النكبة “شتايم” !

27 ديسمبر 2023آخر تحديث :
صبري-صيدم
صبري-صيدم

صدى الإعلام _ الكاتب:د. صبري صيدم  النكبة الثانية أو النكبة «شتايم» هو المصطلح الذي أطلقه المستوطنون على ما يحدث في فلسطين اليوم، وذلك في إطار حالة التحشيد العرقي واليميني المتطرف، والهادف إلى طرد الكل الفلسطيني من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ومن رأس الناقورة شمالاً إلى ما عرفت تاريخياً بأم الرشراش جنوباً.

هذا المسعى التهجيري المتواصل ليس جديداً، وإنما سبق أن سعت إليه إسرائيل في عدة مناسبات، باءت معظمها بالفشل الذريع، لكن حدوثها اليوم بات الأكثر احتمالية أمام تواطؤ البعض واستمرار الغطاء السياسي والعسكري والمادي الأمريكي الرسمي، الذي سمح لإسرائيل بقتل ما قد يصل إلى 35 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وتدميرٍ كاملٍ لقطاع غزة على رؤوس أهله وسكانه.

حرب نتنياهو المستعرة تسلحت برواية دينية تلمودية تنتهي بمفهوم الإفناء الكامل للعرق العربي، لكن محاولاته إلباس الحرب ثوباً دينياً، فشلت فشلاً ذريعاً مع خروج جموع اليهود المتنورين حول العالم في المظاهرات الداعمة لفلسطين، والرافضة لسياسة التطرف والظلم والعدوان، وهو ما فند بدوره أي قناعة تفيد بكون الحرب حرباً دينية ليس إلا.

فالأديان السماوية أياً كانت مستندة إلى ضوابط جمة، تتقاطع في مكوناتها مع مفاهيم التسامح والرحمة والعيش المشترك، ولا يمكن أن تقبل بالموت والقتل والدمار عقيدة ونهجاً، خاصة أن رسل الله هم حملة الرسائل السماوية، القائمة على وحدانية الخالق وسواسية عباده إلا بالتقوى، لهذا فإن توظيف الدين ليكون بمثابة الذريعة للدمار، هو مسعى غير قادر على الإقلاع، فالدين لا يقتل ولا يقتلع الناس، ولا يستبيح دماءهم ولا يوظف أياً من أدوات البغي ليسيد قوم على قوم، لذلك فإن محاولة تغليف النكبة «شتايم» بمفهوم ديني، باء بالفشل وإن كان اليمين المتطرف الصهيوني ما انفك يروج لهذا الفكر في محاولة محمومة لخلق الدافعية للجنود في الميدان، لكن استطالة أمد المعركة، يساهم في تشكك الكثيرين بهذا المبدأ والتفكير ملياً بجدوى الحرب.

نوازع نتنياهو القيادية وعشقه للسلطة والتصاقه بكرسي الحكومة، تدفع به للبحث عن كل الحجج لتبقيه على رأس حكومة الاحتلال، حتى لو كلفه الأمر إطالة أمد الحرب إلى حد يسمح له بإنجاز أي انتصار يحقق مبتغاه في البقاء على عرش إسرائيل، ويجنبه المحاكمة التي تنتظره في أعقاب فشله الأمني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. نتنياهو الباحث عن الانتصار أياً كان ثمنه، يقاتل من أجل المال والنفوذ في آن واحد ومن خلال حربٍ ظاهرها سياسي وباطنها اقتصادي بحت، ووفق خطة قائمة على ركائز عدة:
1ـ ضم قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس.
2 ـ تهجير الفلسطينيين من كامل حدود فلسطين التاريخية بما فيها الأهل في الداخل، تحت حجج وذرائع مختلفة.
3 ـ الإجهاز على قرارات الشرعية الدولية عبر القضاء على جدواها مع إزاحة الفلسطينيين بشكل كامل، وانتفاء وجودهم وهويتهم على أرضهم وأرض أجدادهم التاريخية.
4- وضع اليد على الثروات الطبيعية، بما يشمل الغاز قبالة شواطئ غزة وحقول النفط في الضفة الغربية.
5 ـ تنفيذ مشروع الممر التجاري من الهند إلى البحر المتوسط ضمن الترتيب المسبق للشرق الأوسط الجديد الذي أعلن عنه نتنياهو إبان خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي.

النكبة «شتايم» مشروع نتنياهو الأهم في حياته السياسية، الذي سيؤهله لأن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وهو ما سيكون بمثابة الطامة الكبرى على البشرية قاطبة، لكن صمود الفلسطيني وتمسكه بأرضه ورفضه للتهجير وتوحيد صفوفه ومنعه لسقوط غزة وثباته في الضفة الغربية وأرضه قاطبة، كفيل بتخريب مشروع نتنياهو الموبوء والإجهاز عليه، فهل تمر النكبة «شتايم»؟ أم ينتصر العالم والفلسطينيون بمعركة البقاء وصولاً إلى الحرية والاستقلال؟ ننتظر ونرى!

الاخبار العاجلة