إسرائيل تدفع ثمن إضاعتها لفرصة السلام

18 يناير 2024آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _ الكاتب: باسم برهوم – في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 1995 اغتال اليمين المتطرف في إسرائيل رئيس الوزراء إسحاق رابين، وهو أحد طرفي سلام الشجعان، كما كان يردد ياسر عرفات. وبعد الاغتيال بدأت إسرائيل عمليا تتراجع وتقوض اتفاقيات أوسلو، وأصبح هذا التقويض بعد فوز نتنياهو في انتخابات ربيع عام 1996 منهجيا. وعلى سبيل المثال، في وقت الذي كانت قيه حكومة رابين تقيد الاستيطان، قامت حكومة اليمين بزعامة نتنياهو عام 1997 بالإصرار على بناء مستوطنة جبل أبو غنيم “هار هوماه” بين القدس وبيت لحم، وتم إطلاق يد المستوطنين في القدس الشرقية والضفة للاستيلاء على الأرض بشكل متسارع، وجمدت حكومة اليمين بنود الاتفاقات، خصوصا تلك المتعلقة بالجدول الزمني الخاصة بمراحل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية.

وبعد عودة حزب العمل إلى الحكم في إسرائيل بزعامة إيهود باراك في ربيع عام 1999، جرت محاولات لإنقاذ عملية السلام لكنها وصلت إلى طريق مسدود في قمة كامب ديفيد في صيف عام 2000، والسبب أن باراك نفسه كان يصنف أنه من الجناح الذي عارض اتفاقات أوسلو في حزب العمل، بالإضافة إلى أن ائتلافه الحكومي كان يضم أحزابا دينية كانت تقف ضد أي تقدم يمنح الفلسطينيين مزيدا من السيادة على الأرض. الأمر الذي شكل واقعا قابلا لانفجار العنف، وما إن قام شارون بزيارته الاستفزازية للمسجد الأقصى نهاية أيلول/ سبتمبر عام 2000 حتى اندلعت الانتفاضة الشعبية الثانية، وبعد ذلك لم تفلح كل الجهود لإطلاق عملية السلام جدية.

ولكي نتوخى الموضوعية فإن التيارات الفلسطينية المناهضة لاتفاقيات أوسلو وخاصة حماس، والتي تسعى أن تكون بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد ساهمت في تدمير الاتفاقيات بشكل منهجي.

لقد كان واضحا أن أعداء أوسلو في الجانبين وفي الإقليم العربي وغير العربي كانوا أكثر بكثير من أنصاره، وفي النهاية حقق اليمين الإسرائيلي مبتغاه، الذي بات يحكم ويتحكم بإسرائيل منذ أكثر من عقدين وحتى الآن، وهو اليمين المتحالف اليوم مع أحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة، ويقوم لا بتدمير ما تبقى من أوسلو فقط، وإنما بتدمير الوجود الفلسطيني عبر عملية تطهير عرقي أكبر من تلك التي قام بها بن غوريون خلال حرب العام 1948.


الإذاعة الإسرائيلية: جنود احتياط يرفضون القتال بغزة


إن ما حدث في السابع من تشرين اول الماضي، والذي قاد إلى هذه الحرب المستمرة منذ 105 أيام ما هو إلا نتيجة لسياسات هذا اليمين، الذي أعماه عداؤه للسلام مع الشعب الفلسطيني، عن التفكير السليم فجاءت اللطمة الكبيرة وفجرت هذا الغضب وهذا الحقد والكراهية. وبالرغم من هذه اللطمة لا أعتقد، بل لا يمكن أن يخرج هذا اليمين بالاستنتاجات والعبر الصحيحة، بل هو يقوم بالهروب إلى الأمام ويمارس أقصى درجات الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة ورأى في صدمة السابع من أكتوبر فرصة ليمارس وحشيته وفاشيته، بدل أن يعيد النظر ويرى حقيقة الشعب الفلسطيني، ويرى أنه من الصعب تصفية القضية الفلسطينية وأن الحل هو بالسلام.

وثمة مسألة أهم بالنسبة لهذا اليمين المتطرف، الذي كاد قبل الحرب يدخل إسرائيل في حرب أهلية حقيقية، فهذا اليمين إنما أراد خلط الأوراق الداخلية عبر الحرب وإطالة أمدها، ويغذي النزعة اليمينية أكثر فأكثر عبر الدم، وعبر نغمة التهديد الوجودي، هذه النغمة التي يعاد إنتاجها مرارا وتكرارا. بالرغم أنه قبل السابع من أكتوبر كان التهديد الوجودي أكبر، فإسرائيل كانت تعيش بالفعل لحظة انفجار داخلي وأن جميع المحاولات لاحتواء الموقف فشلت، سواء من الداخل أو الخارج، وخاصة محاولات الولايات المتحدة الأميركية، فجاء 7 تشرين اول لتوحد الإسرائيليين مجددا في مواجهة العدو “الوجودي” ألا وهو الشعب الفلسطيني.

من الصعب التقدير سلفا الاتجاه الذي ستذهب نحوه إسرائيل خصوصا في ظل غياب جهة داخلية تخاطب الرأي العام الإسرائيلي بلغة العقل، وإن أمن إسرائيل لن يتحقق بالحرب وحدها أو بالعنف وحده، قد نرى تحولا أكثر عقلانية وقد تواصل إسرائيل جنونها، ومن هنا تأتي أهمية أن يعد الشعب الفلسطيني نفسه للاحتمالين، أما بالنسبة لإسرائيل ربما عليها أن تسأل نفسها: هل نعمت منذ اغتيال رابين، واغتيال السلام، بالأمن أكثر؟

الاخبار العاجلة