لماذا يتحمل الغزيون كل شر البشرية؟

17 مارس 2024آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _  الكاتب: باسم برهوم – المواطنون في غزة أناس عاديون، فيهم الأذكياء والأقل ذكاء. ومنهم من هوالبسيط، والقوي والضعيف، والعنيف والمسالم، ولكن الشيء المؤكد أن الغزييين لا يريدون الحروب، بل هم ينشدون الهدوء والسلام، وأن يأخذوا فرصتهم بالحياة وأن يسعى كل منهم إلى تحصيل رزقه ويحقق طموحاته.

أن تذهب التلميذات ويذهب التلاميذ للمدارس والطالبات والطلاب للجامعات والعامل إلى عمله في بيئة آمنة ومستقرة. المزارع يزرع، والمصانع تعمل وصيادو الأسماك يذهبون إلى عمق البحر من دون أي تهديد. سكان القطاع لا يختلفون عن أي مقطع سكاني في أي بقعة في العالم، بل ربما هم مسالمون أكثر لأنهم منذ نكبة عام 1948، وغزة إما تعاني من العزلة، أو الاحتلال، ومنذ العام 2007 تعاني من الحصاروالانقسام، لذلك هم بحاجة أكثر من غيرهم للسلام.

هناك اتفاق أن ما يجري في غزة الآن هو بمثابة انتقام فتاك، ويتعرض الناس البسطاء هناك لعقاب جماعي متوحش. وليس هناك في التاريخ أن تعرضت مجموعة بشرية لمثل هذا النموذج الفاشي من الانتقام إلى درجة يمكن أن يذهب إليها الاعتقاد بأن ما يجري وكأنه انتقام صهيوني لكل تاريخ الاضطهاد الذي لحق باليهود من كل أمم الأرض وبالتحديد أمم أوروبا. وكأنه انتقام من البابليين والأشوريين والرومان، ومن محاكم التفتيش في أسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي، مرورا بمذابح القياصرة الروس لليهود في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين وصولا للإبادة النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

إن الشعب الفلسطيني في القطاع على ما يبدو يدفع ثمن كل هذا الشر البشري، ثمن معاداة السامية، والمسألة اليهودية، ونظريات الأعراق العنصرية الأوروبية، وثمن الأطماع الاستعمارية وتنافس الدول الإمبريالية فيما بينها، وثمن الاستشراق، ونظرة الغرب للشرق بأنه مجرد سكان أصليين مسموح إبادتهم، وأنهم لا أخلاقيين متخلفين، كسالى بلداء. حجم الهمجية في الانتقام الإسرائيلي في قطاع غزة يعكس حجم الشر في العق البشري، وأي إنسان في العالم من حقه أن يسأل لماذا تقوم إسرائيل بتفريغ كل الاضطهاد السميك الذي تعرض له اليهود عبر الزمن في غزة وتمارس بالضبط الأساليب ذاتها بل واكثر وحشية؟

أما الشر الأكبر، هو صمت العالم، وتواطؤه مع الوحشية الإسرائيلية، وهنا يبرز سؤال آخر: هل الشر عنيف إلى هذه الدرجة بحيث لم يبادر أحد جديا لوضع حد للحرب الوحشية؟ والأغرب أن لا أحد يتعامل مع هول الأرقام، وكأنها لا تعكس حياة بشر، لا تعكس ذكريات وطموحات وفشل ونهوض من جديد، هذا الصمت شرير ما دام لا ينظر إلى 9 آلاف طفل فلسطيني وأكثر من 8 آلاف امرأة، أو 32 ألف إنسان قتلتهم أسلحة متطورة لا يملكها إلا الإمبرياليون الكبار.


لليوم الـ163.. الاحتلال يواصل ارتكاب المجازر في غزة


الشعب في غزة لم يكن لديه علم بهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ولا أعتقد أنه لو علم سيوافق، لأنه جرب وحشية إسرائيل. فالشعب الفلسطيني في غزة يواجه انتقام بدون أي مبرر، ويدفع ثمن تاريخ شر البشرية الممتد منذ أن صنع الإنسان أول أداة للقتل، وعندما تحولت هذه الأداة من حالة الدفاع إلى حالة العدوان على البشر الآخرين وعلى الطبيعة.

إن وقف الحرب يجب أن يبدأ من عند الإسرائيليين أنفسهم وليس من طرف آخر، وإن لم يكن يردعهم ضميرهم من سفالة التاريخ، فعليهم أن يفكروا أنهم والشعب الفلسطيني يتقاسمون الحياة، والماء والهواء بنفس الجغرافيا، وأن يفكروا بالمستقبل أكثر من التفكير بالانتقام بهذه الطريقة التي لا رحمة إنسانية فيها، هم قتلوا دمروا أحرقوا جوعوا حاصروا، لم يبق شيء من أساليب العصور البربرية إلا فعلوه، ربما التفكير بالمستقبل ينقذهم من أنفسهم أكثر من التفكير بالماضي، لأن هذا الأخير يدفعهم للشر والانتقام الأعمى، ولكن يبدو أنهم بعيدون من هذه اللحظة، فقد أشار استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن غالبية اليهود في إسرائيل تؤيد فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في مطلع تشرين الأول القادم الذي أبدى إعجابه بهتلر في عدة مناسبات.

كما أن حديث نتنياهو عن النصر المطلق لا يمكن إلا أن يعني الشر المطلق.. فالسؤال: من يوقف دائرة الشر؟

الاخبار العاجلة