الزلزال البريطاني يهدّد بفرط الاتحاد

25 يونيو 2016آخر تحديث :
الزلزال البريطاني يهدّد بفرط الاتحاد

بريطانيا 25-6-2016

أوى الزعماء الأوروبيون، عدا رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، مساء الثلثاء 23 حزيران الى الفراش وهم على ثقة تامة أن الـ”لا” لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي مقدسة وأن لا مجال للتفكير في هذه الفرضية، “البريطانيون لن يتجرأوا على الانفصال عن الاتحاد”. هكذا كان لسان حال العواصم الاوروبية حتى الساعة الرابعة فجر الجمعة، عندما وقع الخبر الأسوأ على الاتحاد منذ ولادته: بريطانيا، الدولة العظمى الثالثة في الاتحاد الى جانب المانيا وفرنسا والتي تشكل مع باريس وبرلين القاعدة الثلاثية الصلبة لمجموعة الـ28، باتت خارج الاتحاد بعد 43 سنة من انضمامها اليه، وأول الخاسرين المباشرين ديفيد كاميرون الذي قرر الاستقالة “افساحا في المجال لقيادة جديدة للبلاد تتماشى ورغبة البريطانيين”.
والقرار البريطاني الخروج من الاتحاد الاوروبي بنسبة 52 في المئة في مقابل 48 في المئة للبقاء فيه، شكل صدمة في كل العواصم الاوروبية، وعلى المستوى الدولي. وبدأت الانعكاسات وترددات الهزة العنيفة تسمع أولاً في مقار البورصات الاوروبية، اذ خسرت بورصة باريس 7 في المئة بعد ساعة واحدة من افتتاح العمل والمصرف الفرنسي العريق “سوسيتيه جنرال” خسرت اسهمه 17 في المئة من قيمتها، وخسر الجنيه الاسترليني 10 في المئة من قيمته. وسجل سعر صرف الدولار الاميركي ارتفاعا سريعاً ، وهو العملة التي تلجأ إليها العملات الاخرى في حال الهزات المالية الكبرى. وشهدت الأسهم الاوروبية عموماً واحداً من أكبر الانخفاضات في التاريخ، اذ فقدت الشركات الكبرى مليارات الدولارات من قيمتها وتكبدت أسهم المصارف الكبرى في بريطانيا خسائر بـ 130 مليار دولار من قيمتها.

تخبط سياسي
وبدا الضياع الذي تعيشه كل المراكز المالية في أوروبا انعكاساً منطقياً لضياع وتخبط لم تشهد عواصم اوروبا لهما مثيلاً منذ ولادة فكرة الاتحاد عقب الحرب العالمية الثانية، وكأن زعماء اوروبا لم يضعوا في حساباتهم الفرضية الاسوأ ولم يعدوا خططاً بديلة في حال وقع المحظور. ففي باريس عقد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اجتماع أزمة مصغراً دام طوال فترة قبل الظهر، وأجرى خلاله عدداً كبيراً من الاتصالات مع زعماء أوروبا وتحديداً مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، وسيتوجه الاثنين الى برلين لعقد لقاء مباشر معها عشية القمة الاوروبية المقررة الثلثاء.
وينتظر زعماء أوروبا في القمة التي ستعقد في 28 حزيران الجاري والتي تجمع للمرة الأولى 27 دولة بدل 28، كاميرون الذي يحضر للمرة الاخيرة الى المقر الاوروبي زعيماً لبريطانيا، إيضاحات منه لما آلت اليه الامور، خصوصا أن الزعيم البريطاني كان هو من بادر الى إجراء هذا الاستفتاء، ظناً منه أنه سيخرج أكثر قوة وصلابة لمواجهة خصومه في الداخل المعارضين لسياسات الاتحاد. ويلقي الاوروبيون مسؤولية نتائج الاستفتاء كاميرون نفسه، لأنه لم يتمكن من “اقناع الشعب بفكرة البقاء ضمن الاتحاد”.
وفي بروكسيل، التي حذرت مراراً خلال الساعات التي سبقت الاستفتاء من تداعيات سلبية على بريطانيا وعلى الاتحاد في حال الخروج، استعجلت لندن اتمام اجراءات الخروج، واعدة ، كما هولاند، بمعاملة بريطانيا من الآن فصاعدا كأي دولة اخرى في العالم.

3 خيارات للمستقبل
لكن خروج بريطانيا لن يكون بهذه السهولة، فالاجراءات تحتاج الى أشهر طويلة وربما الى سنوات لفصل المسارات على المستويات الاقتصادية والسياسية، وعلى مستوى الموظفين البريطانيين في مقر الاتحاد والذين يقدرهم هؤلاء بـ2000 موظف، ومن المتوقع ان يكون خروج النواب البريطانيين الاعضاء في البرلمان الاوروبي الأسهل، أما بالنسبة الى العلاقات المستقبلية بين الاتحاد وبريطانيا فثمة ثلاثة احتمالات:
1 – النموذج النروجي، وهي الدولة الاوروبية التي لم تدخل الاتحاد ولا مؤسساته السياسية والديبلوماسية والتشريعية، لكنها عضو في الاتحاد الاقتصادي لدول أوروبا، وهي تعامل على المستوى الاقتصادي كواحدة من دول الاتحاد.
2 – النموذخ السويسري، وهي الدولة الاوروبية التي رفضت دخول الإتحاد، وعلاقتها مع بروكسيل محصورة باتفاقات ثنائية، تناقش كل اتفاق على حدة، لكن سويسرا تعيش دوماً تحت الضغط الاوروبي عند مناقشة أي اتفاق عقاباً لها على عدم انضمامها الى الاتحاد.
3- ان تتحول بريطانيا، كما يهدد بعض زعماء أوروبا الآن، مثل هولاند، دولة عادية تقوم علاقتها مع دول الاتحاد على أساس الروابط عبر المنظمات الدولية كالامم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.

خطر التفكك
وتواجه بريطانيا خطر التفكك من الداخل، بعد تصويت كل من اسكوتلندا وايرلندا الشمالية على البقاء في الاتحاد الاوروبي بنسبة وصلت الى ثلثي الناخبين. وبدأت الدعوات تخرج من الزعماء السياسيين في هذين البلدين لتنظيم استفتاء على الاستقلال عن المملكة المتحدة.

التداعيات على الاتحاد
وسيكون أول التداعيات على الاتحاد الاوروبي اقتصادياً، ذلك ان لندن تؤمن سدس ناتج الاتحاد الاوروبي، وتدفع سنوياً ما يقدر بـ15 مليار جنيه استرليني من موازنة الاتحاد الاوروبي، في حين تستفيد من ستة مليارات معظمها لدعم القطاع الزراعي.
والأزمة الكبرى التي سيواجهها الاتحاد خلال المرحلة المقبلة، هي انتعاش فكرة التفكك ومحاولة بعض القوى الاوروبية من الاحزاب اليمنية المتطرفة استنساخ التجربة البريطانية. ودعت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية اليمنية المتطرفة مارلين لوبن الى تنظيم استفتاء Frexit (خروج فرنسا) على غرار الـ Brexit البريطاني، وقال زعيم اليمين المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز الذي طالب أيضا بإجراء استفتاء: “نريد أن نكون نحن من يتولى إدارة بلدنا ومالنا وحدودنا وسياسة الهجرة عندنا”

 المصدر النهار

الاخبار العاجلة