نقطة نظام: الفلتان الأمني والفوضى، الوصفة النموذجية لاستحضار الإرهاب

30 يناير 2017آخر تحديث :
نقطة نظام: الفلتان الأمني والفوضى، الوصفة النموذجية لاستحضار الإرهاب

بقلم أنور رجب- جريدة الحياة الجديدة

رام اللهصدى الإعلام– 30/1/2017 إذا ما تمعَنا جيداً في خارطة انتشار الجماعات الإرهابية سواء من ناحية التمركز والاستقرار أو من ناحية الفعل والنشاط أو حتى من ناحية الفكر والايديولوجيا، فإننا نجد أنها تغطي نسبة كبيرة من مساحة الكرة الأرضية، وإذا ما درسنا أسباب وظروف انتشارها وتعاظمها وتجارب الآخرين فسنجد أن لا أحد في مأمن أو محصَن من امتداداتها أو شظاياها بأقل تقدير، وذلك لا يخضع لمعايير القوة والضعف، الثراء والفقر، الحضارة والتخلف، فالجميع سواء أمام الإرهاب وان كان بدرجات متفاوتة وبما يتناسب مع طبيعة الظروف المهيأة في البلد المعني أمام تلك الجماعات والتي تحدد مستوى انتشارها وسيطرتها وفعلها، وقد تعددت الأسباب وتشابهت الظروف التي ساهمت في ذلك، منها أسباب ذات علاقة بتطورات الأوضاع الداخلية في تلك البلدان، وأسباب ذات علاقة بدور واضح لتدخلات خارجية لقوى ومحاور إقليمية ودولية عززت من تعاظم وتمكن تلك الجماعات وفقا لما تقتضيه لعبة المصالح، والمفارقة أن هذا التدخل غالباً ما يتم تحت شعار حماية الشعوب ودعم الديمقراطية وإسقاط الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة.

ولكن إذا أردنا أن نبحث عن السبب المباشر والرئيسي الذي أوجد الأرضية الخصبة لاستحضار الإرهاب وفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية فان كلمة السر في ذلك كله هي “الفوضى” التي عمت عددا من البلدان التي كانت مسرحاً لما يسمى ثورات الربيع العربي، والتي نتجت بفعل انهيار مؤسسات الدولة بالذات العسكرية والأمنية كما حدث في ليبيا واليمن، أو بفعل تشرذمها وما حل بها من انشقاقات كما في سوريا، أو بفعل استهدافها من قوى محلية وخارجية كما في مصر، ولهذا نجد أن مستوى تمكن الجماعات الإرهابية يتناسب مع حجم ومدى انهيار أو ضعف المؤسسة العسكرية والأمنية في البلد المعني، فكلما كانت تلك المؤسسة أكثر ضعفاً وانهياراً كان حجم الفوضى أكثر عمقاً وانتشاراً، وبالتالي نجد فارقاً في حجم ومستوى انتشار وتمكن الجماعات الإرهابية بين دول “الربيع العربي” تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا بما يوازي مستوى تماسك المؤسسة العسكرية والأمنية من عدمه وحجم الفوضى الناتجة عن ذلك.

على الصعيد الفلسطيني أين نحن من ذلك كله؟ وهل نحن محصنون وفي مأمن من الإرهاب وجماعاته؟ وهل نحتمل نحن إرهابا من نوع آخر يضاف إلى إرهاب الاحتلال وقطعان مستوطنيه؟ وما هو المنفذ الذي ستلج منه هذه الجماعات؟ وكيف السبيل إلى حماية شعبنا وقضيتنا من الوقوع في براثنه؟ في خطابه أمام المؤتمر السابع لحركة فتح تحدث الرئيس ابو مازن بشكل واضح وجلي وحاسم حول العديد من النقاط ذات الصلة بموضوع هذا المقال، والتي تشكل بمجموعها استراتيجية عمل وصمام الأمان لسد جميع المنافذ التي قد يجد فيها الإرهاب فرصة للولوج منها للأراضي الفلسطينية تحديداً في مدن الضفة الغربية التي تعتبر وحتى الآن وبحمد الله آمنة من عبث تلك الجماعات، حيث قال: أنا ضد ما يطلق عليه الربيع العربي، فهو ليس ربيعا ولا عربيا، وما يحصل الان هو سايكس بيكو جديدة  في العالم العربي، ومن هنا جاء الموقف بقوله: “إننا ضد التطرف والعنف والارهاب في فلسطين وفي أي مكان، والتأكيد على موقفنا الثابت بمحاربة الإرهاب أيا كانت دوافعه ومصادره”.

أما حول استراتيجية العمل لمواجهة خطر الارهاب، فقد أكد على أولاً: “استمرار تعزيز ثقافة التسامح، واعتماد أسس وركائز ديننا الحنيف، ووسطيته الرائعة، كنقطة ارتكاز في نشر ثقافة التسامح وحرية الاعتقاد والعبادة” وهذا يعني المواجهة الفكرية مع ايديولوجية التطرف والتشدد والعنف بمعنى آخر نشر ثقافة التنوير الديني.

وثانياً: “الرفض الحازم والصارم لأي تدخل في شؤوننا الداخلية”، وقد رأينا نتائج التدخل الخارجي الكارثية على دول المنطقة “سوريا نموذجا”، حتى لو كان هذا التدخل من أشقاء ومن باب حسن النوايا “فطريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة” و”أهل مكة أدرى بشعابها”.

أما ثالثاً: وهو الأهم فقد أكد الرئيس على مبادئ السلطة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد وسيادة القانون، واجتثاث الفوضى والفلتان بأشكاله كافة، وأضاف وبلهجة حازمة وحاسمة قائلاً “لن نسمح بالفلتان الأمني وكل من يعبث بالأمن سنقطع يده”، وفي هذا الشأن أصدر قراره لكافة الاجهزة الامنية باجتثاث ظاهرة الفلتان الامني دون تردد أو محاباة أو مجاملة لإسم أو موقع أو غطاء، وعليه بدأت الأجهزة الأمنية بحملة أمنية مستدامة تهدف إلى اقتلاع جذور هذه الظاهرة بأدواتها ومموليها وامتداداتها، وقطع الطريق على من يغذيها بهدف نشر الفوضى أملا بتحقيق طموحات شخصية مرتبطة بأجندات خارجية، أو لطموحات حزبية مرتبطة بمشاريع على النقيض تماماً من المشروع الوطني الفلسطيني، وهي طموحات نتائجها “الفوضى” التي تخدم أولاً وأخيراً مشروع حكومة الاحتلال الاسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية وفرض حلول تنسجم مع رؤيتها “دولة غزة ومجالس بلدية في الضفة”، وأداتها في ذلك استحضار الارهاب لتبرير تغولها واعادة احتلال مدن الضفة الغربية، ورسم خارطة جديدة لدولة اسرائيل قائمة على تلك الرؤية.

ربما يرى البعض في ذلك قدرا من المبالغة ونوعا من الشطط في تحليل الواقع، وأن تناول ظاهرة الفلتان الامني وما ستقود اليه بهذا التصور ينطوي على تضخيم في غير محله، وقراءة متشائمة لا تنسجم مع واقع الحال، ولإدراكنا لخطورة هذه الظاهرة وما قد ينتج عنها سنتناولها بنوع من الإسهاب في الجزء الثاني من هذه المقالة. 

الاخبار العاجلة