هل ستنجح إسرائيل في إنهاء معضلتها التاريخية مع غزة؟

24 ديسمبر 2023آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _  الكاتب: باسم برهوم – على ما يبدو فإن إسرائيل وقطاع غزة لا يلتقيان، فلطالما كان القطاع يشكل معضلة لإسرائيل، و إن كافة الحلول والمحاولات لم تنجح لاحتواء القطاع او جعله جزءا من طموح التوسع والاستيطان الإسرائيلي، مما اضطرها في العام 2005 تحت عنوان الانسحاب الذي كان اعادة انتشار قواتها حول القطاع. وقامت بتفكيك مستوطناتها وخرحت على امل ان تتخلص من المعضلة، الا ان ذاك لم يحصل، بل تحول قطاع غزة الى صداع مزمن الى ان حدث ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، وقررت إسرائيل على مايبدو انهاء المعضلة بالقوة وبحرب إبادة جماعية وتدمير شامل، وربما عملية تطهير عرقي واسعة.

قطاع غزة كان جزءا من الدولة العربية الفلسطينية في قرار التقسيم رقم 181. الذي اصدرته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 29 تشرين اول/ نوفمبر عام 1947. وبعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وتوسع إسرائيل واحتلالها 24 % من اراضي الدولة الفلسطينية، اصبح قطاع غزة تحت الادارة المصرية، كما تم ضم الضفة للمملكة الاردنية الهاشمية، واختفت فلسطين عن الخارطة. وخلال حرب السويس العام 1956، احتلت إسرائيل قطاع غزة، بالاضافة لاحتلالها شبه جزيرة سيناء، ووصلت قواتها الى ضفاف قناة السويس من الجهة الشرقية وقبل ان تجبر إسرائيل على الانسحاب بضغط امريكي من سيناء وقطاع غزة، جرى اول صدام مصالح بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في غزة، وأبدى الفدائيون شجاعة وجرأة معتمدين على قدراتهم الذاتية دون دعم من اية جهة، وبالمناسبة تجربة غزة الفدائية التي استمرت اشهرا قليلة، كانت ملهمة للقادة المؤسسين لحركة فتح بعد ذلك بعام ليبدأوا التحضير للثورة الفلسطينية المعاصرة انطلاقا من مبدأ الاعتماد على الذات.

عادت إسرائيل واحتلت قطاع غزة في حرب حزيران/ يونيو عام 1967، والذي سرعان ما تحول الى مصدر ازعاج من خلال مقاومته للاحتلال، بقيادة فتح والفصائل القومية واليسارية، وخصوصا في مخيمات اللاجئين ومخيم جباليا على وجه التحديد.

وفي ذروة ذلك شن اريئيل شارون، الذي كان قائدا للمنطقة الجنوبية، حملة عسكرية واسعة عام 1971، وقال في حينها انه سيدمر مساحات واسعة داخل المخيمات لتستطيع الدبابات السير بسهولة داخلها، وهو ما تم بالفعل لكن إسرائيل لم تنجح في احتواء القطاع.

وفي مطلع كانون الاول/ ديسمبر عام 1987، انطلقت شرارة الانتفاضة الشعبية من مخيم جباليا، وانتشرت من هناك مباشرة في كل انحاء القطاع وانتقلت في اليوم التالي الى الضفة والقدس الشرقية، وبقيت الانتفاضة مشتعلة 6 اعوام. وتعتبر الانتفاضة الاولى في الواقع اهم عمل نضالي للشعب الفلسطيني، وكان من الممكن ان نحقق من خلالها مكاسب كبيرة لولا اجتياح العراق للكويت في الثاني من آب / أغسطس عام 1990، والتي قادت لحرب الخليج وغيرت كل جدول الاعمال الإقليمي والدولي، كل ذلك مع انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي في مطلع التسعينات.


الاستمتاع بالقتل ..والزهو بافتراس السلام!


ومع ذلك لو لم تكن الانتفاضة لما وافقت إسرائيل ان توقع اتفاقا مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، واعترفت بموجبه بوجود الشعب الفلسطيني، وان لهذا الشعب حقوقا سياسية على اجزاء من ارض فلسطين التاريخية.

وهو ما اعتبر كسرا لمبدأ صهيوني أساسي ” أرض بلا شعب “. ولكن يجب الاشارة الى أن أول تفاوض سري بين المنظمة وإسرائيل كان حول فكرة تسليم القطاع الى المنظمة انطلاقا من فكرة ان تتخلص إسرائيل من الكثافة السكانية، فإسرائيل فقدت الامل بأن يكون القطاع مكانا مناسبا لتوسعها والاستيطان فيه، إلا أن ياسر عرفات في حينه رفض الفكرة وقال انه يمكن ان يقبل اذا تم ربط القطاع بالضفة والقدس الشرقية، لذلك جاءت فكرة اتفاق غزة أريحا اولا والذي تم توقيعه في العام 1994، وبالفعل انسحبت إسرائيل من 70% من القطاع وسلمته للسلطة الفلسطينية،وفي قطاع غزة تم بناء اول مطار فلسطيني، وكان العمل يجري لإنشاء ميناء، كما اظهر الكشف المسحي لسواحل القطاع وجود غاز طبيعي بكميات تجارية.

وانتعشت الآمال ان تصبح غزة نموذج سنغافورة، ولكن المعادلة مع بقاء المستوطنات ما كانت لتنجح. ومع اغتيال رابين، واغتيال أوسلو معه، بدأ الجميع يعود لدائرة العنف. الى ان قرر شارون اعادة الانتشار تحت مسمى الانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات هناك عام 2005. وبعد أن سيطرت حماس على غزة عام 2007 عاد القطاع ليصبح معضلة لإسرائيل، واندلعت على امتداد 16 عاما خمس حروب، الى ان وصلنا للحرب الحالية والمستمرة منذ 78 يوما، ولا زالت مرشحة للاستمرار. وهناك اعتقاد ان إسرائيل، تستغل هجمات السابع من أكتوبر الماضي، لتخوض حربا شاملة ومدمرة، في محاولة للقضاء على معضلتها المزمنة من قطاع غزة، بمعنى انها تقوم بتصفية حساب لعقود كان القطاع يمثل خلالها صداعا ثقيلا لإسرائيل.

والسؤال هل ستنجح إسرائيل بالقضاء على معضلة القطاع بالقوة العسكرية وحدها؟ قد تستطيع إسرائيل في نهاية المطاف من نزع سلاح حماس بالقوة او بقرار أممي، ولكن وإذا نجا القطاع من هذه الحرب وبقي سكانه فيه فإن اهداف إسرائيل لن تتحقق وسيواصل القطاع معضلة إسرائيل، وإذا لم تذعن الدولة العبرية بان يكون القطاع جزءا من الدولة الفلسطينية مع الضفة والقدس سيبقى القطاع يشكل صداعا ثقيلا لإسرائيل.

هناك طريق واحد لانهاء الصداع لجميع الأطراف بأن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، التي تضم غزة والضفة والقدس الشرقية، وان تنشأ دولة فلسطين الى جانب دولة إسرائيل، هروب إسرائيل من حقيقة أن للشعب الفلسطيني حقه بالحرية ودولة خاصة به سيجعلها تعيش بمعضلة ليس مع قطاع غزة وحسب بل ومع القضية الفلسطينية ولن تنعم بالامن والاستقرار والسلام.

 

الاخبار العاجلة