وثيقة لادامة حرب الإبادة

26 فبراير 2024آخر تحديث :
بايدن نتنياهو بدنا نعيش

صدى الإعلام _  الكاتب: عمر الغول – بين الوهم والواقع مسافة كبيرة، وفجوة عميقة من الصعب تجسيرها، او ترميم ما بينهما الا بالنزول عن شجرة التطير والتحليق عاليا في سماء الفرضيات الوهمية، وملامسة الواقع حتى يتمكن الفرد الانسان او القائد والقيادة عموما من وضع خطط واقعية واقرب للمنطق والمعقولية، والا فان الخطة او المشاريع القائمة على الامنيات والتقديرات المتعامية عن المعطيات الذاتية والموضوعية، والمرتبطة بالأحلام والشعارات الغوغائية ستذهب مع الريح، وتتحطم على صخرة الواقع، وتؤدي لسقوط تلك القيادات في متاهة انفصامها والشيزوفرينيا البلهاء والصبيانية المراهقة.

وثيقة نتنياهو، رئيس حكومة حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، التي نشرها يوم الخميس 22 فبراير حول ما يسمى “اليوم التالي للحرب” في قطاع غزة، المنشورة على موقع “اكسبوكس” الأميركي تقع في دائرة الوهم، والتغريد خارج السرب، وتستند لأمنيات صاحبها، الذي اضطر لطرحها بعد ضغط اركان الإدارة الأميركية بضرورة وجود خطة إسرائيلية للتعامل مع مكوناتها. لا سيما وان إسرائيل وقيادتها بقيت تطرح أفكارا واهدافا بعيدة عن المنطق طيلة ما يزيد عن أربعة أشهر من الحرب الاجرامية، وتحاكي هدف الحركة الصهيونية التاريخي “ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض”، والتنكر لأية حقوق سياسية او قانونية للشعب الفلسطيني، وطمس حقه في تقرير المصير على ارض وطنه الام فلسطين استنادا الى قانون “القومية الأساس للدولة اليهودية” المقر في يوليو 2018، بعد شروع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب بتطبيق صفقة القرن مع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في مطلع ديسمبر 2017.

ويأتي طرحها في اليوم الـ139 لحرب الإبادة الجماعية بعد مصادقة الكنيست على قرار رفض إمكانية الاعتراف الأميركي والاوروبي بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، وعمليا الحؤول دون انهاء الانقسام الفلسطيني، الذي كرسه الانقلاب الحمساوي أواسط يونيو 2007، والإصرار على انتزاع أسلحة أذرع المقاومة، وتجفيف اية مظاهر للمقاومة الفلسطينية، وتسليم إدارة قطاع غزة لإدارة مدنية من شخصيات غزية، قد يكون للسلطة الوطنية دور هامشي فيها.

ومن الاطلاع على بنود الوثيقة المنفصلة عن الواقع، نلاحظ انها جاءت بخطوط عريضة وعامة، ولا تحمل أي تفاصيل محددة وواضحة، وجاءت انعكاسا وتجميعا لمواقف رئيس الحكومة خلال الشهور الماضية، وحسب مساعد كبير لنتنياهو، ان الهدف منها تقديم مبادئ تحظى بأكبر قدر ممكن من الاجماع، واعترف المسؤول الإسرائيلي سلفا، ان المشاورات في مجلس الوزراء ستؤدي على الأرجح الى تغييرات قبل الموافقة عليها. ومثال على ذلك، رسالة ايزنكوت، عضو كابينيت الحرب المصغر الموجهة للحكومة يوم الاثنين 19 فبراير الماضي، التي اشرت لها في مقالة اول أمس السبت بعنوان “ايزنكوت يعترف” اشارت لافلاس رئيس ووزراء الحكومة في الربط بين الخطة الاستراتيجية والتكتيكات المتبعة، وعدم التمكن في الأشهر الماضية من محاكاة تطورات حرب الإبادة، التي تتعارض مع ما تضمنته وثيقة بيبي.

ومن ابرز نقاط الوثيقة: انشاء منطقة امنية عازلة داخل أراضي قطاع غزة المحاذية لغلاف غزة؛ وسيطرة إسرائيل على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر، أي محور صلاح الدين/ فيلادلفيا بما في ذلك معبر رفح، وهو ما يتعارض مع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية 1979 بذريعة منع التهريب من الجانب المصري، وهو تشكيك بقدرة مصر على حماية حدودها؛ السيطرة الإسرائيلية الأمنية على الأراضي الفلسطينية برا وبحرا وجوا من الحدود مع الأردن الى الحدود المصرية، نزع السلاح الكامل من الأراضي الفلسطينية عموما وقطاع غزة خصوصا؛ اجتثاث التطرف في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والرعاية الاجتماعية في القطاع بمشاركة الدول العربية ذات الصلة؛ رفض إعادة الاعمار الا بعد انتهاء التجريد من السلاح، ونزع التطرف؛ اغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الاونروا”، التي تعتبر الشاهد على النكبة الفلسطينية، والمورد الأكبر للمساعدات الإنسانية في غزة؛ رفض إقامة دولة فلسطينية من جانب واحد .. الخ.

ولتعزيز قناعتي بخواء وافلاس وثيقة نتنياهو، اود الاقتباس من تعليق صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عليها، فقالت انها “خالية من أي رؤية، وأسيرة لمفهوم تعميق الاحتلال”، وأضافت أنها “لا تستحق أن تسمى خطة سياسية، وبالتأكيد ليست رؤية”، وبحسبها “كانت ردود الفعل تجاهها حتى داخل إسرائيل فاترة في أحسن الأحوال، وكان ينظر اليها على انها دعوة فارغة أكثر من كونها مخططا استراتيجيا حقيقيا”. وتابعت “إسرائيل جربت كل شيء (السيطرة الكاملة والاعتقالات والاغتيالات وبناء الاسوار) لكنها لم تقضِ على القضية الفلسطينية، لقد حان الوقت للاعتراف بالواقع، هناك جمهور آخر يشارك هذا البلد”.

ولعل ما ذكرته “هآرتس” يكشف الانفصام السياسي لرئيس حكومة الحرب عن الواقع، ولم يتعلم درس التاريخ، وظل مسكونا بالمراهقات الصبيانية والأيديولوجية الصهيونية العنصرية الفاشية، التي اكد تاريخ الصراع الممتد على العقود الثمانية الماضية تهافت وسقوط القيادات الصهيونية الدينية النازية في متاهة إدامة حرب الإبادة الجماعية من خلال الإصرار على مواصلة الاحتلال والتهويد والمصادرة للأراضي والاستيطان والقتل للأطفال والنساء والشيوخ والتدمير والتجويع والاعتقال والحواجز وبناء الاسوار تلو الاسوار دون التمكن من القضاء او تصفية القضية الفلسطينية والاقرار بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ والهوية الوطنية، الذي ما لم يحصل على حقوقه السياسية والقانونية لن تنعم لا إسرائيل ولا الإقليم بالسلام والامن والتعايش.

الاخبار العاجلة