الوطنية الفلسطينية.. من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها؟

20 أغسطس 2023آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام  _الكاتب: باسم برهوم – الوطنية الفلسطينية، هي الطريقة التي يعبر بها الشعب الفلسطيني عن شخصيته وهويته الخاصة التي طورها على أرض وطنه فلسطين عبر آلاف السنين، وهي تأخذ أشكالا سياسية واجتماعية وثقافية وفنية وتراثية، وفي الواقع الراهن هي تعبير عن الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني بفلسطين باعتبارها وطن الآباء والأجداد. وفلسطين من النهر إلى البحر هي التعبير الجغرافي والتاريخي عن هذه الوطنية، ولا يقبل الفسطينيون بديلا عنها.

قبل نكبة العام 1948، تبلورت الشخصية الوطنية الفلسطينية وأخذت هويتها عبر الصراع مع المشروع الصهيوني، وداعميه في حينه وعلى رأسهم بريطانيا العظمى، وبالرغم أن التعبيرات الأولى عن هذه الوطنية سبقت المشروع الصهيوني في القرنين الثامن والتاسع عشر، إلا أن الصراع مع هذا المشروع جعل من مسألة نضوجها تجري بشكل أسرع وأعمق في التعبير. وبشكل عام، فإن الشعب الفلسطيني لم يتأخر في التعبير عن وطنيته، فالدولة القومية في أوروبا ذاتها ظهرت ونمت في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بدليل أن الحركة الصهيونية ذاتها، التي تأسست عام 1897، هي ظاهرة أوروبية جاءت في سياق بروز هذه القوميات.

بعد النكبة، كانت الوطنية الفلسطينية هي المستهدفة، وأن مسألة طمس الهوية الفلسطينية هو المطلوب صهيونيا واستعماريا، وبالتواطؤ مع بعض الحكام العرب في حينه، لذلك كانت مسألة استعادة التعبير عن الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة مسألة حاسمة، وهنا يعود الفضل في ذلك، وحصريا، لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” التي رأت أن لا سبيل لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني وإعادة احياء القضية الفلسطينية، كقضية سياسية وقانونية وتاريخية، إلا عبر تمكين الشعب الفلسطيني من التعبير عن هويته الوطنية. وفي هذا السياق، ولجعل منظمة التحرير الفلسطينية الكيانية المعبرة عن الشعب الفلسطيني، كان لا بد من تخليصها من سطوة وهيمنة ووصاية الأنظمة العربية، وهو ما فعلته فتح وفعله ياسر عرفات في العامين 1968- 1969، بعيد هزيمة حزيران/ يونيو، وقامت المنظمة باستبدال اسم ميثاقها من الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني، للتأكيد على الهوية الوطنية الخاصة بالشعب.

التعبير عن هذه الهوية الخاصة كانت ضرورة تاريخية، وإلا كيف يمكن التصدي لهدف النفي الصهيوني لوجود الشعب الفلسطيني، ونفي علاقته مع فلسطين وطنه التاريخي؟ التعبير عن الوطنية الفلسطينية لا يتناقض مع القومية العربية أو مفهوم الأمة، بل إن الحركة الوطنية الفلسطينية طالما رأت أن امتدادها الطبيعي هو القومية العربية وأنهما في حالة تكامل وليس تناقضا إطلاقا.

هذه الضرورة الوطنية كان لها أعداء كثر في مراحل مختلفة ولكن العدو الدائم هو الحركة الصهيونية وتعبيرها دولة إسرائيل، فالصهيونية سواء كانت يهودية أو مسيحية (المسيحيين الصهاينة) قامت أساسا على نفي وجود الشعب الفلسطيني، من هنا جاء الشعار الصهيوني الأخطر “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. ربما هذا الشعار إلى جانب وعد بلفور عام 1917 هو ما استدعى التعبير عن الوطنية الفلسطينية، فالصهيونية وإسرائيل الصهيونية هم الأعداء الدائمون والجذريون للوطنية الفلسطينية وعلاقة الشعب الفلسطيني بأرضه، ولعل الثابت الأهم بالنسبة للصهيونية هو إنكار وجود الشعب الفلسطيني، وإنكار أن له أي حق بأرض فلسطين. وهو ما استدعى عملية سرقة تاريخ فلسطين تمهيدا لإلغاء وجودها وإلغاء وجود الشعب الفلسطيني إلى جانب العدو الدائم والجذري للوطنية الفلسطينية، هناك أعداء آخرون كثر، وفي كل مرحلة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني كان يظهر أعداء ويختفي آخرون، بعض الأنظمة العربية القومية، ومن ضيق أفق للمفهوم القومي، أو من قبيل استخدام ورقة القضية لاكتساب الشرعية أو لتعزيز دورها الإقليمي، هذه الأنظمة نظرت بعداء لاستعادة الشخصية الوطنية الفلسطينية الخاصة، ورأت فيها تهديدا لإمكانية استخدامها للقضية الفلسطينية، والأمثلة على ذلك كثيرة.

الأحزاب الاسلاموية هي العدو الأبرز للوطنية الفلسطينية بعد الصهيونية، بالطبع مع فارق المنطلقات، ولا تؤمن لا بالوطنية ولا بالقومية، بل ترى في ذلك نقيضا لها. فهي تنادي بمبدأ عام واسع عن وحدة الامة الإسلامية من أندونيسيا مرورا ببنغلادش وباكستان وأفغانستان وماليزيا وحتى السنغال ونيجيريا، وبالطبع الدول العربية. وانطلاقا من مفهوم الأمة تكون الأولويات مختلفة، فقد تكون أفغانستان أولوية كما حدث عند الغزو السوفياتي لها العام 1979.

من هنا ما يجب أن يحذر منه كل وطني الفلسطيني هو المحاولات لسرقة قضيته ووطنيته من قبل هذه الحركات لمصلحة قضايا أخرى أو لمصلحة الحركات ذاتها، فجماعة الإخوان المسلمين مثلا، التي تتمسك بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فإن أي وسيلة هي لخدمة الجماعة بما فيها استخدام القضية الفلسطينية.

لنسأل أنفسنا: ما الذي أضافته أو قدمته حماس، ذراع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان للثقافة الفلسطينية، وما هو دورها في الحفاظ التراث الوطني الفلسطيني؟ لا شيء وحسب، وإنما هي ساهمت في طمس هذا التراث، لمصلحة رمزيات “إسلاموية” سطحية وواهية، كما لم نر جهدا أو نشاطا حمساويا واحدا يهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية. حماس تحاول الاختباء وراء كلمة “المقاومة” لتخفي هويتها الحقيقية باعتبارها حركة إخوانية، أو حركة من حركات الإسلام السياسي، الذين يستخدمون الدين والقضية كوسيلة للوصول للسلطة، ربما لخص محمود درويش الفكرة معلقا على انقلاب حماس الدموي في قطاع غزة عام 2007، وقال “أنت اليوم غيرك” أي إن ما حدث يهدد الوطنية الفلسطينية.

في هذه المرحلة هناك التهديد الدائم والجذري على الوطني الفلسطينية، والمتمثل بالصهيونية وإسرائيل الصهيونية، وهناك خطر آخر يتمثل بالإسلام السياسي وهو خطر لا يهدد الوطنية الفلسطينية وحسب بل القومية العربية، والدولة الوطنية العربية، والدليل دور الإسلام السياسي في تدمير الدول العربية خلال الربيع العربي.

أما الأصدقاء، فكل من يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، وبضرورة إبراز الشخصية الوطنية في سياق الصراع مع الصهيونية، القوى الديموقراطية ومعظم الليبراليين في العالم هم أصدقاء طبيعيون للوطنية الفلسطينية، هناك دول وأحزاب وقوى سياسية ونخب ثقافية تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ونضال في وجه من ينكر وجوده كشعب، وفي وجه من يريد طمس هويته أو دمجها بهويات أخرى في وقت الشعب الفلسطيني هو أحوج ما يكون لإبراز وجوده الوطني الخاص به لأنه يمثل جذر حقه التاريخي والقانوني بوطنه فلسطين.

الاخبار العاجلة