حكومة الكفاءات..لنقدم لها يد الدعم لا الهدم

25 مارس 2024آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الاعلام- الكاتب باسم برهوم في الستينيات من القرن العشرين كتب غسان كنفاني مجموعة قصص قصيرة عن اشكال متخيلة لعذاب الآخرة. في واحدة منها وكأنها وصف للحالة الفلسطينية العبثية المزمنة، وهي حالة طالما هدمت مكتسباتها الوطنية بيديها، في القصة امرأتان واحدة تنسج الصوف وأخرى تكر لها نسيجها كل الوقت، فواحدة تنسج وأخرى تكر النسيج، وهكذا بلا نهاية. للننطلق في معالجة الموقف المتعلق بحكومة الكفاءات.. أهمية دعمها ولماذا؟ ننطلق من مجموعة من الحقائق، الاولى، ان تشكيل حكومة كفاءات كان مطلبا دوليا، وضع على الطاولة في الاسابيع الاولى للحرب وتماشى معه العرب، وارتبطت الفكرة باليوم التالي للحرب من جهة وإصلاح مؤسسات السلطة من جهة ثانية، فتشكيل الحكومة جاء في سياقات الخروج من المأزق الراهن، وعلى امل ان يتم من خلالها انهاء الانقسام وإعادة توحيد الوطن الفلسطيني، ولربما يقود ذلك لترتيبات اوسع تقود لحل الدولتين. ولهذا تستحق المحاولة دعم الجميع.
الحقيقة الثانية، ان الحكومة يتم تشكيلها في ظرف غاية في الصعوبة، وفي لحظة تاريخية هي الاخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني، وهي لحظة تمثل نكبة حقيقية، قد تصل معها الى تصفية القضية الفلسطينية برمتها، ومن هنا وبغض النظر ان كنا نتفق مع الفكرة ام لا، او ان كنا نريد تتسيقا وحوارا أكثر بشأنها، فإن الواقع واللحظة يفرضان ان نمد للحكومة يد الدعم، لان العكس هو خطير جدا وقد يهدم كل الحالة الوطنية.
الحقيقة الثالثة، ان المهام الملقاة على عاتق حكومة الكفاءات ليست صعبة جدا وحسب بل هي تكاد تكون مستحيلة حتى مع دعم الجميع، فما بالنا اذا وضعت جهات داخلية العراقيل واشغلت الحكومة بمعارك جانبية، خصوصا ان الأوضاع في قطاع غزة تحتاج جهد مجتمع دولي وليس فقط حكومة امكانياتها محدودة، وبعيدا عن غزة، فالاوضاع الاقتصادية في الضفة في غاية السوء، فإذا اراد طرف اثارة الاحتجاجات في وجه الحكومة فمعنى ذلك حرمانها من اخذ فرصتها لمعالجة الازمات، والاهم حرمنا الشعب الفلسطيني من التقاط انفاسه والنهوض مجددا.
الحقيقة الرابعة، تتعلق بمدى جدية المجتمع الدولي، وجدية الدول العربية تحديدا بدعم الحكومة باعتبارها جزءا من الحل للخروج من المازق، جزءا من اليوم التالي للحرب واعادة اعمار قطاع غزة، الا اذا كان هذا المجتمع الدولي متواطئا الى هذه الدرجة مع المخططات الإسرائيلية للقطاع، وإذا كان الامر كذلك فإننا نحن الفلسطينيين يجب ان نتكاتف من اجل افشال المخططات الإسرائيلية.
الحقيقة الخامسة، هي ان هذه الحكومة، وبغض النظر عن اية ملاحظات، فإنها تمثل الشرعية الوطنية الفلسطينية، وهذه الشرعية هي آخر ما تبقى لنا من حالة وطنية يمكن البناء عليها وليس هدمها، وربما هنا يأتي دور حركة فتح التي هي ام الشرعية في دعم الشرعية ودعم نفسها بالاساس.
الحقائق المشار اليها هي في غاية الاهمية، لكنها وحدها قد لا تقنع الفصائل الفلسطينية لدعم الحكومة، لذلك هناك حاجة لتكثيف الحوار الوطني والهدف تشكيل سياج سياسي وطني لدعم الحكومة، التي من المفترض ان اهدافها تتفق معها الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني، فمن هو ضد اغاثة اخوتنا في قطاع غزة ومنع تهجيره؟ ومن منا ضد إعادة بناء غزة، وان المهمة في غاية الصعوبة تحتاج تكاتف الجميع؟ ومن هو ضد إعادة توحيد القطاع مع الضفة وانهاء الانقسام الذي اوصلنا للنكبة الحالية؟ واخيرا من منا ضد اصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية، ووضع حد لبعض مظاهر الفساد، وإعادة بنائها بطريقة اكثر مهنية؟
وربما نكون بحاجة في سياق ذلك إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها، وفصل ادائها ومهامها عن السلطة، وان تشارك فيها كل القوى الفلسطينية، لتصبح هي السياج السياسي لدعم الحكومة، ويمكن ان يلعب المجلس المركزي بعد اعادة بنائه انطلاقا من مشاركة الجميع، ليكون برلماننا مؤقتا يراقب اداء الحكومة، ويحضر لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. وأخيرا ان نقوم وبشكل مشترك للاعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية. تأتي بعد توحيد الضفة والقطاع وبعد ان يصبح لدى الشعب الفلسطيني سلطة واحدة وقانون واحد ومؤسسة امنية واحدة.
الانتخابات ليست هدفا بحد ذاتها انما هي بالنسبة للحالة الفلسطينية وسيلة لتعزيز وحدتنا الوطنية، وتعزيز نظامنا السياسي وتجديد شرعيته. لكل ذاك نحن بحاجة ان نعطي حكومة الكفاءات فرصتها ونقدم لها الدعم، ولكن ربما على رئيس الوزراء المكلف الدكتور محمد مصطفى ان يحسن اختيار وزرائه جيدا، وان يضع لحكومته برنامجا عمليا تستطيع تنفيذه وتسويقه داخليا وخارجيا، وان يشمل مراحل تحقق ما جاء من اهداف في كتاب التكليف…دعونا لمرة واحدة ان نكون إيجابيين مع انفسنا ونخرج من دائرة المناكفات التي انهكت شعبنا وقضيتنا.

الاخبار العاجلة