ريماس.. دفنت السرطان وانشغلت بتلوين لوحاتها

31 يناير 2017آخر تحديث :
ريماس.. دفنت السرطان وانشغلت بتلوين لوحاتها

رام اللهصدى الإعلام– 31/1/2017 قربَ كنيسة المهد، مهدٌ لأطفال قهرهم الوجع، واستقوى على أجسادهم الغضَّة، يسمّونه “قسم هدى المصري لعلاج أطفال السرطان” وهو أحد أقسام مستشفى بيت جالا الحكومي في محافظة بيت لحم.

هناك يصير الألم أكثر بشاعة، والضحكات مُشتهاه. رويداً رويداً، تتحول الآلام لآمال، والدمعات لابتسامات، والشفاء إكليل يناله الأطفال المعالجون.

وفي القسم نفسه، دفنت ريماس رأفت ديرية (6 أعوام) مرض السرطان، وهو ما تشير إليه الفحوصات الطبية الدورية التي تجرى لها، فقد أكدت هذه الفحوصات أن ريماس تتحسن بشكل ملحوظ، ويتجاوب جسدها مع العلاج.

ظهرت على ريماس علامات المرض بداية العام الحالي، فنقلها أهلها لمستشفى بيت جالا الحكومي، وهناك أجريت لها الفحوصات اللازمة، لتكشف عن فقر في الدم ونقص في الصفائح، لتحول بعدها إلى قسم هدى المصري، لتظهر الفحوصات أنها تعاني من سرطان الخلايا اللمفاوية.

يقول والد ريماس: “أدخلناها لقسم هدى المصري في مستشفى بيت جالا في 3 كانون الثاني من هذا العام، وتم تشخصيها في اليوم التالي، وأكد الأطباء لنا أن ابنتنا مصابة بالسرطان”.

ويضيف: “لم نكن نعلم أن الشحوب الذي أصاب ابنتنا هو علامة وعرض من أعراض هذا المرض، كنا نجري لها فحوصات عادية في المستشفى، لكن الأطباء اكتشفوا إصابتها بالمرض”.

يقول رئيس قسم هدى المصري د. محمد نجاجرة إن تجاوب جسد ريماس للعلاج كان مميزاً، وستغادر القسم في منتصف شهر شباط، وذلك بعد إجراء فحص النخاع لها والتأكد من عدم وجود خلايا سرطانية عندها، بعد ذلك سيتم متابعتها لمدة عامين.

تنشغل ريماس لوقت لا بأس به بتلوين رسومات جاهزة على دفتر مخصص لهذا الغرض، وبكلماتها الخجولة قالت إنها تشتاق للذهاب لمدرستها، والعودة إلى بيتها للعب مع أشقائها.

يزن.. جاء من غزة بلا أم ولا أب

في الغرفة المقابلة طفل جاء من قطاع غزة ليعالج في نفس القسم، اسمه يزن، وكان تشخيصه مشابهاً لحالة ريماس، لكن مع وجعه، يحمل وجعاً آخر: الفراق.

رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منح والدي يزن التصاريح اللازمة لمرافقة طفلهم المريض للعلاج في مستشفى بيت جالا الحكومي، وهكذا كان على يزن أن يمضي فترة علاجه بعيداً عن أمه وأبيه وأخوته آدم ومؤيد وأخته ريماس، نعم لديه أخت اسمها ريماس، وبذلك صارت بينه وبين ريماس جارته في القسم عوامل مشتركة أكثر، المرض نفسه، المكان نفسه، ونفس اسم شقيقته.

قال يزن صاحب الأعوام التسعة إنه غاضب جداً من إسرائيل لأنها أبعدته عن عائلته رغم مرضه.

“أمي زعلت كثير، ويوم طلعت من غزة لبستني أواعي (ملابسي) وباستني (قبلتني) وقالت: إن شاء الله برتجع بالسلامة، أخوتي الصغار كانوا نايمين، رحت بستهم (قبلتهم) لأني كنت عارف إني رح أشتاقلهم”.

“أبوي أخذني من البيت، وصلني مع زوجة عمه للحاجز وبعدين دخلنا على الضفة وأجيت على المستشفى، كل يوم أمي وأبوي بحكوا معي تلفون، وبتطمنوا علي، بس ما بقدرو يشوفوني إلا بالصور”.

223 طفلاً عولجوا من السرطان

يقول د. نجاجرة إنه تم تشخيص وعلاج 223 طفلاً كانوا يعانون “اللوكيميا”، مشيراً إلى دراسة أعدها مركز الحسين للسرطان في الأردن بالشراكة مع جامعة القدس ووزارة الصحة الفلسطينية أظهرت أن النسبة المتوقعة للشفاء في القسم تجاوزت الـ80%، وهي نفس النسبة الموجودة في أوروبا وأمريكا.

وأضاف أن نسبة الوفاة خلال المرحلة الأولى من العلاج هي أقل من 3%، وهي نسبة تضاهي أيضاً ما هو موجود في الدول الأوروبية.

علاج كل طفل يكلف 2 مليون شيقل

وأشار رئيس القسم إلى أن تكلفة علاج الطفل الواحد من اللوكيميا تكلف حوالي 2 مليون شيقل إذا تم تحويله إلى أي مستشفى داخل أراضي الـ1948، مؤكداً أن هذا القسم يوفر سنوياً على الخزينة العامة 60 مليون شيقل.

ويقول د. نجاجرة إن قسم هدى المصري يتميز بطاقم مؤهل جداً، حيث تدربوا وتخصصوا في مراكز عالمية مثل مركز الحسين للسرطان، وفي أمريكيا وإيطاليا، ويضيف: هناك 3 مدرسات يزرن الأطفال المرضى داخل القسم بشكل دوري، وذلك لأن فترة مكوث الأطفال هنا طويلة نسبياً، ولكي لا تحدث هناك فجوة في تعليمهم ومتابعة مناهجهم الدراسية، فإن هؤلاء المعلمات يقمن بتدريسهم العلوم واللغة العربية واللغة الإنجليزية.

ويوضح أن القسم يستقبل زيارات دورية لاستشاريين ومتخصصين دوليين في عدة مجالات، كالقلب ودم الأطفال، وأخصائيي أسنان، يقومون بالاطلاع على أوضاع الأطفال وتقديم اللازم لهم.

التعقيم مقدس

يؤكد د. نجاجرة أن التعقيم من المقدسات في هذا القسم، وأن محافظة العاملين في القسم والأهالي على تعقيم أيديهم وارتداء الزي المخصص خفّض نسبة المضاعفات لدى المرضى الأطفال الذين يعانون خلال فترة العلاج من تدني مناعتهم.

من هي هدى المصري؟

ولدت هدى المصري لأب وأم لاجئين في مدينة رام الله في شهر كانون الأول من العام 1962، حيث أمضت معظم حياتها في الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي. حصلت على شهادتها الجامعية في علم الاجتماع من جامعة القدس. تزوجت من الرئيس التنفيذي لجمعية إغاثة أطفال فلسطين ستيف سوزبي عام 1993، وسوياً قاما بتشييد هذه الجمعية.

أنجبت هدى طفلتها الأولى ديما عام 1996 وبعد عشر سنوات أصبح لديما أخت صغرى تدعى جنة. وللأسف تم تشخيص هدى يوم عيد الميلاد في 2008 بسرطان الدم (اللوكيميا) وذلك أثناء فترة عملها بمساعدة بعض الأطفال للحصول على العلاج في إحدى الدول، وبعد ستة أشهر من الصراع مع المرض توفيت هدى المصري في الخامس عشر من تموز 2009. وتكريماً لها ولعملها تم إنشاء “قسم هدى المصري لأطفال مرضى السرطان” في مستشفى بيت جالا الحكومي.

تاريخ القسم

قامت جمعية إغاثة أطفال فلسطين عقب وفاة هدى المصري بافتتاح أول قسم متخصص لأطفال مرضى السرطان في فلسطين تكريماً لها. وفي السادس من نيسان 2013 تم افتتاح القسم بشكل رسمي، حيث يهدف القسم للعمل على توفير العناية اللازمة والمتخصصة لأطفال مرضى السرطان من جميع أنحاء فلسطين، حيث يعمل الطاقم الطبي على إنقاذ حياتهم والتخفيف من آلامهم.

نواة لمركز خالد الحسن

وقال وزير الصحة د. جواد عواد إن قسم هدى المصري لعلاج أطفال السرطان يعد نواة لمركز خالد الحسن للسرطان.

وأضاف أن الكادر الطبي والصحي الموجود في هذا القسم مؤهل على قدر عال، وسيكون له دور كبير في تشغيل مركز خالد الحسن.

من جهتها، قالت مديرة المستشفى د. غادة كوع إن إدارة المستشفى تبذل جهوداً حثيثة لتطوير أقسام المستشفى، بما فيها قسم هدى المصري، والذي اعتبرته من أهم الأقسام الموجودة في المشافي الحكومية.

وأضافت أن القسم يستقبل الحالات المرضية من جميع المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيرة إلى مشاريع قادمة لتطوير قسم هدى المصري ليظل مميزاً في عطائه.

المصدر: فلسطين 24

الاخبار العاجلة