دون أن تغادر محتوى ما حمله البوست الأساسي، فقالت إن “الطلاق الوطني لا يعني حربا أهلية”. إذن ما هو “الطلاق الوطني”؟ وما هي حدوده؟ وما هي آفاقه السياسية، إن لم يكن حربا أهلية؟ وبأي معنى يمكن تفسير الطلاق والانفصال بين ولايات الفيلة والحمير؟ بالنتيجة الموضوعية لا يمكن تفسير الطلاق السياسي بغير احتدام الصراع بين ممثلي الحزبين في الشارع الأميركي، وبين الولايات الحمراء والزرقاء، أي إعلان الحرب الأهلية، وعودة الأمور لزمن تأسيس الولايات المتحدة.

وفي هروب للأمام، كتبت لتوضيح ذاتها أكثر، فقالت إن الرئيس جو بايدن هو من يقود البلاد “إلى الحرب العالمية الثالثة”. وأضافت “لقد سئم الناس واشمأزوا من الجنون اليساري وكارثية سياسات أميركا الأخيرة”. وتابعت تخلط الحابل بالنابل لجهة عدم التمييز بين ما تصفه باليسار واليمين عندما كتبت “الطلاق ليس حربا أهلية، لكن بايدن والمحافظين الجدد (كان قبل قليل بايدن واليسار، الآن الرئيس والمحافظين؟ ومن هم المحافظون، إن لم يكونوا من الجمهوريين قبل الديمقراطيين؟) يقودنا إلى الحرب العالمية الثالثة”.

مما لا شك فيه، أنها أصابت بتأكيدها أن الإدارة الديمقراطية تقود العالم إلى الحرب العالمية الثالثة وفق خطة منهجية واضحة لا لبس فيها، أو غموض، وهي الآن تقود دفة الحرب بالوكالة في أوكرانيا، وستدفع بها لتشمل كل أوروبا، والتي بالضرورة لن تنأى بها عن واشنطن نفسها هذه المرة، حتى لو أرادت ذلك. وبهذا المعنى كتبت عن أخطار زيارة بايدن لأوكرانيا الأخيرة، فكتبت في تغريدتها الثالثة “أقيلوا بايدن، أو اعطونا الطلاق الوطني. نحن لا ندفع ضرائب لتمويل حروب دول أجنبية ليست حتى حليفا في الناتو”. وكأن لسان حال مارجوري، أن الولايات ليست كلها متورطة بالحرب العالمية الثالثة القادمة، وعلينا من الآن أن نفصل الولايات الجمهورية الحمراء عن الولايات الديمقراطية الزرقاء.

لكن النائبة الجمهورية تعلم أن التناقضات بين ولايات الفيلة والحمير أسبق من تولي الرئيس بايدن القيادة، ولا تقتصر الصراعات بين ممثلي الحزبين على اللحظة السياسية الراهنة، والتي هي امتداد للخلافات في أكثر من مجال وحقل سياسي واقتصادي وبيئي وصحي واجتماعي. فضلا عن أن الحزب الجمهوري وصقوره من حزب الشاي والمحافظين الجدد ورطوا الولايات المتحدة في العديد من الحروب، وأججوا الصراعات في العديد من دول وقارات العالم وخاصة الوطن العربي وجنوب شرق آسيا، وبالتالي على عضوة الكونغرس أن تفيق من غفوتها، وتراجع ما كتبته، لأن حزبها الجمهوري لا يقل خطرا عن الحزب الديمقراطي، وكلاهما شريك في حروب أميركا في أصقاع الأرض كلها.

بالعودة لدعوة النائبة الجمهورية بالانفصال والطلاق الوطني بين الولايات الجمهورية والولايات الديمقراطية، فهي لا تنحصر بشخصها، لأنها انعكاس لمزاج عام في أوساط الحزبين، وليست مقتصرة على أعضاء الحزب الجمهوري، وكل محاولات التخفيف من حدة التناقضات باءت بالفشل، لا سيما أن حادثة اقتحام مبنى الكونغرس في مطلع يناير 2020 من قبل أنصار الرئيس الجمهوري ترامب، شكلت تحولا نوعيا في ضرب ركائز الوحدة الأميركية، والسلم الأهلي، وما زالت إرهاصاتها تتطور. ومع هذا الدولة الأميركية العميقة في أميركا، والتي تشمل أقطاب الحزبين وكل أباطرة رأس المال المالي والكارتلات الحربية والصناعية والسيبرانية موحدة في خيار الحرب العالمية الثالثة القائمة حتى اللحظة بالوكالة في أوكرانيا والوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط، وإقليم جنوب شرق آسيا، وأميركا آيلة للسقوط والاندحا

الاخبار العاجلة