هل تخلت إسرائيل عن هدف تفكيك الشعب الفلسطيني؟

14 فبراير 2024آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _ الكاتب باسم برهوم _ أكثر ما يثير استغرابي، تلك المقولة التي يرددها كثيرون، بأن إسرائيل لم تحقق اياً من أهدافها في قطاع غزة، ربما السبب انهم يحصرون تفكيرهم بالحدث المباشر، او انهم جزء من ماكينة ديماغوجية بوعي او بدون وعي تتغذى من الشعبوية، والتي ثبت في كل محطات الصراع انها ضارة ولا تبني وعيا وتمنع امكانية التفكير السليم، ووضع السياسات المفيدة. هؤلاء يغفلون التاريخ، وحقيقة إسرائيل واهدافها التي هي الاهداف الصهيونية القديمة المتجددة.
السؤال المهم، عند الحديث عن اهداف إسرائيل من حربها على قطاع غزة، بالضرورة ان ياخذ بالاعتبار الاهداف الإستراتيجية لإسرائيل، خصوصا عندما تلوح لها فرصة ثمينة كالموجودة الان في الحرب الحالية، والسؤال هنا هل تخلت إسرائيل عن هدف تفكيك الشعب الفلسطيني وتفكيك فلسطين؟ 
حصر اهداف إسرائيل بهزيمة حماس او الافراج عن المحتجزين الإسرائيليين لديها، او حتى حصر الاهداف بما يريده نتنياهو شخصيا، هو نظرة اقل ما يقال عنها انها غير مكتملة، ولا تربط بين حرب بهذا الحجم وبين ما يلائمها من اهداف. ما قامت به إسرائيل وتقوم في قطاع غزة هو تفكيك مجتمع فلسطيني من مليونين ونصف المليون انسان، وتدمير مجتمع بأكمله، وكل ما فيه من مقدرات، انه احد مكونات الكيانية والدولة الفلسطينية المفترضة، وقد يصل التفكيك الى واقع لن يعود فيه القطاع كما كان عليه قبل السابع من أكتوبر، لا من حيث السكان والهوية، ولا من حيث تاريخ غزة الذي بقي مستمرا حتى ذلك التاريخ.
حتى الان حققت إسرائيل جزءا كبيرا من اهدافها، بقي المربع الاخير والاخطر، مربع رفح، فالآلة العسكرية الإسرائيلية تتحرك نحوه، كما انها  تقوم بتنفيذ الفصل الذي قد يكون الاخير، والذي تستكمل فيه إسرائيل اهدافها، فرفح تحولت الى مخزن بشري كبير، ناس يعيشون في ظروف قاسية وبائسة جدا، يشعرون بأن العالم تخلى عنهم، فهم في واقع قد يقبلون من خلاله باي خطوة تنقذهم من الموت. دعونا نستخدم الأرقام فهي التي تكشف الحقائق وتظهر اهداف إسرائيل الحقيقية، في غزة استشهد اكثر من 35 الف انسان،  وجرح اكثر من 75 الف،  منهم 20 الفا اصبحوا بعاهات دائمة، ومنهم الاف يحتاجون الى علاج في الخارج، وهناك معلومات ان حوالي ان 40  الفا قد غادروا القطاع عبر معبر رفح خلال الحرب، واذا جمعنا الارقام نلاحظ ان ما يقارب من 200 الف انسان هم عمليا قد جرى اما تشريدهم الى السماء، شهداء، او اصبحوا غير قادرين على اكمال حياتهم بشكل طبيعي، والاخرون قد لا يعود قسم كبير منهم الى القطاع، خاصة انه غير قابل للحياة في المدى المنظور.
واذا قلنا ان خطر التهجير ما زال قائما بشكله القسري بالقوة، او القسري بشكله  “الطوعي”، خصوصا اذا اخذنا بالاعتبار ان 70 % من منازل المواطنين قد دمرت او اصبحت غير صالحة للسكن، ومع تدمير البنى التحتية، طرق، شبكات كهرباء ومياه. بالاضافة الى دمار مئات المدارس والمستشفيات، بمعنى ان يعود قطاع غزة كما كان قبل الحرب يحتاج الى سنوات، اذا افترضنا ان أموال اعادة البناء متوفرة، ونحن نعرف كيف تستخدم الاموال للضغط السياسي. 
واذا تذكرنا ان إسرائيل لم تتخل عن هدف تفكيك الشعب الفلسطيني، وتفكيك امكانية قيام دولة فلسطينية،  بالاضافة الى كون منع وجود فلسطين على الخارطة هو هدف مركزي لإسرائيل، فإن ما جرى ويجري في قطاع غزة يصب بهذا الهدف، ومن هنا ندرك ندرك ان المكون الفسطيني الهام، قطاع غزة، قد تحول الى منطقة مشلولة، وحولته إسرائيل الى بيئة غير صالحة للحياة، بيئة تسهم بالهجرة الطوعية ندرك ان الهدف الإسرائيلي قد تحقق.
بالمقابل، إذا قلنا ان احد الأهداف المركزية للشعب الفلسطيني هو البقاء على الارض والصمود عليها، فإن ما يجب ان نقوم به هو تهيئة كل الظروف من اجل البقاء وان تنسجم اعمالنا مع تحقيق الهدف المشار اليه. الوجود الواعي على الارض، وتنظيم مقاومة ذكية ومستمرة ودائمة والمحسوبة ضد الاحتلال هو ما يقود الى التغيير وحتى ان استغرق ذلك زمنا اطول، فعلى سبيل المثال، اذا كان هدف إسرائيل تشريدنا فإن هدفنا يصبح البقاء والصمود على الارض، واذا كان هدف إسرائيل جعل حياتنا امرا لا يطاق، علينا ان نجعلها تطاق ونتكافل ونتضامن، قوتنا في وحدتنا وتضامنا وعدم القيام بأي مغامرة تمنح إسرائيل الفرصة لتنفيذ اهدافها بدعم وقبول دولي.
هناك حاجة لتقييم كل سياساتنا، وبالاخص تقييم الثمن الذي دفعناه نتيجة الانقسام، ووجود مركزين لاتخاذ القرار. لقد رأينا ما هي نتيحة كل ذلك، السؤال هل كان ضروريا ان يكون قطاع غزة مدمرا اليوم، منطقة غير صالحة للحياة؟ 
هل كان من الضروري ان نمكن إسرائيل من تنفيذ اهدافها بتفكيك شعبنا وتشريده؟ 
200 الف فلسطيني هم اليوم في عداد الشهداء والعاجزين عن اكمال حياتهم بشكل طبيعي او هم تركوا القطاع وقد لا يعودون لسنوات طويلة او لا يعودون؟ 
وما يجب ان نسأل انفسنا هل حققنا مما جرى ايا من أهدافنا  لتكون التضحيات مستحقة؟ 
يرد البعض أن إسرائيل لم تحقق اي هدف من اهدافها، فهل حققنا نحن اي هدف من اهدافنا؟ خلط الامور هو مرضنا المزمن لكونه يمنع الاستفادة من الدروس والعبر!!؟
مقاومة الاحتلال مسألة ضرورية وحاسمة ولكن كيف نمارسها وبأي طريق ومن هو صاحب القرار فيها؟ 
نحن بحاجة لعملية تقييم شاملة، وبدون القيام بهذه الخطوة سنكرر الاخطاء مرة تلو اخرى. والاهم ان نسال انفسنا دائما  كيف يمكن ان نسهم بذكاء في تغيير انفسنا وتغيير إسرائيل لان هذا التغيير يسهم في خلاصنا.

الاخبار العاجلة