أرقام للذاكرة الفلسطينية الجماعية

22 نوفمبر 2023آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _  الكاتب: باسم برهوم – هناك تشابه كبير في الأرقام المتعلقة بنكبة 1948 والأرقام المتعلق بالحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي. في الحرب التي بدأت بتصاعد منذ بداية العام 1948 وحتى صيف العام 1949، مع بدأ توقيع الدول العربية اتفاقيات الهدنة، استشهد 15000 فلسطيني، وهجر ما يقارب 900 الف ودمرت العصابات 125 الف منزل. وفي الحرب الحالية وبعد شهر ونصف فقط من العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة استشهد 13300 فلسطيني وإذا أضفنا إليهم من هم لا يزالون تحت الأنقاض، فإن الرقم سيصل إلى 15000، أي ذات رقم الشهداء أثناء حصول النكبة أما بالنسبة للبيوت المدمرة فإن الإحصائيات تشير إلى أن إسرائيل قد دمرت 45 ألف وحدة سكنية كليا، دمرت 225 ألف وحدة جزئيا، أما بالنسبة للتهجير، فإن هناك ما يقارب المليون فلسطيني قد أجبروا على النزوح إلى جنوب القطاع ويعيشون في العراء تقريبا، وإن هناك مخاطر ليزداد العدد إذا قررت إسرائيل التقدم جنوبا، كما نسمع بين الحين والآخر عن النوايا الإسرائيلية بتهجير المواطنين الفلسطينيين إلى خارج القطاع. هذا بالإضافة إلى تدمير عشرات المدارس والمستشفيات والمصانع وشبكات المياه والماء.

وهناك تشابه بمسألة أكثر خطورة من الأرقام ألا وهي عملية التطهير العرقي، والشبه ليس فقط بما يتعلق بتهجير السكان وإزاحتهم من حيث مكان سكنهم وحياتهم، وإنما بقرار تدمير منازلهم كي يمنع عودتهم، خلال حرب العام 1948 أصدر بن غوريون في شهر تموز/ يوليو قرارا بتدمير القرى والبلدات وبعض أحياء المدن بهدف منع عودة اللاجئين إليها، وأحرق ودمر 500 قرية في حينه. قرار بن غوريون هذا تم اتخاذه بالتزامن مع ارتفاع الأصوات الدولية بما فيها هيئة الأمم المتحدة، بضرورة عودة اللاجئين، وبهدف قطع الطريق على ذلك قرر بن غوريون تدمير 125000 منزل وهو مجموع منازل القرى الـ 500، والأحياء في المدن. في الحرب الحالية على ما يبدو تقوم إسرائيل بعملية تدمير المنازل بالتزامن مع التهجير، فمن يضمن، وإذا ما استمرت الحرب أن ترفض إسرائيل عودة اللاجئين حتى إلى أنقاض بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم. الفارق بين ما جرى في النكبة والحرب الحالية، أن تلك استمرت أكثر من سنة ونصف السنة واليوم حصل كل ذلك بشهر ونصف الشهر والحرب لا تزال مستمرة. إن ما تقوم به دولة الاحتلال في قطاع غزة هو حرب إبادة، بمعنى أن ما يتم الآن هو أبشع وأكثر وحشية وهمجية والأرقام هي من يتحدث عن هذه الإبادة. والمشكلة في كلا الحالتين، نكبة العام 1948 والحرب الحالية أن العالم صمت في الماضي ويصمت الآن، وأن الشعب الفلسطيني ترك وحيدا لمواجهة مصيره.

والفارق اليوم هو بالآلة العسكرية الإسرائيلية، فقد كانت متواضعة في حرب العام 48، عدد قليل من الدبابات والمدافع الثقيلة وعدد أقل للطائرات الحربية وعمليا بلا سلاح بحرية، ومع ذلك فإنه ما إن وصلت تلك الحرب إلى نهاياتها كانت العصابات الصهيونية أكثر وأفضل تسليحا من الجيوش العربية. أما في الحرب الحالية، فلدى إسرائيل قوة تدميرية هائلة ومتطورة، وهي تستخدم عمليا لقتل المدنيين الفلسطينيين العزل. وهي تقوم بذلك بمنتهى الوحشية.

وبالرغم أن الأرقام لا تقدم صورة كاملة عن النكبة التي حصلت قبل 75 عاما، فالبعد السياسي كان هو الأشد ففي حينه تم شطب فلسطين عن خريطة الشرق الأوسط وتحويل القضية الفلسطينية وكأنها قضية إنسانية. وفي الحرب فالأرقام وحدها أيضا لا تعبر عن طبيعة الخطر الذي قد ينجم عن استمرار الحرب. فالمخططات الإسرائيلية لا تزال على طاولة مجلس الحرب، وكما سبقت الإشارة. فإن العديد من وزراء نتنياهو لا يخفون نواياهم في تهجير الفلسطينيين في القطاع إلى خارجها، وربما تنقل إسرائيل سيناريو التطهير العرقي إلى الضفة وهو ما تواصل الأردن من التحذير منه وتقول إن نقل الحرب إلى الضفة خط أحمر، لإدراكها لمخاطر ذلك.

لذلك الأرقام ممهة لتحفر في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، لا للأرقام بحد ذاتها وإنما لمعرفة ما جرى في الماضي وما يجري اليوم، وما قد يحدث في المستقبل وتوقع المخاطر والعمل على تلافيها وعدم تكرار الأخطاء ذاتها. ولعل ما يمكن استنتاجه من أرقام الحرب الحالية هو أننا نعيش حالة تشبه نكبة العام 1948، كما تجدر الإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني ليس هو من استخدم مصطلح “النكبة” لتوصيف الفاجعة التي حلت به في حرب الـ 48، بل المؤرخ السوري قسطنطين زريق، فالفلسطينيون ومع هول ما كان يجري لهم وسرعة الأحداث لم يكن لديهم الوقت لتوصيف ما يجري لهم. والأمر ذاته يحصل اليوم مع الفلسطينيين في قطاع غزة، فهم يعيشون الفاجعة ولا وقت لديهم لتشخيص أو توصيف ما يجري لهم، وما قد يجري لهم.


 جنوب أفريقيا تقرر إغلاق السفارة الإسرائيلية وطرد السفير

الاخبار العاجلة