طلال سلمان باق أبدًا

27 أغسطس 2023آخر تحديث :
بايدن نتنياهو بدنا نعيش

صدى الإعلام  الكاتب: عمر الغول – طلال سلمان اسم صنعه قلم مبدع، قلم عاشق لعروبته، عاشق لفلسطين قضية العرب المركزية، عاشق للبنان العربي، لبنان التنوير والثقافة القومية المؤمنة بحرية واستقلال وسيادة العرب على أرض الوطن العربي الكبير، وفي دولهم، وفي تحرير فلسطين من الغزاة الصهاينة، وتحرير كل بقعة من أرض العرب.

طلال سلمان اسم دون في قائمة الإعلاميين العرب الرواد، الذين حملوا هم القومية والديمقراطية دون تردد، ودافعوا عن الثورة الفلسطينية بكل مكوناتها وفصائلها، وإن كان يتسم بمسحة يسارية، إلا أنه أصدر أول كتبه عن حركة فتح بعنوان “مع فتح والفدائيين” عام 1968، الذي أهداني إياه في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كنت واحدا من كتاب جريدة السفير “صوت الذين لا صوت لهم” حاملة شعار “جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان”، التي أصدرها في 26 آذار / مارس 1974، بعد رحلة امتدت لثمانية عشر عاما متنقلا في العديد من المنابر الإعلامية، بدأها مدققا لغويا في جريدة “النضال”، ثم مراسلا صحافيا في جريدة “الشرق”، ثم محررا، وسكرتيرا للتحرير في مجلة “الحوادث”، ومديرا للتحرير في مجلة “الأحد”، وفي عام 1962 ذهب للكويت ليصدر مجلة “دنيا العروبة” عن دار الرأي العام، إلا أنه عاد إلى بيروت بعد ستة أشهر، ليعمل مديرا لتحرير مجلة “الصياد”، ومحررا في مجلة “الحرية”.

ابن قرية شمسطار البعلبكية كان ناصريا حتى النخاع، ولم ينكفئ عن واحة القومية العربية، رغم العثرات والإخفاقات والانهيارات والهزائم العربية. وظل منبره (السفير) صوتا للفقراء والمهمشين والمظلومين والثوار القوميين والديمقراطيين واليساريين في دنيا العرب والعالم، والذي اعتبر أحد الخنادق الأمامية للدفاع عن العروبة ومشروعها النهضوي، جريدة “السفير” الاسم الآخر لطلال سلمان، التي ملأت الدنيا حضورا مميزا في لبنان والوطن العربي، حتى باتت تضاهي في مكانتها أهم المنابر الإعلامية والصحفية العربية. ورغم وجود منابر إعلامية هامة في لبنان وسابقة في الوجود والعمل الصحفي على “السفير”، إلا أن صحيفة “العرب في لبنان” تمكنت في فترة قياسية من منافسة تلك المنابر، والتقدم عليها في المكانة والتأثير والحضور في أوساط الجماهير الشعبية والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية.

الكاتب والمبدع والمحرر المتفولذ سلمان، صاحب القلم الوضاء كان شوكة في حلق الأعداء في الداخل اللبناني وفي الوطن العربي وعلى المستوى الإقليمي والدولي، ولهذا تعرض للعديد من عمليات الانتقام والاغتيال والتهديد المتواصل، لأنه كان هرما شامخا في تحدي الطغاة أعداء الأمة العربية، وكان نبعا من العطاء المنقطع النظير. ومن بين الجرائم التي طالته شخصيا وعائلته وجريدته: محاولة تفجير بيته في عام 1980في رأس بيروت، وومحاولة اغتياله في تموز / يوليو 1984 والتي تركت ندوبا في وجهه وصدره، كما تمت عملية تفجير لمطابع “السفير” في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1980.

كانت “السفير” مجمعا خصبا لكل الأصوات القومية والديمقراطية اللبنانية والعربية، وبيتا ومنبرا ونبراسا ساطعا ومضيئا في العالم العربي، وواحة وبستانا أزهرت فيه العشرات، لا بل المئات من الأقلام الواعدة والمبدعة. ومن بين أبرز أساتذة ورواد مدرسة السفير التي تحضرني الآن: الراحل محمد مشموشي، وجهاد الزين، وفيصل سلمان، والفنان الراحل ناجي العلي، ومحمد ووليد شقير، ومحمد بنجك، ومنى سكرية، والفنان عبيدو باشا، والشاعر شوقي بزيع، وحازم صاغية وجوزيف سماحة ونهاد المشنوق وحسين أيوب وعباس بيضون … وثلة كبيرة من الأسماء والقامات الإعلامية والثقافية.

الهرم اللبناني العربي، “صوت العرب في لبنان، وصوت لبنان إلى العرب”، لم تهزمها عمليات التفجير، ولا الاغتيالات المتكررة ضد شخص مؤسسها وصاحبها اللبناني الفلسطيني، والفلسطيني اللبناني، وصاحب مقال “الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط” (1 تموز / يوليو 2008). ولكن الحصار والخنق المالي، وعدم تمكن المعلم طلال سلمان من مواصلة الإبحار في سفينة السفير، ما أرغمه على التوقف في ميناء الصمت المثقل بكل وجع اللبنانيين والفلسطينيين والعرب جميعا في كانون الثاني / يناير 2017، حينئذ تعاظم الألم في روح الفارس المقدام، وشعر جديا، أن حلمه الإعلامي الكبير بدأ في الانكفاء والتراجع، ومنذ ذلك الوقت أيضا أخذ لبنان الوطن في الضياع، وتعاظمت الغيوم الملبدة في سمائه، وكأن أزمة “السفير”، وتوقف قلبها عن الخفقان، كانت بمثابة تشييع لبنان الدولة والنظام بمعايير ما كان عليه قبل ذلك التاريخ.

مع ذلك قاوم الفدائي اللبناني الفلسطيني والعربي طيلة السنوات الماضية بصبر وثبات، حتى توقف قلبه، ورحل إلى عالم الخلود الأبدي في أحد مستشفيات بيروت يوم الجمعة الماضي الموافق 25 آب/ أغسطس 2023 (أول أمس) بعد رحلة كفاح وعطاء امتدت لـ85 عاما، حيث ولد عام 1938 في قريته شمسطار البلعبكية. بيد أن طلال سلمان مازال باقيا بيننا أبدا، ووسطنا بما أنتج من معارف سياسية وأدبية وإعلامية، ومازال خالدا وشامخا كالطود، لأنه دون اسمه في سجل الخالدين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، وحفر اسمه بحروف من ذهب.

وفاء له تفرض الضرورة الوطنية تخليد اسم طلال سلمان بتكريمه رسميا وإطلاق اسمه على شارع او مدرسة او ميدان وهذا أقل ما يمكن أن يقدم لصاحب السفير التي لن تنسى ابدا.

الاخبار العاجلة