حسابات نصر الله وطهران التي أسقطت فلسطين

6 نوفمبر 2023آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _الكاتب: باسم برهوم – لا أحد عاقل كان يريد أو يتوقع ان يعلن امين عام حزب الله حسن نصر الله توسيع الحرب الدائرة منذ شهر في قطاع غزة، لا احد عاقل كان يريد توسيع الحرب لأنها ستكون وبالا على لبنان والمنطقة، وقد تطول كثيرا ويكون لها تداعيات تدميرية واقتصادية وبيئية بعيدة المدى على المنطقة والعالم، لأننا لا يمكن ان نتخيل طبيعة الاسلحة التي قد تستخدم لوقفها، وربما يتكرر سيناريو نهاية الحرب العالمية في هوريشيما باستخدام أسلحة نووية. ولم يتوقع عاقل ان يعلن نصر الله الحرب لأن فلسطين، بالرغم من كل التطبيل والتزمير، والحديث عن وحدة الساحات، ما هي ورقة استخدام بالنسبة لطهران وليست قضية تخوض طهران حربا شاملة بشأنها.

ربما الرأي العام الفلسطيني والعربي كان ينتظر من نصر الله توسيع الحرب لاعتبارات عاطفية، بسبب ما يرونه من دمار وقتل مجنون ووحشي وفاشي في قطاع غزة وكان املهم ان يقود توسيع الحرب للتخفيف عن المواطنين في غزة، ولكن ليكن معلوما ان إسرائيل لم تبدأ بهجومها البري والدخول الى وحل غزة لو لم تكن حصلت على ما يطمئنها بان الجبهة الشمالية لن تتوسع دائرة القتال فيها، وان قواعد الاشتباك ستبقى في حدود المعقول، بحيث لا تفقد تل أبيب تركيزها الاساسي في غزة.

لفهم لماذا نحن هنا بعد خطاب نصر الله فلا بد من فهم الاستراتيجية الايرانية واهداف مشروعها في المنطقة واولوياته وما هي الاهداف الاصيلة، وما هي الاهداف الثانوية والاوراق التي هي للاستخدام لتغطية وتمرير المشروع الاساس.

الهدف الرئيس والذي لا يعلوه اي هدف هو الحفاظ على النظام السياسي القائم في طهران، وهذه الغاية يمكن ان تستخدم كل الوسائل والمقدرات من اجل تحقيقها، والهدف الثاني مصالح النظام الاقتصادية والحرس الثوري وهي مصالح هائلة تقدر بمئات المليارات ان لم يكن اكثر.

ثم بعد الحفاظ على النظام ومصالحه يأتي هدف الحفاظ على ايران ومنع الانجرار لاي حدث قد تؤدي الى دمارها، وهو الدمار المرتبط بوجود النظام واستمراره. فلا ننسى ان هناك معارضة قوية نائمة لهذا النظام ومتى تشعر هذه المعارضة ان النظام قد بدأ يضعف ويفقد سيطرته فانها قد تنقض عليه. فالهدف الثاني اذن هو الحفاظ على ايران ومقدراتها، لان البديل خسارة كل شيء.

ويأتي في المستوى الثالث مشروع إيران في المنطقة والذي هو بالأساس للدفاع عن ايران ومصالحها، وبهذا الشأن حققت طهران انجازات كبيرة جدا، فمساحة التمدد الايراني اصبحت مساحة امبراطورية، فطهران تملك اليوم قرار اربع عواصم عربية ويصل تأثيرها من البحر الاحمر الى الابيض والخليج، فهذا المشروع لا يمكن التفريط به في حرب قد تخسرها ويخسر النظام نفسه فيها.


“الأورومتوسطي”: حرب التجويع الإسرائيلية ضد قطاع غزة بلغت ذروتها


موقع فلسطين في المشروع الايراني، وكيف يرى العاقل هذا الموقع لذلك لم يتوقع ان يعلن نصر الله توسيع الحرب، فلسطين والقضية الفلسطينية هي مجرد ورقة للاستخدام وتمثل هي وشعار المقاومة الغطاء للتمدد الايراني السلس والمقبول في الجغرافيا العربية وعلى حساب العرب، انما ان تخوض ايران حربا مصيرية بشأنها فهذا لا يمكن ان يحدث، خصوصا ان ايران تدرك اكثر من غيرها ما الذي تعنيه إسرائيل للغرب والولايات المتحدة الأميركية بالتحديد، وان واشنطن يمكن ان تذهب بعيدا للدفاع عن الدولة العبرية، كما تدرك طهران ان ايا من الدول الكبرى لن تقف معها، على الاقل علنا، في حرب هدفها تدمير إسرائيل، لذلك فلسطين والقضية الفلسطينية هي ورقة للاستخدام ولمناوشات والابتزاز لتحقيق اهداف إيرانية بحتة.

احد اهداف خطاب نصر الله كان اخراج ايران ومن ثم اخراج نفسه ولبنان من دائرة الحرب بمعناها الواسع المدمر. ومن اجل تحقيق ذلك تم التنازل عن مسألة وحدة الساحات، مع ان اي عاقل لم يكن لينخدع بهذه المقولة، خصوصا ان محور المقاومة لا يتحدث ولا يبرز مسألة تحرير الجولان مثلا.. لماذا؟

والان دعونا نأتي للراهن، فكما يبدو ان رسائل واشنطن سواء الجزرة منها او العصا، بشكل واضح من الايام الاولى. وربما من الساعات الاولى لاندلاع الحرب، الجزرة تقول، اذا لزمتم انتم واذرعكم الهدوء فان عقوبات قد ترفع بشكل واسع، هو امر مهم وحيوي جدا للنظام واستمراره، والعصا هي للتهديد بتدمير مقدرات ايران مباشرة وليس مقدرات اذرعها. هذه الرسالة كانت واضحة في خطاب نصر الله الذي اخرج بكل وضوح طهران من دائرة العلم والتنفيذ والقرار لما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي واخرج نفسه.

النظام الايراني نظام ذكي جدا، ويعرف جيدا كيف يلعب بأوراقه وحدود هذا اللعب، سواء في العراق او سوريا وفي لبنان واليمن، وحتى في فلسطين، هو يدرك ان ما تم في السابع من تشرين الأول هو انتهاك خطير لخط احمر استراتيجي بالنسبة للغرب، لذلك هو تراجع خطوات وابعد نفسه عن المسؤولية في الساعات الاولى، لان هكذا انتهاك قد يمس وجوده بشكل مباشر، ثم ان اولويات طهران ضمن مشروعها وادواتها، يأتي حزب الله في مقدمتها ثم وجودها في سوريا والعراق واليمن، ادواتها الفلسطينية هي للمناورة والاشتباك الابتزازي لتحقيق شروط افضل في مفاوضاتها مع واشنطن وهي تنجح في ذلك على ما يبدو، ولكن لا ان تجرها هذه الادوات الى حرب شاملة اللهم الا اذا فرضت عليها. لذلك لم تكن فلسطين بالأساس ضمن اهداف طهران التي لها اولوية. بل انها في حساباتها هي مجرد ورقة للاستخدام لتبرير المشروع الاساسي الاوسع في المنطقة، وقد علم ذلك بوضوح من خطاب نصر الله الجمعة.

الاخبار العاجلة