الصوت الشعبي السعودي يسجل حضوره في قضية التطبيع لما بعد حرب غزة

29 أكتوبر 2023آخر تحديث :
الصوت الشعبي السعودي يسجل حضوره في قضية التطبيع لما بعد حرب غزة

صدى الاعلام-ينتظر أن يلقي الاستهداف الإسرائيلي العنيف لغزة بظلاله على جهود تطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل. كما قد يقود إلى اتساع دائرة المعارضين لمسار التطبيع في الشارع السعودي، ويغذي أنشطة الحركات المتطرفة داخل المملكة بعد أن خبا بريقها بسبب السياسات الإصلاحية والمشاريع الكبرى لولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي نجحت في جمع السعوديين من حوله.

وأثار القصف الإسرائيلي العنيف على غزة ردود فعل داخلية كبيرة في السعودية بما في ذلك التصريحات القوية التي صدرت عن وزارة الخارجية السعودية ضد الهجوم الإسرائيلي. ويعتقد مراقبون أن حدة تلك البيانات تأتي كصدى للغضب الشعبي الداخلي في السعودية، وأن القيادة السياسية لا تريد أن تكون في قطيعة مع الشارع ومواقفه بشأن غزة لما قد يكون لذلك من تأثيرات مستقبلية على واقع السعودية وخيارات الإصلاح.

وأكدت السعودية السبت أن العمليات البرية لإسرائيل في غزة انتهاك صارخ ومخالفة للقانون الدولي، داعية المجتمع الدولي للوقف الفوري لهذه العملية العسكرية. وقالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان صحفي، “إنها تتابع بقلق بالغ التصعيد الإسرائيلي العسكري في قطاع غزة، جراء العمليات البرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في القطاع”.

وأضافت “إن السعودية إذ تدين وتشجب أيّ عمليات برية تقوم بها إسرائيل لما في ذلك من تهديد لحياة المدنيين الفلسطينيين وتعريضهم للمزيد من الأخطار والأوضاع غير الإنسانية، لتشير إلى أنها تحذر من خطورة الاستمرار في الإقدام على هذه الانتهاكات الصارخة وغير المبررة والمخالفة للقانون الدولي بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وما سيترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة والسلم الأمني الإقليمي والدولي”.

وذكرت وكالة رويترز في 14 أكتوبر تجميد محادثات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل والسعودية، وأنها ستظل كذلك طوال مدة الصراع في غزة، بعد الصيف الذي قيل إنها أحرزت خلاله تقدما كبيرا. كما انتقدت المملكة إسرائيل علنا منذ اندلاع أعمال العنف الأخيرة مع حماس.

وفي بيان صدر إثر الهجوم الأوّلي الذي شنته الحركة الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر، قالت الرياض إنها “تذكر بتحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.

كما اتهم السعوديون إسرائيل باستهداف المستشفى الأهلي المعمداني في 17 أكتوبر والتسبب في مقتل العشرات من المدنيين. وتستمر وسائل التواصل الاجتماعي السعودية (وهي من المقاييس القليلة للمزاج العام في بلد لا ينشر الكثير من الاستطلاعات الرسمية) في دعم الفلسطينيين على نطاق واسع مع إدانة إسرائيل.

وكانت السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة تتفاوض على اتفاق تطبيع يتضمن تنازلات غير معلنة للفلسطينيين قبل النزاع الأخير في غزة. لكن تفاصيل التسوية التي وافقت إسرائيل على التوصل إليها مع الفلسطينيين ضمن الصفقة المحتملة مع الرياض بقيت غامضة، حيث لا يبدو أن للسعوديين مطالب واضحة على هذه الجبهة.

وتراجعت أهمية القضية الفلسطينية السياسية في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، ويرجع ذلك جزئيا إلى وضعها المتجمد في غياب مبادرات وسعي جدي نحو السلام بالرغم من أن التقارب بين إسرائيل ودول عربية ضمن مسار الخطة الإبراهيمية قد قام على ضرورة التقدم على مسار السلام الفلسطيني – الإسرائيلي.

وأيدت السعودية فكرة الدولة الفلسطينية منذ تأسيس إسرائيل سنة 1948. ورفضت في البداية وجود إسرائيل وأرسلت قوات رمزية لدعم الحروب العربية – الإسرائيلية في عامي 1948 و1973. لكن صعود إيران الثورية وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أقنع المملكة باتخاذ نهج أكثر اعتدالا.

واقترحت الرياض في 2000 مبادرة السلام العربية التي كانت ستعرض على إسرائيل تطبيعا واسع النطاق مقابل إقامة دولة فلسطينية. وانهارت المبادرة خلال الانتفاضة الثانية 2000 – 2005، على الرغم من أنها بقيت أساسا للسياسات السعودية تجاه إسرائيل حتى وصول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة في 2015.

ورأى ولي العهد الحاجة إلى تنشيط اقتصاد المملكة والتخفيف من التهديد الذي تشكله إيران. وكان يمكن لهذين العنصرين أن يساعدا على تعزيز العلاقات مع إسرائيل وتحقيقها، ويعتبران أكثر أهمية من التنازلات بشأن القضية الفلسطينية.

وابتداء من 2023، ظهرت تقارير إعلامية تفيد بأن المملكة بدأت في إجراء محادثات تطبيع رسمية مع إسرائيل والولايات المتحدة. وبينما واصل المسؤولون السعوديون التأكيد على اهتمامهم بحل القضية الفلسطينية، حتى هجمات حماس في 7 أكتوبر، لم تبرز سوى القليل من التفاصيل حول ما تطلبه الرياض من إسرائيل مقابل التطبيع على هذه الجبهة.

وسيتسبب إيقاظ القضية الفلسطينية من جديد في أوساط الرأي العام السعودي، إلى جانب الحلول السياسية المحتملة التي ستضطر إسرائيل إلى فرضها على قطاع غزة بمجرد انتهاء الصراع، في رفع شدة الإلحاح على التنازلات الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية قبل التوصل إلى التطبيع مع السعودية.

وتوقع تقرير لمركز ستراتفور أن تطلب الرياض بعد الحرب المزيد من التنازلات الملموسة من إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، خاصة إذا انتهى الأمر بإعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة جزئيا أو كليا. وقد تشمل مثل هذه التنازلات تعهدات بعدم إعادة توطين قطاع غزة، وهو الأمر الذي أثاره وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل بالفعل كوسيلة محتملة للسيطرة على القطاع.

ويمكن للسعودية أن تطلب تعاونا إسرائيليا كبيرا في إعادة إعمار غزة وعودة اللاجئين. وقد تدفع الرياض من أجل استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أيضا، مع تجميد أو سحب المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية. كما قد تضغط المملكة على إسرائيل للتعهد بالقدس الشرقية لدولة فلسطينية مستقبلية، وهو ما سيمثل تراجعا في السياسة بعد أن ضمت إسرائيل هذا الجزء من القدس بعد حرب 1967 مع الأردن.

ومن المرجح أن تؤدي الحملة العسكرية الإسرائيلية إلى إزاحة حماس من السلطة في غزة. ولكن سيناريو ما بعد الصراع يبقى غامضا. ومن المرجح أن يكون عودة السلطة الفلسطينية أو إعادة الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

وستواجه المطالب السعودية بتقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية معارضة من الحكومة الإسرائيلية. وإذا انهارت حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، فقد يكون خليفة يسار الوسط أكثر استعدادا لتقديم تنازلات. وحتى لو قدمت إسرائيل تنازلات، فمن المرجح أن يستمر المواطنون السعوديون في معارضة التطبيع. وقد يصبح بعضهم من أشد المنتقدين للعائلة المالكة إثر الصراع في غزة، وقد يصبح آخرون متطرفين بسبب الجماعات الجهادية.

ولا تعالج حتى التنازلات الأبعد أثرا على الطاولة، مثل استئناف مفاوضات السلام وتقديم القدس الشرقية للفلسطينيين، محركات الصراع الأساسية، مثل افتقار الفلسطينيين إلى الوضع السياسي النهائي في المنطقة. ولن يشعر الكثير من السعوديين بالرضا إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية. ونظرا لكون هذا الأمر احتمالا بطيئا، سيستمر العديد من السعوديين في معارضة التطبيع.

الاخبار العاجلة